مقالات
خداع النفس
في صيف عام 1994، وبالتحديد في الرابع عشر من شهر اّّب، كنت في طريقي الى الضفة الغربية عبر جسر الملك حسين، قاصدا رام الله. ولما كان المشوار مرهقا للجسد ومؤلما للروح وقاسيا على القلب ، اذ يتعرض المسافرون الى استفزازات لا اول لها ولا اّّخر على ايدي جنود ومجندات ما يسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي ، فتوقفت في اريحا، وقصدت بيت صديقي الاستاذ احمد نجم المدير العام في وزارة العمل الفلسطينية والعاشق الابدي لاريحا فاستقبلني بفرحة كبيرة وافرد لي مكانا في البرندة امام بيته حيث تراه ممدا هناك دائما اتقاء لصهد صيف اريحا، وقدم لي ( اكلة ملوخية) قطفها من حديقة بيته وشربت معه الشاي بالنعناع الريحاوي المشهور، ثم اخلى لي المكان لاستمتع بقيلولة هادئة وعميقة امتدت الى ما قبل مغيب الشمس، استيقظت بعدها وانا اشعر بالراحة فيما اّلام القلب والروح تحز صدري .فراح يستعرض امامي الاوضاع السائدة في الضفة في ذلك الوقت، لكنني لم اكن في مزاج يمكنني من السماع او المتابعة ، فادرك ما اعانيه، وعرض عليّ ان يأخذني في مشوار قصير غرب اريحا وشمالها في سيارته المتواضعة حيث الماء والخضرة.
وشعرت وانا اتنقل بين قنوات الماء عبرالبساتين ان ثقلا انزاح من على صدري، غير انه وضعني امام مفاجأة لم تكن لتخطر لي على بال، اذ وجدت نفسي وجها لوجه امام غابة هائلة من اشجار النخيل، ومعرشات العنب المعلق والورود على كافة الاشكال والالوان اضافة الى مزروعات اخرى. وقبل ان اسأله عن سر هذه الغابات العملاقة، راح يشرح لي : هذا الشريط من الارض استولت عليه اسرائيل وطردت منه المزارعين الفلسطينيين على شكل دفعات وفي اوقات متباعدة وعلى نحو هادىْ وهو بعمق عشرة كيلومترات غرب نهر الاردن وزرعت فيه اشجار النخيل هذه التي تراها- اكثر من مائة الف شجرة- تطرح اطنانا من البلح يسمونه( مجنون) وهوبلح مهجن عن البلح العراقي المعروف والمشهور ( البرحي) وكذلك جلبوا اجود انواع العنب المخصص للنبيذ، اضافة الى الورود والثمار الاخرى الصيفية والشتوية وتصدر كلها الى اوروبا. والشريط منطقة عسكرية محظور الاقتراب منها. كان ذلك في دقائق قليلة ثم عدنا الى اريحا.
ولم اقل شيئا تلك الليلة الحزينة لكأنما اشتعلت النار في احشائي وكذلك احمد الذي بدا مهموما وموتورا وغاضبا في صمت جريا على عادته منذ عرفته وطفقت اسأل نفسي : ترى ماالذي تريده اسرائيل من هذا الشريط الزراعي؟! اهو مجرد استثمار مؤقت ام انه باق كما المستوطنات السرطانية التي تتوزع على اراضي الضفة وحول القدس!! ولم اسمع جوابا على سؤالي او اقرأ شيئا عن ذلك الشريط الا قبل ايام معدودة حينما سئل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن هذا الشريط، فقال ان اسرائيل ستحتفظ به الى الابد حتى بعد قيام الدولة الفلسطينية هذا اذا قامت ، لاننا نعتبره خط الدفاع الاول عن اسرائيل وامنها،والشريط الفاصل بيننا وبين العرب. ارأيتم وسمعتم هذا الذي يدعو الى مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين والعرب دونما شروط مسبقة!!! يخيل اليّ اننا نمارس لعبة خداع قاتلة، اعني خداع النفس حينما نتحدث عن السلام مع اسرائيل وعن اقامة الدولة الفلسطينية في ظل كل هذا القهر والنهب والاغتصاب
ابراهيم العبسي
مقاله رائعه .. ارجو قراءتها احبتي ..
المفضلات