السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الـــزبــّـال
د.محمد العوضي
في اليوم الرابع من عيد الفطر الماضي ، كنت في مجمع الحمرة مول بالفروانية ، أدركتني صلاة المغرب ، فذهبت للصلاة في الدور الثالث في الزاوية الصغيرة التي تقع بين عيادة الميدان للأسنان ، وسفريات الفروانية.
كنت في الصف الثالث، كانت قراءة القرآن تتلى بصوت جميل ، وبأداء سليم ، رغم أن الذي يصلي بنا ليس عربياً ، والعجمة ظاهرة على لسانه. انتهت الصلاة ، وإذا بالإمام شاب حنطاوي البشرة ، نحيل الجسد ، متوسط القامة ، غطت خده لحية خفيفة ، جلس بعد الصلاة بهدوء يسترخي من عناء الدنيا بالتسبيح ، كان بجواري يصلي طبيب الأسنان الاستشاري الدكتور عبدالله المصري وجمع من الأطباء ، والمدير لسفريات الفروانية وبعض رجال التجارة.
اقتربت من الذي صلى بنا ، سلمت عليه ، وسألته ما وظيفتك؟ فقال: زبال ، وقد بدا ذلك ظاهراً من البلسوت البيجي الذي يرتديه هو وأصحابه ، قلت له : أين تعلمت تلاوة القرآن ؟ فقال : تعلمته وحفظته في مدينة كيرلا بالهند ، واسترسلت معه في الحديث عن معاشهم .. سكنهم .. شركتهم .. أوضاعهم .. كان الدكتور عبدالله المصري ينتظرني ، قلت له : لا تعجب يا دكتور ، إنسان فقير وغريب ، هاجر آلاف الأميال من أجل دنانير معدودة ، من أجل تأمين الرزق له ولمن يعول ، والتبسط مع هؤلاء ومواساتهم عبادة لا تقل عن الصلاة ، ولقد أسرني منظر الصلاة ومعانيها الاجتماعية ، زبال فقير أعجمي يؤم ويقود مواطنين ودكاترة وأطباء ومسؤولين ، ليتنا نفهم الصلاة وندرك ثمرتها الاجتماعية والأخلاقية.
أسرد هذا المشهد لأعزز قيمة التواضع والمبدأ القرآني ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، في ظل ازدياد معدلات التعصب ، وانهيار الولاء للحق والمبادئ ، واستبدال ذلك بالالتفاف الأعمى حول الانتماءات ، لمجرد أنها انتماءات ، لقد رأيت في هذا الزبال الهندي من الصدق والإخلاص ما يفوق آلاف المواطنين من طول البلاد وعرضها ، لا فرق بين أبناء بطنها أو أولاد اصابعها أو منتجات « وسطها »!! ، فالقيم لا علاقة لها بالمسميات ، وإنما بما تربى عليه الإنسان ، وما استقر عليه خلقه وضميره ، فالعبرة بالسلوك وليس بالدجل بالشعارات!!
المفضلات