بقلم: مامون شحادة
أسئلة كثيرة تراودني بين هنا وهناك وأنا على متن قاربي الصغير، حيث أخذت الأسئلة تلاطم عقلي كما الأمواج تلاطم قاربي، لا أدري ما الذي يعتري هذا البحر على طول المسافة بين هنا وهناك مقارنة بعقلي.
صحيح ان المسافة طويلة ترهق من يسير، لكن الإنتماء الى هذا الطريق من خلال معرفة الهدف تجعل ممن يسير عليها يعرف ماذا يريد والى أي طريق يتجه.
هنا تجتاح السائل موجة من الأسئلة الكثيرة تضعه على محك الإجابة فيما يسمى بالصراحة، ولكن أأنت قادر على أن تكون صريحاً في إجابتك وفق منظومتك الإنسانية؟ ولا تنس أنك إنسان ولك فطرة ولدتها كل نساء الأرض فيما يعرف بالأصل التكويني، ولكن الظروف الحياتية والتنشئة تختلف من مجتمع الى آخر.
قاربي الصغير اقترب كثيراً من شاطىء النسيان، حتى أخذ حراس هذا الشاطىء بإلقاء القبض علىّ بتهمة اختراق الحدود الإنسانية، والتهمة أنني اشتقت الى اخوة لي في الطرف الآخر من حدود التجزئة والقسمة لهذه الأرض، حيث وجه إلىّ سؤال، فحواه أنني لست من مواطني هذا الشاطىء، إنما من مواطني الشاطيء الآخر، حتى أخذت بالإجابة قائلاً: إن معادلة التكوين لهذه الأرض تحتوي على الكثير من العناصر المهمة التي يجب عدم إغفالها، فيما يسمى بالإنتماء لهذه الكرة الأرضية.
ولو أنك خرجت من قريتك متوجهاً نحو المدينة وسألت من أية منطقة أنت، حتماً إن الإجابة ستكون متعلقة بقريتك، فيما أن الخارج من مدينته نحو محافظة اخرى ستكون إجابته بإتجاه مدينته، هكذا هي المعادلة.
فلو خرجت من إطار دولتك الى دولة أخرى فستكون إجابتك نفس الإجابة السابقة بالإنتماء الى قطريتك، ولكن!! لو خرجت من إطار قطريتك الى كوكب آخر خارج كوكب الأرض، فماذا ستكون إجابتك؟ هل ستقول أنا من سكان الأرض؟نعم، ستكون إجابتك هكذا وبغض النظر عن أي عرق أو مجتمع أنت، وستكتفي بإجابة أنك إنسان من سكان كوكب الأرض.
هنا يأتي السؤال مترافقاً مع حيرة وتلبك في الطرح. بما أنك إنسان وفطرة بوصلتك تشير الى الأرض، فلماذا يقتل الإنسان أخاه الإنسان؟ وأنت تعرف أن الأرض لو تعرضت لغزو خارجي من كوكب آخر فسنكون كلنا معشر البشر الى خندق واحد ومن كل الأعراق والمجتمعات ضد هذا الغزو الخارجي.
ولكن المكابرة على الحقيقة «قتلتنا» جميعاً، وأنت تعرف وأنا أعرف أننا نؤلم الأرض كل يوم، رغم أن الأرض مصممة على أن ندفن فيها جميعاً، فتربة قبرك لا تختلف عن تربة قبري، فالأرض واحدة والشمس واحدة والقمر واحد، ولكن الكواكب كثيرة ومختلفة، فلا تعتقد أنك وحيد في هذا الكون، فالكون واسع ولكن أعيننا ضيقة لا تحتمل الرؤية إلا في مجال القتل واتهام الآخر والاستثناء.
عدت الى قاربي لأعود الى الجهة الاخرى من الشاطيء ومعي أحلام طفلة أمنيتها ان تكون صحفية لكن رصاصة من الخلف اخترقت أحلامي بين طرح معادلتي وعودتي، ولغة القتل انتصرت على المعادلة الإنسانية في طرح لغة التفاهم بين البشرية، حتى أخذ الموج يلاطم جثتي الملقاة على شاطىء النسيان بين مد وجزر، فلم تجد جثتي أي إنسان يتجرأ على دفنها، فعاد قاربي الصغير وحيداً الى شاطىء الذكريات في الطرف الآخر، وأنا لم أزل ملقى على شاطىء النسيان كما هي الأرض في طريقها الى معانقة المريخ.
المفضلات