للقانون صور متعددة : نظرية وتطبيقية وتشريعية ، وباختلاف صور القانون فإن الثقافة القانونية تعني إدراك مناحي القانون النظرية والعملية بحيث يعرف الفرد مصطلحات القانون وما تشير إليه من معاني ترتبط بالحياة ، وتعني أيضا أن يعرف الإنسان ما له من حقوق وما عليه من واجبات ، وتعني كذلك فهم ووعي لحدود المسئولية بين الفرد والمجتمع ، وما يترتب على العلاقات والتعامل بين الناس من ارتباطات حقوقية سواء كانت مادية أو معنوية .
وعند النظر إلى حياة المواطن واستعراض وقائع الناس الاجتماعية ومقارنة ذلك بما أطلقنا عليه الثقافة القانونية نجد أن صور الحياة المختلفة ووقائع المجتمع بشكل عام تبتعد عن مراعاة النواحي القانونية مما يعني فراغا اجتماعيا يخلو من فهم ما يدل عليه القانون وما تعنيه الثقافة القانونية وأهمية تطبيق القانون في تنظيم الحياة للفرد وللمجتمع على السواء لأن تحقيق ما للفرد من أهمية وحقوق ومراعاة ما يستحقه من حياة كريمة كمواطن ينعكس إيجابا على توازن المجتمع ويؤدي إلى مجتمع يهتم بالاعتبارات القانونية .
وفي الحياة الاجتماعية يواجه المواطن الكثير من الحالات التي تتسبب في إلحاق الضرر له أولا ، وفي التقليل من قيمته ثانيا ، ونظرا لضعف ما لدى المواطن من ثقافة قانونية نجده يتعامل مع كثير من هذه الحالات السلبية بلا مبالاة وبلا وعي قانوني الأمر الذي يفقده حقه الثابت ، ومن جانب آخر فإن هذا التعامل السلبي يفاقم هذه اللا مبالاة فتصبح وكأنها أمر طبيعي .
وهناك العديد من الأحداث والوقائع التي يرافقها استغلال قانوني، وهذا الاستغلال قد يكون عفويا نتيجة لعدم الوعي بها أو قد يكون هذا الاستغلال مقصودا بسبب جهل الطرف المعني بما يترتب قانونيا على نتائجها ، والمثل الصارخ لهذا هو ما نراه من موافقة المواطن على تعاقد ضمني حيال مسألة خاصة به مع شخص أو جهة أخرى بحيث يتم هذا التعاقد بشكل ودي ودون أي صياغة قانونية لتثبيت ما يخصه من حقوق رسمية ، ولو فرض جدلا إصرار المواطن على كتابة بنود ما أتفق عليه لوجدنا غالبا أن الطرف الثاني يمتنع عن توثيقها رسميا .
وفي كثير من الحالات الواقعية يعمد المواطن على ترك ما له من حق قياسا على المردود المادي المترتب على ذلك إما تصغيرا لقيمة هذا المردود أو حرجا من ردة فعل تقليدية ، وفعلا من المحتمل أن يتسم ما يحصله ماديا بالتواضع عند مطالبته بحقه إلا أن ما يعنيه التعامل القانوني الجاد مع أي حالة صغرت أم كبرت يعد أكبر قدرا وأهمية مما يتصوره المواطن .
وكلما ازدادت الحالات الفردية التي تمتلك الثقافة القانونية والتي تطالب بالتعامل القانوني لما تواجهه من مواقف وقضايا كلما تشكلت حالات اجتماعية مساندة لها تعمل على تحويل هذه المطالبات إلى قوانين تدخل ضمن الثقافة القانونية ومن ثم تعزز تطبيق هذه الثقافة على أرض الواقع .
المفضلات