هذه مَقامةٌ -عصريّة- خفيفة !
كانت قَد طلبتها مِنّي إحدى الطالِبات في الجامعة كواجبٍ مفروض، فلم أردّها، واسمها "مَجد"، فطلبتُ مِنها موقفاً بسيطاً، فنسجتُ عليه هذه المَقامة..إن جازَ لنا أن نُسَمّيها كذلك.
المَقامة المجديّة العَبدليّة
حَدّثتني صديقتي عِطاف، ذات الصون والعفاف، قالت: رَكِبتُ السرفيس بَعدَ يومٍ تعيس، وكان الجوّ ماطِراً ولا يَدع ما يَسُرّ خاطِراً، فَرُحتُ باللهِ أتعوّذ مِن شَرِّ كُلِّ مأخَذ.
ورَكِبَ معنا عجوزٌ وجهُهُ قَد تَجَهّم، فَلَمّا رآني تَطَلّقَتْ أساريرهُ وتَبَسّم، وقال: مَرحباً يا رائِدَة، لَعَلّكِ إلى البيتِ عائِدة !
فقُلتُ لستُ رائِدة، وإنِّما عِطافٌ بِنتُ ماجِدة، فقال كأنّه لَم يَسمَع أو بِكلامي لَم يَقنَع : كيفَ حال أمكِ وأخوكِ، كَم مَرّةٍ بِحُضني أجلسوكِ ، ورحمةُ اللهِ على أبيكِ قَد كان شَهماً شامِخاً كالدِّيكِ !
فقُلتُ: يا عَمُّ أنتَ واهِمٌ و رُبّما ليلاً نسيتَ مَن بالصبح تراهم.
أبي مازال حيّاً يُرزَقُ والخيرُ في يَديَهِ يُورِقُ.
فقال: لا بُد إذن مِن الزياره ولنشتري لَهُ هَديةً إمارَه.
أحرِجتُ مِن شيباتِه، وقُلتُ خيراً آتِهِ.
ووافقتُهُ بَعد تفكيرٍ وتخميسٍ وتسديس، وتَرَجّلنا بَعدَ أن دفعتُ عَنّي وعنهُ أجرةَ السرفيس.
وقال: يابُنيّتي، إن تَقبلي، فَلنأكل الكباب في ذا "العبدلي" !
فَقُلتُ يا عمّ لا أستطيبَ ذا الكباب وأنا واقِفه والناس تنظر لي على الطّعامِ عاكِفَة.
فقال: شأنكِ، لكِنّ بَطني خاوية، وأمعائي على بعضِها منذ الصبحِ ثاوية....وطافَ على الأسياخ، يأكلها حتّى داخ !
وقال لِلبيّاع: كم يا ترى تُريد يا طَمّاع ؟!
فقال: خَمسَةٌ مِن الدّنانيرِ فَقَط، وعَفا اللهُ عمّا مِن فَكيكَ سَقَط. فَقال: بل يكفيك أربَعة، أليسَ فيكَ لِذي الشّيباتِ مَنفَعَة ؟!
فأجابَه: أربَعةٌ أربَعَة، ويجبرُ اللهُ عن الدّينار الضّائِعَة.
فقالَ: يا بُنيتي، ما في ثيابي إلاّ خمسينَ صامِدَة، فَلَعَلّ في "جُزدانكِ" فَكّةً زائِدَة، وعِندما أشتري لوالِدكِ الهَديّة، أجزيكِ ما دَفعتِ 100%
فقلتُ: يا عَمّي كَفاكَ رَبّي شَرّ اللائِذاتِ، وهذهِ نُقودٌ مَكنونات، وَفّرتُها بركوب السّرفيسات بَدَلاً مِن التّكسيات، فَخُذها كُلّها "دنانيرٌ ثَمانية"، وأعفيكَ مِن الهدايا الفانية.
فقال في اغتِضاب: أتقصدين أنّني نَصّاب، يا عيب .. "يا شَباب .."
ونادى عَليّ النّاسَ في المُجَمّع، وكِدتُ مِن الإحراجِ أن أذوبَ "كالمشمّع" !
ولولا تَدخّل البائع الشّجاع في أمري، لَكِدتُ أن أموت مِن غيظي ومِن قَهري ..
ولُذتُ أغوصُ في الزّحام، أتحاشى نَظرَةَ الذِّئابِ واللئام.
وقُلتُ في نفسي : "تَعَلّمي" ما كل ذي شَيبٍ على الدّوامِ يُكرَمِ !
وتَذَكّري ..
ومَن يَجعل المعروفَ في غيرِ أهلِهِ ...... يَكُن حَمدُهُ ذَمّاً عليهِ ويَندَمِ !
::
المفضلات