تعرفت عليها بصدفة عمياء ... كنت بجولة سياحية في مكة مول ... أصحابي في الحارة كانوا يتحدثون عن مكة مول وكأنها من قصص الخيال ... وأنا متطفل من الدرجة الاولى ...
كان لقائي بها صدفة ... ركبت الدرج الكهربائي وركبت هي أيضا ... وشاءت الاقدار أن أسقط لتلتقطني هي بيدها وتحميني من كسور باليد والساق لا مفر منها ...
بطبيعة الحال شكرتها و قبلت رأسها وبدأت قصتنا تكبر ... حدثتها عن سجل حياتي ... وعن الوظائف التي شغرتها ... مهرب ، دكنجي ، عتال ، كندرجي ، والآن صايع بدون شغل ...
كانت فخورة بصراحتي لدرجة انها -حلفت 100 يمين - الا أزورهم بالبيت بعبدون ... ومع إصرارها ورفضي كان الموعد الساعة السابعة مساءاً ... أرتديت قميص أزرق داكن وجاكيت جلد وبنطلون جينز فاتح وكندرة سوداء ... ووضعت القليل من الجل على شعري بالاضافة الى حلاقتي للحيتي ...
وصلت البيت بعد مسيرة ضياع في شوارع عبدون ... ضربت الجرس ... ظهرت لي من الباب سيدة سمراء - عرفت فيما بعد أنها السيريلانكية - ... قلت لها بحرارة : "يعطيكي العافية يا حجة ، فلانة هون ؟؟ " .... لم تجبني وتكلمت معي بالانجليزي وأشارت لي بالدخول ...
طبعا لم أفهم ولا كلمة منها لأن ثقافتي أسبانية ... فوالدي من أصول أسبانية من عشيرة كارلوس تحديدا !!!...
دخلت -رجل ورا ورجل قدام- لصالة واسعة ... كنبايات وطاولات وثرية في أعلى السقف وبرادي ورائحة ملطف جو بنكهة المنجا المصرية ... وكلب صغير بجانب كرسي تجلس عليه سيدة متقدمة بالعمر ... رمقتني بابتسامة ولم تعبرني بل بقيت تتصفح مجلة نسائية كانت بيدها ...
جاءت لحظتها صديقتي ... فقد كانت بكامل أناقتها ... ورائحة عطر فرنسي تفوح منها ... مدت يدها سلمت علي وطلبت مني الجلوس ...أخذنا بالكلام أمام والدتها كيف أنقذتني من أنياب الدرج الكهربائي ... وكيف كان اللقاء وكيف جمعت الصدفة بين شتيتين ...
انا من الغويرية وهي من عبدون ... قصة ولا بالاحلام !!! انتهت السهرة شربت خلالها كباتشينو و هوت شوكليت وشاي بالميرمية وكعكة بلاك فورست وتعشيت همبرغر مع كاسة بيبسي ...
عدت الى غرفتي التي إستأجرتها عند حسبة الغويرية ... وأخذت أفكر فيما جرى اليوم ...
وأكتشفت كم نحن قريبين من بعضنا البعض ... وكأننا تربينا معا ... كل شيء بيننا متوافق ومتقارب ...
فهي تحب أكل الهمبرغر والبيتزا وأنا أحب المنسف ومجدرة البرغل ...
هي شرابها المفضل الكباتشينو والنسكافيه وأنا شرابي المفضل الشنينة والشاي بالميرمية ....
هي تحب شكسبير وريكي مارتن وأنا احب نزار قباني وعبده موسى ...
هي تحب رقص الديسكو والسالسا أما أنا أحب الدحية والتشييل عالمجوز ...
هي بحياتها لم تركب باص النقل العام و أنا بحياتي لم أركب غير باص النقل العام ...
هي تصبغ شعرها باللون الاحمر الفاتح وانا أصبغ شعري بالحناء -كل نهاية سنة وبالتحديد وقت رجعة الحجاج من السعودية- ...
هي تسمع موسيقى يان وبيتهوفن وأنا أسمع موسيقى دقات عود اللوزيين ...
هي مصروفها اليومي 50 دينار وأنا مصروفي اليومي 85 قرش بعد طلوع الروح ...
وفي سبيل المزاح عايرتني بعتق كندرتي وأنا عايرتها بأن سيارتها bmw موديل 2004 ...
هي ... وأنا ...
هي ... وأنا ...
لكن كما لا يزال احدهم يردد
وماذا بعد ..؟؟
في ظل كل هذه العلاقات والترابطات ... هل ترون مستقبلا امام هكذا معرفة ؟؟؟
المفضلات