بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان بما وصف به الله تعالى نفسه في كتابه
"ومن الإيمان بالله: الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله سبحانه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾(1) .
فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يكيفون، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سمي له، ولا كفو له، ولا ند له، ولا يقاس بخلقه -سبحانه وتعالى-؛ فإنه أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه" .
ابن تيمية يرحمه الله
........................................ .......... ........................................ .......... ..............................
قال: "ومن الإيمان بالله": مما يدخل في الإيمان بالله "الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، وبما وصفه به الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما صح من سنته، هذا هو من الإيمان بالله -كما تقدم هذا-.
والإيمان بذلك يكون بإثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله، وبنفي ما نفاه الله عن نفسه ونفاه عن رسوله.
يكون الإيمان بهذا بإثبات وبنفي، يقول الشيخ: "من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل". يصفون الله، يؤمنون بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله، من غير تحريف، يعني من غير تحريف للنصوص عن وجهها، ومن غير تحريف للكلم عن مواضعه، وهو ما ذم الله به أعداءه اليهود ﴿ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ﴾(2).
والتحريف معناه العام: التغيير، وهو يشمل التغيير اللفظي أو التغيير المعنوي، فالتحريف اللفظي يكون بالزيادة على النص، أو النقص منه، أو تغيير الشكل.
فلا يجوز تحريف النصوص، ولا سيما آيات القرآن، فآيات القرآن يجب الالتزام بلفظها، فلا تغيير زيادة ولا نقص، ولا تغيير شكل.
وكذلك سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز تغيير لفظها بما يستلزم تغيير معناها، فإن ذلك من تحريف الكلم عن مواضعه، بل يجب إجراء النصوص على ظاهرها.
"ومن غير تعطيل": من غير تعطيل لأسماء الرب وصفاته -نفيها-، تعطيل أسماء الرب وصفاته، أو تعطيل الرب عن صفات كماله، إنما يكون بجحدها ونفيها، مأخوذ التعطيل من العطل بمعنى الخلو، يعني إخلاء الرب عما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله.
فالمعطلة ينفون ما أثبته الله لنفسه، ينفون ما وصف الله به نفسه، وما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله، فيعطلون الرب عن كماله المقدس، ينفون استواءه على عرشه، ينفون حقيقة اليدين،
"ومن غير تكييف أيضا": أي من غير بحث عن كيفية صفات الرب، ولا تعرض لتحديد كنه صفاته، فأهل السنة والجماعة يصفون الله بما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله، من غير تحريف لنصوص الكتاب والسنة، ولا تعطيل للنصوص عما دلت عليه، ولا تعطيل للرب عما يجب إثباته له، ولا تكييف لصفاته، ولا تمثيل لصفاته بصفات خلقه.
إذن اعتقاد أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات قائم على الإثبات والنفي، إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها له تعالى عن كل نقص وعيب، بلا تعطيل، خلافا لأهل الضلال، الذين غلوا في الإثبات حتى شبهوا صفاته بصفات خلقه، فيقول قائلهم: له سمع كسمعي، وبصر كبصري، ويد كيَدي، وخلافا لمن غلا في التنزيه، حتى سلب الله صفات كماله، زعما منه أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه.
فلهذا كان مذهب أهل السنة والجماعة بريئا من التشبيه، وبريئا من التعطيل، فلا ينفون ما وصف الله به نفسه، ولا يحرفون الكلم -أعني أهل السنة- ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته.
فإن الله ذم الملحدين في أسمائه كما قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾(3) وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ﴾(4) والإلحاد في أسماء الله يكون بنفيها، أو بنفي معانيها، أو بتسمية الله بغير ما سمى به نفسه، أو بتسمية بعض المخلوقين بما هو من خصائصه -سبحانه وتعالى-.
يقول الشيخ -رحمه الله-: "ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته، ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه": كل هذا تأكيد لما سبق، وأن مذهب أهل السنة والجماعة بريء من هذه الأباطيل: بريء من التعطيل، بريء من الإلحاد، من التكييف، من التحريف، من التمثيل.
ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه؛ فإنه -سبحانه وتعالى- لا سَميَّ له، ولا نِد له، ولا كفو له، وهذا كله منفي في كتابه ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾(5)﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾(6)﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾(7) .
والسمي والكفو والند ألفاظ متقاربة، كلها تفسر بالمثيل والنظير، فهو -سبحانه وتعالى- لا مثيل له من خلقه، ولا نظير له من خلقه، لا سمي، ولا كفؤ، ولا ند، ولا يقاس بخلقه -سبحانه وتعالى-.
وهو أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه، هو أعلم بنفسه، نعم، كما قال المسيح -عليه السلام-: ﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾(8) فهو أعلم بنفسه.
فالعباد لا سبيل لهم إلى معرفة أسمائه وصفاته إلا ببيانه وتعريفه وتعليله سبحانه، فهو أعلم بنفسه وبغيره، نعم هو أعلم؛ لأن علمه محيط بكل شيء، وهو تعالى أصدق قيلا، وأحسن حديثا من خلقه ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾(9)﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾(10) .
فإذا كان تعالى هو أعلم بنفسه، وهو أصدق الصادقين، فكيف يُكَذَّب ما أخبر به في كتابه وعلى لسان رسوله؟ كيف لا يُثْبَت ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله؟.
فالمعطلة قد كذبوا ما أخبر الله به ورسوله من أسمائه تعالى وصفاته، وهو تعالى أصدق الصادقين، وهو أعلم بنفسه سبحانه، وكأن هؤلاء الذين جحدوا ما وصف الله به نفسه كأنهم ادعوا لأنفسهم أنهم أعلم بالله من الله، وأعلم بالله من رسول الله، وهذا من أبطل الباطل، وأسفه السفه، وأعظم الجهل، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾(9)﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾(10) .
شرح العلامة :
عبدالرحمن بن ناصر البراك يحفظه الله
(1) سورة الشورى (سورة رقم: 42)؛ آية رقم:11
(2) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:46
(3) سورة الأعراف (سورة رقم: 7)؛ آية رقم:180
(4) سورة فصلت (سورة رقم: 41)؛ آية رقم:40
(5) سورة مريم (سورة رقم: 19)؛ آية رقم:65
(6) سورة الإخلاص (سورة رقم: 112)؛ آية رقم:4
(7) سورة البقرة (سورة رقم: 2)؛ آية رقم:22
(8) سورة المائدة (سورة رقم: 5)؛ آية رقم:116
(9) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:122
(10) سورة النساء (سورة رقم: 4)؛ آية رقم:87
المفضلات