أخيرا...
جاء الفتى الذي اندثر في كأسِ قهوتنا ذاك
عندما تناثرت القنابل
جاء يقول أن الحمام
والقمامة والمنازل
لا تزال هناك
جاء يردد أن المزابل
لا تزال تعبث بالقدر
***
أخيرا...
اقتربت حفرتنا المسكينة بسكون
حين حفرنا بكلمات لقائنا الأخير
ورددنا صارخين بصمت
في فضاء هدوئنا الكبير
ما كتبناه بجنون
أن الطبول والأقمشة والحمير
بعيدا تبلل المطر
***
أخيرا...
ها نحن هنا نجمع كعادتنا البقايا
منذ سرقنا أزقة السماء
ننظر بدهشة إلى صورنا
لما تنعكس على صفحة الماء
ووجوهنا البالية في المرايا
تقشر بقسوة أعمدة الهناء
وتقسم العمر
***
أخيرا...
جمدت المياه الراكدة في الأَشعار
ومنع العبور
إلى أَغطية أسرَّتنا
حيث تختفي الأمور
وترقد الأسرار
حيث تغطي ضحكات الحبور
رقصات بنات الغجر
***
أخيرا...
رجل بلا قبعة صاح بغضب
شتم الربيع
طلب قهوته المرة حتى
يذيب فيها الفتى الوديع
ويضرب بلا سبب
فيسمع الصّقيع
أنات الزهر
***
أخيرا...
كان هناك ورق
بالت عليه الكلاب
تركت كلماته المحبَرة على الرصيف
تعاني من الضباب
تنتظر الغروب في الشفق
يشم القطيع رائحة الذئاب
فيركض ويتلطخ بالحبر
***
أخيرا...
تهاوت ببطء أوراق الخريف
لمست تبر الأرض بسلام
تمزقت تحت صرخات عربة
تحمل أَجنحة الحمام
يسقط الأوراق الهواء الخفيف
تغدو عاجزة عن الكلام
وتدفن في الحفر
***
أخيرا...
في الكراس رسمت قلوب
تلاشت عندما مر الغبار
وأَعادت تركيبها طويلا
فتاة ملت من الفرار
من سراب الخطايا والعيوب
فنامت بعيدا عن الأَنظار
بين أَحضان الشجر
***
أخيرا...
تصادمت فقاقيع الكؤوس
تقاتلت أيادي التنين
كي تجمع الحبر المنسيّ
تقضي على أَحلامِ الحنين
وتحصد الرؤوس
ويعاود صدى الرنين
بكاء أَشواك الزَهر
***
أخيرا...
لملمنا معا كلمات الدفاتر
كتبنا عن أولئك الرجال
عندما جاؤوا إلى عالمنا
وأخذوا السِلال
ومن بعيد أسدلوا الستائر
لم يتركوا لنا سوى قمم الجبال
يطل عليها قَمر
***
أخيرا...
جمعنا معا ما خلفه الرصاص
واصلنا ترديد الأغاني
دفنا أشلاء الموتى
وأخذنا نرسم الأَماني
وننشد الخلاص
من قدرنا الفاني
ونخبىء أحجار الكدر
***
أخيرا...
بعد أن اخترعنا السيوف
وأحتكرنا نظراتنا للآفاق
بعد أن غرقت شعرات الدمية
وضاعت كل الأوراق
إجتمعنا ننظف الرفوف
غسلنا بقية الأطباق
وواصلنا حلقات السمر
***
أخيرا...
اقتربت تفاصيل النّهاية
انكسرت الشلالات والأغصان
حملوا فتى القهوة المرة
حبر الكراس وشظايا الأحزان
جعلوا منها أحداث الحكاية
وغرسوها في طيات الأكفان
بعيدا عن باقي البشر
مع تحيات :هبه العتيبي
المفضلات