لمشهد الأول:رجل يجلس تحت شجرة فى حديقة مليئة بالاشجار والنجيل ,وكان يفصل بين الاثنين ممرات مفروشة بالرمل الأصفر الناعم,وكانت السماء صافية الأديم,وكان ذلك الوقت هو وقت غروب الشمس حيث كانت تنسدل العتمة فى حنان.
الجالس تحت الشجرة هو(عبد الله)رجل مثقف واعى يحب القراءة ويعشقها وخاصة القراءة فى السلام فمن وجهة نظره أن ( أن ارتفاع الأنسان فى مدارج الأرتقاء الثقافى أنه يغير كثيرا من أفكاره إذا كانت خاطئة ويبدل أحكامه على كثير من الأشخاص وأحاسيسه والأشياء). وهو يخب الجلوس مع نفسه فى خلوة يتدبر ويتأمل ويتفكر,فهو يرى أن الجلوس مع النفس فى خلوة من أثمن اللحظات الأنسان,لأنها لحطة صادقة حيث يصغى الأنسان إلى نفسه دون أن يخشى أذننا تتلصص عليه.
وعبد الله ليس له من الأصدقاء إلا (عبد الرحمن صديق وزميل أثناء فترة الدراسة,وهو يحبه حبا جما ويرى فيه الصديق المخلص حيث انعدم الأصدقاء المخلصين.
عبد الله محب لشعر والأدب والقصص والروايات,وهو يحب الذهاب إلى المكان المفضل إليه وهو الحديقة تحت شجرة التوته.
وهو الأن يقرأ قصيدة لشاعر محمد مطفى حمام بقول الشاعر:
علمتى الحياة أن أتلقى كل ألوانها رضا وقبولا
ورأيت الرضا يخفف اثقالى ويلقى على المآسى سدولا
والذى ألهم الرضا لاتراه أبد الدهر حاسدا او عزولا
أنا راض بكل ماكتب الله ومزج إليه حمدا جزيلا
انا راض بكل صنف من الناس لئيما ألفيته أو نبيلا
لست أخشى من اللئيم أذاه لا,ولن أسأل النبيل فتيلا
فسح الله فى فؤادى فلا أرضى من الحب والوداد بديلا
فى فؤادى لكل ضيف مكان فكن الضيف مؤنسا أو ثقيلا
ضل من يحسب الرضا عن هوان أو يراه على النفاق دليلا
فالرضا نعمة من الله لم يسعد بها فى العباد إلا قليلا
والرضا آية البراءة والايما ن بالله ناصرا ووكيلا
علمتنى الحياة أن لها طعمين مراً,وسائغاً معسولا
فتعودت حالتيها فريرا وألفت التغيير والتبديلا
أيها الناس كلنا شارب الكأ سين إن علقما وأن سلسبيلا
نحن كالروض نضرة وذبولا نحن كالنجم مطلعا وأفولا
نحن كالريح ثورة وسكونا نحن كامزن ممسكا وهطولا
نحن كالظن صاقا او كذوبا نحن كالحظ منصفا وخذولا
قد تسرى الحياة عنى فتبدى سخريات الورى قبيلا قبيلا
فأراها مواعظا ودروسا ويراها سواى خطبا جليلا
أمعن الناس فى مخادعة النفس وضلوا بصائرا وعقولا
عبدوا الجاه والنضار وعينا من عيون المها وخدوا أسيلا
الأديب الضعيف جاها ومالا ليس إلا مثرثرا مخبولا
والعتل القوى جاها ومالا هو أهدى هدى وأقوم قيلا
وإذا غادة تجلت عليهم خشعوا أو وتبتلوا تبتيلا
وتلوا سورة الهيام وغنواها وعفوا القرآن والإنجيلا
لايريدون آجلا من ثواب الله أن الانسان كان عجولا
فتنة عمت المدينة والقرية لم تعف فتية أو كهولا
وإذا ماانبريت للوعظ قالوا لست ربا ولابعثت رسولا
أرأيت الذى يكذب بالدين ولايرهب الحساب الثقيلا
..........................
عبد الرحمن:السلام عليكم,أهلا ياعبد الله ,كيف حالك؟
عبد الله:بعد أن توقف عن القراءة ,وعليكم السلام,أهلا وسهلا بالصديق ,الحمد لله انا بخير,كيف حالك انت؟
عبد الرحمن :الحمد لله انا بخير
عبد الرحمن:ألم تحضر جنازة الحاج عبد الودود؟
عبد الله:نعم حضرتها
عبد الرحمن :رحم الله الحاج عبد الودود وليغفر الله له
عبد الرحمن :ياعبد الله أريد أن اعرف شئ يكاد يكون لغزا بالنسبة لى,شئ غامض.
عبد الله :تفضل
عبد الرحمن:لقد لاحظت شيئا غريبا أثناء الجنائز الت أحضرها,لاحظت أن المشيعين الذين يسيرون خلف الميت لا يفكرون إلا في المشوار .
و أولاد الميت لا يفكرون إلا في الميراث .
و الحانوتية لا يفكرون إلا في حسابهم .
و المقرئون لا يفكرون إلا في أجورهم ..
و كل واحد يبدو أنه قلق على وقته أو صحته أو فلوسه ..
و كل واحد يتعجل شيئاً يخشى أن يفوته .. شيئاً ليس الموت أبداً .
إن عملية القلق على الموت بالرغم من كل هذا المسرح التأثيري هي مجرد قلق على الحياة ..
لا أحد يبدو أنه يصدق أو يعبأ بالموت .. حتى الذي يحمل النعش على أكتافه .
الخشبة تغوص في لحم أكتافه .. و عقله سارح في اللحظة المقبلة و كيف يعيشها ..
الموت لا يعني أحداً .. و إنما الحياة هي التي تعني الكل .
نكتة ! ..
أن الجنازة لا تساوي إلا مقدار الدقائق القليلة التي تعطل فيها المرور و هي تعبر الشارع .. ..
و هي عطلة نتراكم فيها العربات على الجانبين .. كل عربة تنفخ في غيرها في قلق . لتؤكد مرة أخرى أنها تتعجل الوصول إلى هدفها .. و أنها لا تفهم .. هذا الشيء الذي اسمه الموت .
ما الموت .. و ما حقيقته ..
و لماذا يسقط الموت من حسابنا دائماً . حتى حينما نواجهه.؟؟
عبد الله:لأن الموت في حقيقته حياة ياعبد الرحمن
و لأنه لا يحتوي على مفاجأة ..
و لأن الموت يحدث في داخلنا في كل لحظة حتى و نحن أحياء ..
كل نقطة لعاب .. و كل دمعة .. و كل قطرة عرق .. فيها خلايا ميتة .. نشيعها إلى الخارج دون احتفال ..
ملايين الكرات الحمر تولد و تعيش و تموت .. في دمنا .. دون أن ندري عنها شيئاً .. و مثلها الكرات البيض .. و خلايا اللحم و الدهن و الكبد و الأمعاء .. كلها خلايا قصيرة العمر تولد و تموت و يولد غيرها و يموت .. و تدفن جثثها في الغدد أو تطرد في الإفرازات في هدوء و صمت .. دون أن نحس أن شيئاً ما قد يحدث .
مع كل شهيق و زفير .. يدخل الأكسجين .. مثل البوتوجاز إلى فرن الكبد فيحرق كمية من اللحم و يولد حرارة تطهي لنا لحماً آخر جديداً نضيفه إلى أكتافنا .
هذه الحرارة هي الحياة ..
و لكنها أيضاً احتراق .. الموت في صميمها .. و الهلاك في طبيعتها .
أين المفاجأة إذن و كل منا يشبه نعشاً يدب على الساقين .. كل منا يحمل جثته على كتفيه في كل لحظة .
.حتى الأفكار تولد و تورق و تزدهر في رؤوسنا ثم تذبل و تسقط .. حتى العواطف .. تشتعل و تتوهج في قلوبنا ثم تبرد .. حتى الشخصية كلها تحطم شرنقتها مرة بعد أخرى .. و تتحول من شكل .. إلى شكل ..
إننا معنوياً نموت و أدبياً نموت و مادياً نموت في كل لحظة .
و أصدق من هذا أن نقول أننا نعيش . مادياً نعيش و أدبياً نعيش و معنوياً نعيش .. لأنه لا فرق يذكر بين الموت و الحياة .. لأن الحياة هي عملية الموت .
لأن الأوراق التي تنبت من فروع الشجرة .. ثم تذبل و تموت و تسقط .. و ينبت غيرها .. و غيرها .. هذه العملية الدائبة هي الشجرة ..
لأن الحاضر هو جثة الماضي في نفس الوقت .
لأن الحركة هي وجودي في مكان ما و انعدامي من هذا المكان في نفس اللحظة . فبهذا وحده أمشي و أتحرك .. و تمضي معي الأشياء ..
لأن الحياة ليست تعادلية , و لكنها شد و جذب و صراع بين نقيضين , و محاولة عاجزة للتوفيق بينها في تراكيب واهية هي في ذاتها في حاجة للتوفيق بينها .. مرة .. و مرة و مرات .. بدون نهاية و بدون نجاح أبداً .. و بدون الوصول إلى أي تعادلية ..
الحياة ليست تعادلية بين الموت و الوجود و لكنها اضطراب بين الاثنين و صراع يرفع أحدهما مرة و يخفضه مرة أخرى .
الحياة أزمة .. و توتر ..
و نحن نذوق الموت في كل لحظة .. و نعيشه .. فلا نضطرب بل على العكس .. نحس بكياننا من خلال هذا الموت الذي داخلنا .. و نفوز بأنفسنا , و ندركها , و نستمتع بها ..
و لا نكتفي بهذا .. بل ندخل في معركة مع مجتمعنا .. و ندخل في موت و حياة من نوع آخر . موت و حياة على نطاق واسع تتصارع فيه مجتمعات و نظم و تراكيب إنسانية كبيرة .
و من خلال هذا الصراع الأكبر . نحس بأنفسنا أكثر .. و أكثر .. إنها ليست خلايا تتولد و تموت في جسد رجل واحد . و لكنها أيضاً مجموعات بشرية تولد و تموت في جسم المجتمع كله .
إنها الموت يحدث على مستويات أكبر .
الموت إذن حدث دائب مستمر .. يعتري الإنسان و هو على قدميه و يعتري المجتمعات و هي في عنفوانها .
و هو في نسيج الإنسان .. في جسده .. و في كل نبضة ينبضها قلبه مهما تدفقت بالصحة و العافية .
و بالموت تكون الحياة .. و تأخذ شكلها الذي نحسه و نحياه .. لأن ما نحسه و نحياه هو المحصلة بين القوتين معاً .. الوجود و العدم و هما يتناوبان الإنسان شداً .. و جذباً .
ما السر إذن في هذه الدهشة التي تصبينا حينما يقع أحدنا ميتاً .
و لماذا يبدو لنا هذا الحديث .. غير معقول , غير قابل للتصديق .
و لماذا نقف مدهوشين أمام الحادث نكذّب عيوننا .. و نكذّب حواسنا و نكذّب عقولنا .. ثم نمضي .. و قد أسقطنا كل شيء من حسابنا .. وصرفنا النظر .. و اعتبرنا ما كان .. واجباً .. و لباقة . و مجاملة .. أديناها و انتهينا منها .
لماذا لا نحمل هذا الحادث على محمل الجد ..
ولماذا نرتجف من الرعب حينما نفكر فيه .. و تنخلع قلوبنا حينما نصدقه و تضطرب حياتنا حينما ندخله في حسابنا و نضعه موضع الاعتبار .
السبب أنه الحادث الوحيد المصحوب برؤية مباشرة .. فما يحدث داخلنا من موت لا نراه .. لا نرى كرات الدم و هي تولد و تموت .. لا نرى الخلايا و هي تحترق .. لا نرى صراع الميكروبات و هي تقتلنا و نقتلها ..
و خلايانا لا ترى نفسها و هي تفنى ..
كل ما يحدث في داخلنا يحدث في الظلام .. و نحن ننام ملء جفوننا و قلوبنا تدق بانتظام و تنفسنا يتردد في هدوء .
الموت يسترق الخطى كاللص تحت جنح الليل .. و يمشي على رؤوسنا فتبيض له شعراتنا .. شعرة .. شعرة .. دون أن نحس .. لأن دبيبه و هو يمشي هو دبيب الحياة نفسها .
إن أوراق الشجر تتساقط و لكن الشجرة تظل مائلة للعيان دائمة الخضرة دائمة الازدهار .. تظل هكذا حتى تهب عاصفة تخلعها من جذورها وتلقي بها في عرض الطريق ..
و حينئذ فقط يبدو منظرها قاتماً يبعث على التشاؤم .. تبدو فروعها معروفة عارية .. و جذورها نخرة .. و أوراقها مصفرة ..
لقد انتهت .. لم تعد شجرة .. أصبحت شيئاً آخر .. أصبحت خشباً .
و هذا ما يحدث .. حينما نشاهد الإنسان و هو يسقط جثة هامدة .
إنه يبدو شيئاً آخر و يبدو الحادث الذي حدث فجأة .. حادثاً غريباً بلا مقدمات ..
لقد انتهى الإنسان كله فجأة ..
فالموت ليس غريبا على الأنسان,فالقرآن الكريم يؤكد لنا من خلال آياته بأننا قبل أن ناتى إلى هذه الدنيا كنا أمواتا فى عالم الغيب فقال جل شأنه({كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (28) سورة البقرة.
وقال تعالى أيضا({قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} (11) سورة غافر.
أى أننا قبل أن نأتى إلى هذه الحياة الدنيا كنا ا موات.والله لم يخلق الموت عبثا ولم يخلق الحياة سدى وإنما خلقهما لحكمة فقال جل شانه({تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ,الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (1:2) سورة الملك.أن النوم ثم اليقظة هى النموذج المصغر للموت ,ثم البعث فقد قال الله تعالى({اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (42) سورة الزمر.
عبد الرحمن :أين يذهب الأنسان حين ينام؟ولماذا لايشعر الأنسان بالوقت ولا بالزمن حين ينام؟
عبد الله:تذهب النفس إلى مكان أسمه البررخ فقال الله تعالى({حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ,لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} 100:99 سورة المؤمنون.
وهو مكان معدوم فيه الزمان وهناك مثالين فى القرآن الكريم ,أحدهما فى قصة أصحاب الكهف الذين لبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنين وتسعا,بالرغم من طول المدة إلا انهم حين قاموا قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم({وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} (19) سورة الكهف.
والدليل الثانى({أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (259) سورة البقرة.
عبد الرحمن :تقول دائما :أن الأنسان نفس وجسد أليس كلاهما واحد؟
عبد الله: (لا)لايصح الخلط بين مفهوم الجسد ومفهوم النفس فهما مختلفان تماما.النفش أشبه بالموجة اللاسلكى الأثيرية فى الفضاء منتشرة فى كل مكان لكن الجسم المحدود فى الزمان والمكان يحولها إلى حركة وصوت فى حنجرة وكلام وتعبير وعمل.
أن الأنسان جزء منه غارق فى الزمن فهو ينصرم مع الزمن ويكبر معه ويشيخ معه ويهرم معه وهو (الجسد)أما النفس فعى عكس الجسد فهى خارجة عن الزمن فهى لاتكبر ولاتنصرم ولاتشيخ ولاتكبر ولاتهرم.
وتلك من حكمة الله تعالى ان حعل الأننسان(جزء منه خارج الزمن وجزء منه غارق فى الزمن)فما كنا نستطيع إدراك الزمن لولا أن الجزءالمدرك قينا يقف على عتبتة منفصلة وخارجة عن هذا الزمن.
لو كان إدراكنا يقفز مع عقرب الثوانى كل لحظة لما استطعنا أن ندرك هذه الثوانى أبدا..ونصرم إدراكنا كما تنصرم الثوانى بدون أن نلاحظ شيئا.أى لايمكن أن تدرك الحركة وأنت تتحرك معها فى الفلك نفسه..ولكن لابد لك من عتبة خارجة تقف عليها لترصدها.وأنه لقانون معروف ان الحركة لايمكن رصدها إلا من خارجها
عبد الرحمن:ماذا تقول؟أنا لاافهم شيئا
عبد الله:سأعطيك مثالين لتوضيح..إذا أتت عليك لحظة وأنت فى أسانسير متحرك لاتسطيع أن تعرف هل أنت واقف أم متحرك لأنك أصبحت قطعة واحدة معه فى حركته..لاتسطيع إدراك هذه الحركة إلا إذا نظرت من باب الأسانسير إلى الرصيف الثلبت من الخارج.
بالمثل لايمكنك رصد حركة الأرض وانت تسكن عليها وأنما تسطيع رصدها من القمر.
وهكذا دائما فأنك لاتسطيع أن تحيط بحالة إلا إذا خرجت منها.
وأنت تدرك الزمن لابد أن تكون ذاتك المدركة خارج الزمن..لذلك تسطيع أن تقول أنى بلغت الأربعين من العمر أو الخمسين أو الستين...الخ.
وأقول لك فى النهاية حينما نعيش حياتنا لانضع أعتباراً للموت ونتصرف فى كل لحظة دون أن نحسب حسابا للموت..وننظر للموت كأنه اللامعقول..فنحن فى الواقع نتصرف بهذه (الأنا) التى هى النفس والتى لاتعرف الموت بطبيعتها.
والموت بالنسبة للنفس التى تعيش خارج منطقة الزمن هو بالنسبة لها..لاأكثر من تغيير ثوب..لاأكثر من انتقال.
أما الموت كفناء وكعدم فهى أمر لاتعرفه فهى دائما وأبدا كانت حالة حضور وشخوص.
أنها الحضرة المستمرة التى لم يطرأ عليها طارئ الزوال.وكل مايحدث لها بالموت..أنها سوف تخلع الثوب الجسدى وترتدى الثوب البرزخى.
فقال الله تعالى حين كنا أنفس فى عالم الغيب({وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (172) سورة الأعراف
فسبحان من له الدوام..ورحم الله(الحاج عبد الودود العايق)
انتهت الفصل الأول والثانى من المسرحية
صلاح النجار
المفضلات