"أن يشعر المرء بمن حوله يعنى أنه بشر"،
وكما قال المنفلوطي
"أيها الرجل السعيد: كن رحيما، أشعر قلبك الرحمة، ليكن قلبك الرحمة بعينها، ستقول إنى غير سعيد؛ لأن بين جنبى قلبا يلم به من الهم ما يلم بغيره من القلوب، أجل، فليكن ذلك كذلك، ولكن أطعم الجائع، واكس العاري، وعز المحزون، وفرج كربة المكروب، يكن لك من هذا المجموع البائس خير عزاء يعزيك عن همومك وأحزانك".
والشعور السليم، هو أول دليل على صحة الإنسان النفسية
وفى علم النفس الشعور يعنى مجموع الخواطر والأحاسيس والمشاعر التى تكونت داخل أنفسنا نتيجة احتكاكنا بالعالم الخارجى ووجودنا فيه وتفاعلنا معه، فالحياة النفسية الشعورية لها ثلاثة مظاهر هى الإدراك والوجدان والنزوع،
للشعورعدة خصائص منها أنه دائم التغير، فالأحداث التى تدور حولنا فى دقائق معدودة تجعل شعورنا دائم التغير،يسعدنا لون الزهرة الحمراء المتفتحة برائحتها الزكية، ثم قد يصيبنا بالألم بعد لحظات لأنها تذكرنا بموقف معين. وهكذا، فإن إدراكنا لما حولنا وتأثرنا بمحيطنا يصبغ شعورنا بطابع معين يضفى عليه نكهة خاصة تتغير مع كل موقف شعورى على حدة.
كما أن الشعور وحدة متصلة: فميلاد الانسان هو إيذان ببدء شعوره الذى لا ينتهى إلا بوفاته، فالشعور وحدة متصلة من المهد إلى اللحد، فمعطيات الحياة اليومية بكل ما فيها من ضغوط ورتابة تجعل شعورنا بما حولنا أكثر عرضة للتغير، بمعنى أن ما نشعر به الآن ونحس به جيدا، قد لا نحس به بعد قليل، لأننا نفكر فى شيء آخر، أو لأننا نشعر بشعور معين تجاه موضوع منفصل.
فالناس جميعا يواجهون تحديات صعبة، وغالبا ما تكون النتيجة التحسر على النفس والإحباط والقلق، فى أوقات كهذه، قد يؤدى بنا الحزن والأسى إلى الشعور بأن حياتنا قد انتهت فعلا، ولكن بعد فترة، يتضح لنا أن المأساة التى نالت منا وأصابتنا بالإحباط فى فترة معينة بدت لنا وكأنها بركة فى مرحلة لاحقة من عمرنا.
وهنا يؤكد علماء النفس أنه يوجد عند جميع البشر فى تاريخهم الماضى كافة المصادر التى يحتاجونها لإحداث تغييرات ايجابية فى حياتهم، مثال ذلك: فكر فى موقف مضى حينما كنت تشعر بالثقة فى النفس، وكنت متحفزا للعمل على سبيل المثال حصولك على شهادة أو ترقية متوقعة منذ زمن طويل أو إتمام صفقة مبيعات ناجحة أو ولادة أول طفل لك عش إحدى تلك التجارب من جديد، كما لو كانت تحدث الآن، قم برؤيتها وسماعها والشعور بها مرة ثانية، واستفد من القوة التى تمدك بها هذه التجربة، وقبل أى شيء تذكرها. كلما احتجت إلى الشعور بالثقة والتشجيع، عد إلى هذا الزمن الايجابى وعشه مرة أخرى، وسوف يزودك بالحافز الذى تحتاج إليه فى الحاضر والمستقبل، كرر التجربة كلما احتجت إلى ثقة وتشجيع، هكذا يقول علماء النفس.
فى أحيان كثيرة قد لا يجد الانسان من يشجعه على عمل الخير، أو يعزز من ثقته فى نفسه وتماسكه عند الخطوب والمحن، ولذلك ينبغى أن يدرك المرء أن الاستفادة من التجارب بكل ما فيها من أخطاء وعثرات، والعودة إلى الزمن الايجابى واستحضار اللحظات التى نعدها نحن جميلة، سوف تزوده بذلك الحافز الذى يحتاج إليه لكى ينجز مهامه بنجاح أيا كانت، ويحقق ولو بعضا مما يصبو إليه فى هذه الحياة من أهداف وأمنيات.
يعرف بعض الباحثين اللاشعور بأنه مجموع الخبرات المؤلمة التى نمر بها فى حياتنا اليومية إذا تذكرناها باستمرار، فتضطرنا الحياة إلى تنحيتها عن الوعى ونسيانها لا شعوريا، ونكبتها دون أن ندرى حتى نمنعها من الظهور فى شعورنا وسلوكنا الواقعي.
والعناصر اللاشعورية رغم كونها مكبوتة وغير منظورة، إلا أنها تؤثر فى سلوكنا واتجاهات تفكيرنا وتصرفنا دون أن نشعر بها، فتجعلنا نتألم، ونخاف، ونغضب، ونحب ونكره، من غير أن ندرك بواعث ألمنا أو خوفنا، أو حبنا.
والعناصر اللاشعورية قد تظهر أحيانا فى الأحلام وفلتات اللسان وبعض المواقف دون أن يعرف الشخص تفسيرا لها. أما مصطلح "ما تحت الشعور" فيشمل الذكريات التى يمكن تذكرها بقليل من الجهد وإن محتويات الشعور وما تحت الشعور بامكانها مجابهة الحياة الواقعية اليومية؛ فيما يتضمن اللاشعور أشكالا من الاتجاهات والمشاعر والأفكار والميول والغرائز التى لا تخضع إلى الإرادة بصورة مباشرة، ويمثل اللاشعور جزءا من عقل الانسان، ولا يتقيد بقيود الزمان والمكان ولا منطق التفكير وهو مصدر للأنانية وما الأحلام وما تحتويه من رموز والغاز وغرائب إلا لغة رمزية لميول واتجاهات هذا اللاشعور.
نعم، فمجرد إسداء المعروف إلى الآخرين يمنح الإنسان شعورا بالرضا والسعادة، فصنائع المعروف تقى مصارع للسوء، وكما يقال: "إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه، وعوائد الخير النفسية عقاقير مباركة تصرف فى صيدلية الذين عمرت قلوبهم بالبر والإحسان".
:54::54::54:
المفضلات