**نحن جيلُ دلال ،، لن يظلّ فينا أحدٌ حيّاً بعد عشرين عاما ،،
.
***،،خرج مع ابيه اليهودي ،،من المستوطنة ،في الصباح الباكر ،،يطوفان في المكان ،،،ومشيا بعيدا ومرَّ الأب وابنه بكومة صبر ويقايا جدران ،،وأبواب محطّمة ،،،ومفاتيح بيوت ملقاة ،، ومطحنة قمح في طريق قديمة ،،،وبعض حَمَام ما يزال يطير ،،فوق الردم ،،يأكلُ ما تبقّى من أعلاف زرائبهم
،، ،،سأله الولد ،،ما هذا ! لا أرى مثل هذا في المستوطنة ،،،قال أبوه : هذا بقية ممّا ترك العرب هنا ،،
،،،،دُهِش الولد وقال: ولماذا كانوا هنا ! ،،،قال: كانوا هنا ،،وكانت لهم قرى كثيرة ،،،وجئنا ،،وأخرجناهم ،،ساعدَنا االناس كلّهم ،،في قتلهم ،،! لماذا ،،! لأنّ الناس مع القويّ وليسوا مع الضعيف ،،حتى لو كان مظلوما ،،،ولا ينصر المظلومَ إلاّ الله والمؤمنون به ،،،
،،قال الولد : ولماذا تفعلون ذلك ! قال: الأقوياء يفعلون ذلك دائما ،،،! إلاّ أن تمنعهم قوة أكبر ،،! قال الولد : يقولون أنّ الله هو أكبر قوّة ،،فلماذا لم يمنعكم ،،! قال: محكمة الله ،،،في السماء يوم القيامة ،،والناس تنسى ذلك دائما ،،،!
.
،،،وأفهمونا أنّ هذه الأرض أرضنا ،،،قال الولد : أليست أرضكم ،،،،،،،،،قال: قد جئنا إلى هنا قديما أيضا قاتلين وخرجنا مقتولين ،،! قال الولد : وهذه المرّة ،،هل ستخرجون ،،! مقتولين ..!قال: لا يخرُج القاتلون ،،إلاّ قتلا ،،،،،،
،،
،،قال الولد : وكم مكَث العرب ،،، قال: مكثوا آلاف السنين ،،،قال: إذا مكتتَ في مكانٍ ما عمرك كلّه ،،الا يصير هذا المكان وطنك !
،،قال: بلى ،،،،ولكنّ هذا المكان لإجدادنا أم لأجدادهم ،،تلك هي المسألة !!،،قال الولد : ولكنّهم أموات ،،ليس لهم شيء ،،،،،! قال: أعني لنا أم لهم ،،لليهود أم للعرب !! ،،نحن أمّتان مختلفتان على هذا المُلك ،،،،،،،! قال : لقد قلت : أنّ العرب كانوا هنا حين أتيتم المرّة الأولى وحين أتيتم المرّة الثانية ،،،،فأنتم في المرّتين ،،قادمون من مكان آخر !!فوطنكم سيفكم ،،،به تدخلون وإذا انكسرَ دائما تخرجون
.
.
،،،،،وأنا بعد أن سمعتُ حوار الأبن اليهوديّ الذي لم يصِر في عُمر الكَذِب بَعْد ،،،
.
.
،،،،وقعَتْ عيني على صورة دلال المغربية ،،بكوفيّتها وسلاحها وزيّها العسكريّ،،وأحسسْتُ بعينها ترقُبُ مَن خذلوها ،،وأحسسْتُ بأسفها أنّها ماتتْ وسكَنَت كما تسكن العاصفة ، ولم تكن في وقت صدقٍ،، وماتت قبل قدوم المجاهدين ،،
.
ولكنّي حدّقتُ فيها جيدا ،، فرأيتُ هذه المرّة مجدها ،،لم يضرّها تقبيل الأعداء بَعدها ،،بل ازدادتْ هي اشعاعا ،،فالموت العظيم كالحياة العظيمة ،،كلاهما للحق ،،!
.
،،وحدّقتُ في دلال وقد ذهب عُمرنا ،،ومن اختار السنين ،،تذهب السنين ولا يفُزْ بشيء ،،!،و فازت التي ماتت لشيء ،،،لايموت
،،وها نحن كم نشبه الرماد في نهاية العمر ،،وكنتُ أعلمُ أننا آتون على النهاية ،،وياللندم ،،أننا لم نُعطِ لحظة الموت الجليلة هذه العمرَ كلّه ،،،لنتوهج في الجنّة ،،بدل أن نعيش منطفئيين عُمرا ،،يزحف ظلّ الموت عليه كلّ ساعة ،،كما تزحف أفعى على جرذان الحقل ،،،،فما كنّا إلاّ مذعورين ،،خائفين من كلّ شيء
.
،،نحن جيلُ دلال ،، لن يظلّ فينا أحدٌ حيّاً بعد عشرين عاما ،،،ذهبتْ سنيننا وبقيتْ لحظة موتها الخالدة ،،وعرَفنا أن العُمر هو العمل ،،وعمَل ثائرٍ مُصلح في ساعة ،، أكبر من آلاف السنين ،،وعُمر دلال أكبر من اؤلئك الذين قبّلوا أعداءهم وعادوا أنفسهم ،،وأنكروا حقَّهم ،،،،ومَن سيموت في لحظة ما ،،يجب عليه أن لا يفكّر إلّا في لحظة الموت ،،كي يولّد من جديد ،،
،،
..وحدّقتُ في صورة دلال الغاضبة ،، تريد أن تحطّم جدران قبرها ،، حين علمَتْ أنّ كلّ فصيلها صاروا اسرى ،،أو موظفين في جهاز الموساد ،،وهي غاضبة كعادتها في أيّام العِراك والقتال ،،،فكلّ مقاتل يُخرِج غضبه ،،فنحن نقاتل بغضبنا ،،ومن لا يغضب لا يُقاتل !!!!والأنذال لا يغضبون ،،،،،،!
.
،،لا أدري ،،كأنّا أخذنا من المتجر ،،حفنة سنين ،،فرحنا بها كما يفرح طفل بالحلوى ،ونستزيد من العُمر كما يستزيدون من حلواهم ،،وأكلْنا الحلوى وانتهى الدرب ،،
،،،،،فنحن جيلها ،، نمشي الساعة إلى البحر ،،لنقذف بأنفسنا ،،ونموت ..فلا معنى لحياة تقترب بك من الموت ،، كما لا تَسعدُ برحلة تهوي بك مركبتها إلى الهاوية ،،إلاّ أن تجعل حياتك تنير بالخلود ،،بعد أن تنقل حياتك الى السماء كما يفعل الصالحون،،،،
.
.
.
.
.الكاتب/ عبدالحليم الطيطي
المفضلات