*** أمة لم تمت ولن تُهزم .... !!! ***
كنت في السابعة من العمر، عندما خرجت مع اهل مدينتي الذين خرجوا يهتفون لعروبة فلسطين، وعندما مروا في شارع الملك طلال حيث يقيم على جانبه الاخوة المسيحيون من ابناء المدينة، كانت النساء يقفن على بلكونات البيوت، يغنين ويزغردن ويرششن الكولونيا على الجمع السائر في الشارع.
بعد أيام كان الناس يجلسون امام متاجرهم او على ارصفة شوارع المدينة العربية، يغطي الحزن وجوههم ويجدون صعوبة في اخفاء دموعهم، عندما يتبادلون الحديث كيف اننا هزمنا، وان العدو الصهيوني بعصاباته النازية احتلوا نصف فلسطين ونصف القدس، لقد عاد الجنود الى معسكراتهم، اما المتطوعون العرب، الذين جاءوا من كل قطر، اما سقطوا شهداء على تراب فلسطين او عادوا الى بلادهم محشوين بالقهر والعار والخجل.
(2).
وكنت في الخامسة عشرة من العمر، عندما شن الثالوث العنصري البريطاني - الفرنسي - الصهيوني عدوانهم على مصر، كنت تلميذاً في مدرسة الكرك الثانوية، وكان ضمن الهيئة التدريسية عدد من الاساتذة المصريين الذين كانت مصر آنذاك قد ارسلت المئات منهم الى اقطار عربية كثيرة، بدأ العدوان، ولم يكن هناك صحف او اجهزة مذياع في بيوتنا، فأخرج الاساتذة المصريون لوحاً اسود نصبوه في ساحة المدرسة وراحوا يسجلون عليه بالطبشور أخبار العدوان العنصري، وصمود بور سعيد وبور توفيق والقاهرة والاسنكدرية، وكيف خرج المصريون بالآلاف يحملون بنادقهم ويتصدون للعدو، ولاول مرة اشعر ان اهل مدينتي مزهون بمصر وشعبها وجيشها وكتائب فدائييها اذ حققوا للامة نصرا بعد هزيمتنا في فلسطين واحتلال الصهاينة لنصفها ونصف القدس.
(3) وكنت في السادسة والعشرين اعمل مذيعا وكاتب نصوص في اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية، عندما شن العدو الصهيوني هجومه المدعوم من كل القوى الغربية الحاقدة على العروبة، والعرب وعلى الاسلام والمسلمين كانت البيانات تقرأ من الاذاعات ولكن الناس لم يكونوا مستعدين لتصديق ما يجيء فيها عن انتصارات الميج وهروب قادة طائرات الميراج، حتى ذلك مرت ستة ايام وقفنا بعدها امام هزيمة العصر، فقد احتلت كل فلسطين وكل القدس، ودمرت اسلحة الجو العربية على ارض قواعدها، وراح الناس يشتمون جمال عبدالناصر حتى خرج الى الامة يعلن تحمله الكامل للمسؤولية ويقدم استقالته فاذا بالشوارع العربية تزدحم بآلاف المواطنين الذين يبكون ويعلنون رفضهم للاستقالة رغم احتلال الضفة الغربية بكامل مدنها وقراها واحتلال كامل قطاع غزة واحتلال المرتفعات السورية، وجاء الرد على هذه الهزيمة مؤتمرا للقمة عقد في الخرطوم واطلق لاءاته الثلاث التي تحولت بعد ذلك الى ثلاث نعم.
(4) احتلت القدس كأول عاصمة عربية يتم احتلالها وبعد غزو لبنان واقتحام عاصمته بيروت واحتلالها، ولدت المقاومة المسلحة لمواجهة الكارثتين، ثم جاء احتلال بغداد، بينما نحن على شرفات عواصمنا وأمام أجهزة تلفزيوناتنا، نتابع المشهد كأن الامر لا يعنينا من قريب او بعيد.. وولدت المقاومة العراقية التي حولت ارض العراق الى جحيم للامريكيين والبريطانيين بينما يستمر الزعم الاميركي عن انتصارات لم تتحقق، ولن تتحقق، في فلسطين، وفي لبنان، وفي العراق، وفي الصومال اخذت الجماهير خنادقها وراحت تسجل انتصاراتها التي افشلت كل مخططات الصهاينة والاميركيين، ومن هنا بدأت القيامة العربية التي هزت التفوق والعنصرية والغطرسة والمخططات ومنحتنا الثقة بأن الانتصار القومي وضع قدميه على الطريق، ويعد بالولادة الجديدة للأمة وبالسقوط المدوي لخرافة السلام والاستسلام والتبعية والاذلال.
هكذا هي الأمم الحية التي تخرج لمقاتلة اعدائها دون ان يخيفها عدو او تحالف اعداء، لذا اجد نفسي مملوءاً بالثقة وبالايمان وبالوعد الكبير في بعث الأمة وموت العدو، رغم فداحة الثمن، اذ لا انتصار بلا ثمن، ولا ولادة، بلا آلام.
المصدر
جريدة الراي الاردنية
المفضلات