أبو الهموم
صورة تراثيه شعبية من وحي القرية القديمة
بقلم الداعي بالخير : صالح صلاح شبانة
يمنع وضع الايميل
يُحكى أن أحدهم كان متأثرا بالناس ويشاركهم كل همومهم ، وإن كان كل واحد منهم يحمل هما واحدا ، فهو يحمل شوالاً من الهموم التي لم تنتهِ ، وكانت حياته سلسلة من الهم والغم والحزن المقيم ..الذي يتجدد مع كل هم يقع على أي واحد من الناس ، وكان الناس يطلقون عليه (أبو الهموم) لكثرة ما يحمل من هموم الآخرين ...!!!
وعندما هبط تحت رزح الهموم وغزاه الشيب المبكر وقلة النوم نصحه الناس أن يكف عن ملاحقة هموم الناس واكتفاءه بهمومه ، فالهم قاتل فكيف أن كان يحمل هموم القوم ، ووعدهم أن يحاول ويجرب ، فهذه الأمور غريزة وطبع وليست عادة ممكن أن يبدلها الإنسان متى شاء .... وفيما هم في الحديث دخل أحد أولاده وقال له : بقرة جارنا ولدت عجلا بلا ذنب ..!!!
وأصيب الرجل بصدمة وصفق كفا بكف بحزن وأسى وهتف :
لا حول ولا قوة إلا بالله ، كيف المسكين سيطرد الذباب عن نفسه..!!
واقتنع الناس بأن الرجل مفطور على حمل هموم الآخرين ، وأن الطبع في البدن لا يغيره إلا الكفن .. وأن هذا الرجل خيالي حتى في جمهورية أفلاطون الفاضلة والتي هي ضرب من ضروب الخيال لن نجده في هذا الزمان ، مع أننا نتمنى من أعماق قلوبنا وجود مثل ذلك الرجل الخيالي ، على سدة الحكم ، حاكما ، أو دولة رئيس ، أو معالي وزير ، أو صاحب عطوفة ، أو بك ، أو أفندي ، أو شرطي أو موظف من قاع الهرم له علاقة مع الناس أو الجمهور ، لِما هناك من عفن وفساد وترهل في أركان الدولة ، وهذه قاعدة مشتركة في كل العالم لا نختص بها خصوصية مطلقة ، ولكننا أبدعنا بها واحتضناها أكثر من غيرنا....!!
فمن يبعث لنا رجلا مثل أبي الهموم يحق الحق ويبطل الباطل ، ويحس بأوجاع الناس ويكون صاحب سلطة من الذين يغيرون المنكر بأيديهم لعل لصوص الليل تطويهم العتمة ، ولصوص النهار يرعبهم سوط الحق الذي يجلد ظهور العصاة ، ويقيم الحد لتستقيم الأمور ويحل الوئام بدل الخصام ، ويقف كل عند حده غير متجاوز للآخرين ، وغير سارق لحقهم ، فهل لنا بأبي الهموم ، أم أنه حلم وخيال زال بعد الخلافة الراشدة ، وحلول الملك العضود الذي بدأ مع معاوية أبن أبي سفيان ، والذي أثار الجدل ، مع عدم اعتراضنا ، فتلك إرادة الله عز وجل أولا وأخيرا ، ولكل عصر قوانينه ، من عاشوا في تلك الحقبة هم أعلم بها وأدرى ، وكثيرا ما يكون التاريخ ظالما إذا أخذ عن رواة غير ثقاة ...!!!
نحن في كيان ليس عاديا ، حيث تسيطر عقدة الزعامة ، والتشبث بالكرسي حتى الموت ، أو المعتقل حتى آخر أيام العمر ، وحتى النظام الجمهوري الذي يعتمد على شخصية الزعيم المنتخب ، الذي جاء من خلال صناديق الاقتراع ، دون أن يكون لأحد من أسرته أو قومه أي دور في إدارة شؤون الدولة ، صار توريثا ، فما أن يقترب فرج الله بالخلاص من طاغية ، حتى يأتي من هو أكثر شرا وطغيانا من أبيه ، وكما قال المثل الشعبي : (كلب خلّف جرو طلع أنجس من أبوه) .......!!!!!
العقدة هي بالشعب الذي تجري الزعامة في عروقه ، ومن حبه للزعامة ، حتى يصبح مثل شعب ضيعة غربة لدريد لحام ، حيث لم يجد شعبا ليكون محكوما للشعب الزعيم ...!!!
للشعب الذي يرنو للوزارة ، حتى يأتي يوم ما ونقول : معالي الشعب الوزير ، ومن كل ذلك المعالي لا نجد أبو الهموم واحدا ، يحمل الرسالة بجدارة ، رسالة أمانة الخدمة العامة ، فقد كان عمر بن الخطاب سيدنا العظيم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخشى أم تعثر شاة في العراق ، فيسأله الله عنها وهو في المدينة المنورة (لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر...؟؟!!
فأين لنا بمثل أولئك الرجال الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، ووصل الإسلام في عهدهم بقاع الدنيا ، منا الذين يفر الناس من الإسلام من سلوكهم ورزاياهم وسفالاتهم ورذالتهم ...!!!
من الذين يحملون هَمّ البورصة ، وأموالهم المسروقة من قوت الشعب ، لتعمر بنوك اليهود ، لتصبح مادة قتل تودي بنا وتلقينا في مهالك الردى ...!!!
نريد أبو الهموم ...ليحمل همومنا ، ويرعى ذمامنا ، ويخاف علينا ، ولا يلقينا عظما ناشفا بعد أن استولى على كل مقدراتنا ...!!! فالويل ثم الويل لهم إذا ما سلط الله نقمة الشعب عليهم كما سلطهم على رقابنا ..!!
المفضلات