تحذيرات تتعدى الحكومة وروايات متعددة للنص الرسمي حول ما سيحصل
الاردن بانتظار مشروع أوباما السياسي: تصاعد في جدل الهويات
سعى القصر الملكي الأردني منذ سنوات ولا زال للبحث عن "معادلة سياسية" تسمح للمملكة الرابعة بالإنطلاق نحو أعلى الآفاق بدون الإقتراب من الإخلال بالمعادلة الديمغرافية التي أصبح النقاش حولها الآن إستحقاقا طبيعيا لا يتعلق فقط بطبيعة الوضع داخليا ولكن يتعلق بالمحطات الإقليمية والدولية الإجبارية التي وجدت عمان نفسها في مواجهتها.
هذا السعي عطل دوما إصلاحات مهمة في الحياة العامة ومنع صانع القرار من حسم ملفات أساسية قيل ان حسمها غير ممكن قبل تجاوز جدل الهويات وهو أمر مستحيل.
عمليا بدون او قبل حل من أي نوع للصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وولادة الدولة الفلسطينية. وبوضوح شديد الآن يصعد جدل الهويات في عمان إلى أقصى مسافة وصل لها عمليا منذ عقود . تعبيرات ذلك يمكن رصدها ببساطة من طبيعة التعليقات التي تنشرها الصحافة الإلكترونية لأنها تعليقات تسمح لأصحابها بالإفلات من نشر الإسم الحقيقي. ويمكن رصدها من حمى الأقلام التي انتقلت من دائرة الكلام في عموميات الهويات والديمغرافيا والإصلاح في المملكة إلى دائرة تحذير "النظام" هذه المرة وليس الحكومة فقط من مغبة الصمت الرسمي المتواصل على مشروع إسرائيلي، غير ملتبس يقول علنا انه سيحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.
ونفس التعبيرات لا تقف عند هذه الحدود فوزير العدل السابق وعضو البرلمان المهم عبد الكريم الدغمي قال في البرلمان قبل أيام وأثناء مناقشة قانون المالكين والمستأجرين ان الحق القانوني الذي خصص سابقا للمستأجر على حساب المؤجر كان سببه هجرات الفلسطينيين إلى المملكة ثم أضاف عبارة مبهمة قائلا: الآن إنتهت هذه الظروف دون ان يشرح الأمر.
وفي الوقت نفسه يشن وزير الداخلية نايف القاضي حملة شرسة لشرح أبعاد خطط وزارته في "تثبيت" الفلسطيينين على أرضهم عبر التشدد في تطبيقات قرار فك الإرتباط. وعلى مستوى النخب السياسية والبرلمانية والإعلامية يتواصل التعبير عن الهواجس والقلق بسبب قرب إعلان خطة اوباما للسلام وبسبب كثرة التحرشات الإسرائيلية والأهم على رأي احد السياسيين بسبب عدم وجود "معلومات" من أي نوع لدى النخبة حتى العاملة في القرار عن ما يجري خصوصا في زاوية الإتصال بين عمان وواشنطن.
ومن الواضح ان ضعف التواصل حتى داخل مؤسسات القرار وضعف التنسيق وعدم وجود رواية موحدة باسم الدولة عناصر تزيد في حجم التوتر وتغذي الجدل والتكهن وتصنع الظاهرة التي تحدث عنها الرئيس السابق طاهر المصري من التنابز والتلاوم والتشاتم.
وفي الزوايا التي يسود فيها الجهل والأمية السياسية وأحيانا الإنتهازية يعبر الأفراد عن روحية مغرقة في الإنقسام وأحيانا العدائية تجاه الأردنيين الفلسطينيين الذين طالبهم البعض بإعلان موقف لكن من ماذا تحديدا؟.. لا أحد يعرف فالمؤامرة إسرائيلية والشعب الأردني هو المستهدف بكافة أصوله ومنابته والحكومة هي الجهة التي تقيم سلاما مع "العدو" والأخطر ان الكلام التحريضي مجاني ويمكن ان يلتقطه الجهلاء والزعران ويتحول إلى "فعل".
الواقع الموضوعي في ساحة عمان السياسية الآن يقول بأن النخب المثقفة والمسيسة لديها أدوات ثم قنوات للتعبير عن خوفها عن المصالح الوطنية للبلاد لكن بعض المستويات الإنفعالية بدأت تتعامل مع الأردني نفسه بإعتباره "الأخر" كما بدأت تفصل بين الشعب الأردني والحكم .
والآخر هنا ليس بالضرورة الفلسطيني بل يمكن ان يكون ايضا كل أردني له رأي مختلف في ما يجري كما يمكن ان يكون كل أردني حريص على وطنه او يدعم خيارات من طراز سياسي . ومن هنا حصريا يمكن قراءة تجدد الهتافات المسيئة في ملاعب كرة قدم وهي هتافات عولجت هذه المرة ليس فقط بسبب مضمونها ويمكن قراءة نبش بعض القبور في أحد احياء عمان او تقليب صفحات بعض الآراء الإنتهازية الغريبة التي تعرض على نصف المجتمع الأردني التعبير عن "وطنيته الحقيقية" عبر التبرع بالتخلي عن الجنسية الأردنية حفاظا على حق العودة.
وما يمكن قوله في المحصلة ان هذا الحوار العاصف حول الهويات لا تريد له الحكومة بوضوح ان يتمنهج او يتمنطق او يقرر ويدرس في نطاق حوار وطني سبق ان طال ملفات وقضايا أقل أهمية .
وعمليا لا أحد يعرف حتى الأن لماذا تترك الدولة الأردنية مؤشرات العصف الذهبي الحالية حول مسألة الهوية "الآن" بدون تنظيم فقد يكون في ذلك مصلحة وقد تدخل المسألة في سياق "الإختبار" لكنه بكل الأحوال حوار يمكن القبول به وتوظيفه واستثماره وطنيا لو أنه لا يتم بالشكل الحالي.
السؤال الذي يتجاهله جميع من يشارك في العصف الذهني الذي يجتاح النخب الأردنية الآن ويطرحه مخضرمان من طراز عدنان أبو عوده وعبد الرؤوف الروابده هو: إذا حصلت تسوية وتأسست دولة فلسطينية من أي نوع فهل سيغادر الأردنيون من أصل فلسطيني إلى الكيان الوليد؟
السؤال بلا إجابة لكنه يستنسخ سؤالا آخر.. إذا تعطلت التسوية وفقد أوباما الإهتمام وواجه الجميع مؤامرة إسرائيلية فهل تستطيع الدولة الأردنية جمع "الفرقاء" الذين فرطتهم عمليا مرة أخرى معا لمواجهة المشروع الصهيوني؟.. وما هي بصورة محددة أفضل حالة نموذجية "للفلسطيني- الأردني" ما دام الإتفاق حاصلا على التصدي للإسرائيليين؟.. وأيهما أفضل لتصد منتج .. فلسطيني يركب مع شقيقه الأردني في نفس الدرجة أم يلهث في مساحات الدرجة الثانية منهكا برفقة حافلة متجهة لكل الإحتمالات؟
المصدر : الحقيقة الدولية- القدس اللندنية- 27.7.2009
المفضلات