احباب الاردن التعليمي

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 46

الموضوع: انت يا تستفيد او تفيد!!! لذالك تفضل بالدخول

  1. #11
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    المشاركات
    1,162
    معدل تقييم المستوى
    15
    بسم الله الرحمن الرحيم

    قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)

    هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) شمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفارُ قريش.

    وقيل: إنهم من جهلهم دَعَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنـزل الله هذه السورة، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) يعني: من الأصنام والأنداد، (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) وهو الله وحده لا شريك له. ف "ما" هاهنا بمعنى "من".

    ثم قال: (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه؛ ولهذا قال: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) أي: لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئًا من تلقاء أنفسكم، كما قال: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم : 23] فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده، وعبادة "< 8-508 > "يسلكها إليه، فالرسول وأتباعه يعبدون الله بما شرعه؛ ولهذا كان كلمة الإسلام "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أي: لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله؛ ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) كما قال تعالى: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس:41] وقال: لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ [القصص: 55].

    وقال البخاري: يقال: (لَكُمْ دِينَكُمْ ) الكفر، (وَلِيَ دِينِ ) الإسلام. ولم يقل: "ديني" لأن الآيات بالنون، فحذف الياء، كما قال: فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء: 78] و يَشْفِينِ [الشعراء:80] وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وهم الذين قال: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا [المائدة: 64].

    انتهى ما ذكره.

    ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد، كقوله: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: 5 ، 6 ] وكقوله: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [التكاثر: 6، 7] وحكاه بعضهم -كابن الجوزي، وغيره-عن ابن قتيبة، فالله أعلم. فهذه ثلاثة أقوال: أولها ما ذكرناه أولا. الثاني: ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) في الماضي، (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ) في المستقبل. الثالث: أن ذلك تأكيد محض.

    وثم قول رابع، نصره أبو العباس بن تَيمية في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ) نفى الفعل لأنها جملة فعلية، (وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ) نفى قبوله لذلك بالكلية؛ لأن النفي بالجملة الاسمية آكد فكأنه نفى الفعل، وكونه قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا. وهو قول حسن أيضا، والله أعلم.

    وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) على أن الكفر كله ملة واحدة تورثه اليهود من النصارى، وبالعكس؛ إذا كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به؛ لأن الأديان -ما عدا الإسلام-كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شتى".

    آخر تفسير سورة "قل يا أيها الكافرون" ولله الحمد والمنة.
    "< 8-509 > "
    واي بعدي
    سورة البلد

  2. #12
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed May 2009
    الدولة
    JORDAN
    العمر
    14
    المشاركات
    5,459
    معدل تقييم المستوى
    2147506

    * هذه السورة الكريمة مكية، وأهدافها نفس أهداف السور المكية، من تثبيت العقيدة والإِيمان، والتركيز على الإِيمان بالحساب والجزاء، والتمييز بين الأبرار والفجار.


    * ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالبلد الحرام، الذي هو سكنُ النبي عليه الصلاة والسلام، تعظيماً لشأنه، وتكريماً لمقامه الرفيع عند ربه، ولفتاً لأنظار الكفار إلى أن إيذاء الرسول في البلد الأمين من أكبر الكبائر عند الله.


    * ثم تحدثت عن بعض كفار مكة، الذين اغتروا بقوتهم، فعاندوا الحقَّ، وكذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنفقوا أموالهم في المباهاة والمفاخرة، ظناً منهم أن إنفاق الأموال يدفع عنهم عذاب الله، وقد ردت عليهم الآيات بالحجة القاطعة والبرهان الساطع.


    * ثم تناولت أهوال القيامة وشدائدها، وما يكون بين يدي الإِنسان في الآخرة من مصاعب ومتاعب وعقباتٍ لا يستطيع أن يقطعها ويجتازها إلا بالإِيمان والعمل الصالح.


    * وختمت السورة الكريمة بالتفريق بين المؤمنين والكفار في ذلك اليوم العصيب، وبينت مآل السعداء، ومآل الأشقياء، في دار الجزا

    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]



    {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ(1)وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ(2)وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ(3)لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ(4)أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ(5)يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَدًا(6)أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ(7){أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ(8)وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ(9)وَهَدَيْنَاهُ النجْدَيْنِ(10)فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ(12)فَكُّ رَقَبَةٍ(13)أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ(14)يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ(15)أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ(16)ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ(17)أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ(18)وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ(19)عَلَيْهِمْ نَارٌ مُوصَدَةٌ(20)}.

    تـــفــســـير الايــــات
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ

    هذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حلالا لينبه على عظمة قدرها في حال
    إحرام أهلها قال خصيف عن مجاهد " لا أقسم بهذا البلد " لا رد عليهم , أقسم بهذا البلد وقال شبيب بن بشر
    عن عكرمة عن ابن عباس " لا أقسم بهذا البلد " يعني مكة

    وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ
    قال أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل به وكذا روي عن سعيد بن جبير وأبي صالح وعطية والضحاك وقتادة
    والسدي وابن زيد وقال مجاهد ما أصبت فيه فهو حلال لك وقال قتادة" وأنت حل بهذا البلد " قال أنت به من
    غير حرج ولا إثم وقال الحسن البصري أحلها الله له ساعة من نهار وهذا المعنى الذي قالوه قد ورد به الحديث
    المتفق على صحته " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا
    يعضد شجره ولا يختلى خلاه وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ألا فليبلغ
    الشاهد الغائب" وفي لفظ آخر " فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم ".
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ

    وقوله تعالى " ووالد وما ولد" قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا ابن عطية عن شريك عن خصيف عن
    عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى " ووالد وما ولد " الوالد الذي يلد وما ولد العاقر الذي لا يولد له
    ورواه ابن أبي حاتم من حديث شريك وهو ابن عبد الله القاضي به وقال عكرمة الوالد العاقر وما ولد الذي
    يلد . رواه ابن أبي حاتم وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والضحاك وسفيان الثوري وسعيد بن جبير والسدي
    والحسن البصري وخصيف وشرحبيل بن سعد وغيرهم يعني بالوالد آدم وما ولد ولده وهذا الذي ذهب إليه
    مجاهد وأصحابه حسن قوي لأنه تعالى لما أقسم بأم القرى وهي أم المساكن أقسم بعده بالساكن وهو آدم أبو
    البشر وولده وقال أبو عمران الجوني هو إبراهيم وذريته رواه ابن جرير وابن أبي حاتم واختار ابن جرير
    أنه عام في كل والد وولده وهو محتمل أيضا وقوله تعالى" لقد خلقنا الإنسان في كبد " روي عن ابن مسعود
    وابن عباس وعكرمة ومجاهد والنخعي وخيثمة والضحاك وغيرهم يعني منتصبا زاد ابن عباس في رواية عنه
    منتصبا في بطن أمه والكبد الاستواء والاستقامة ومعنى هذا القول لقد خلقناه سويا مستقيما كقوله تعالى " يا
    أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك " .

    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]

    لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ

    قوله تعالى " لقد خلقنا الإنسان في كبد " وقال ابن أبي نجيح وجريج وعطاء عن ابن عباس في كبد قال في
    شدة خلق ألم تر إليه وذكر مولده ونبات أسنانه وقال مجاهد" في كبد " نطفة ثم علقة ثم مضغة يتكبد في
    الخلق قال مجاهد وهو كقوله تعالى " حملته أمه كرها ووضعته كرها " وأرضعته كرها ومعيشته كره فهو
    يكابد ذلك وقال سعيد بن جبير " لقد خلقنا الإنسان في كبد " في شدة وطلب معيشة وقال عكرمة في شدة
    وطول وقال قتادة في مشقة . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عاصم أخبرنا عبد الحميد بن
    جعفر سمعت محمد بن علي أبا جعفر الباقر سأل رجلا من الأنصار عن قول الله تعالى" لقد خلقنا الإنسان في كبد
    " قال في قيامه واعتداله فلم ينكر عليه أبو جعفر وروى من طريق أبي مودود سمعت الحسن قرأ هذه الآية "
    لقد خلقنا الإنسان في كبد " قال يكابد أمرا من أمر الدنيا وأمرا من أمر الآخرة وفي رواية يكابد مضايق
    الدنيا وشدائد الآخرة وقال ابن زيد " لقد خلقنا الإنسان في كبد" قال آدم خلق في السماء فسمي ذلك الكبد
    واختار ابن جرير أن المراد بذلك مكابدة الأمور ومشاقها.

    أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ

    قوله تعالى " أيحسب أن لن يقدر عليه أحد " قال الحسن البصري يعني " أيحسب أن لن يقدر عليه أحد " يأخذ
    ماله وقال قتادة " أيحسب أن لن يقدر عليه أحد " قال ابن آدم يظن أن لن يسأل عن هذا المال من أين
    اكتسبه وأين أنفقه ؟ وقال السدي " أيحسب أن لن يقدر عليه أحد " قال الله عز وجل .

    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]

    يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالا لُبَدًا

    قوله تعالى " يقول أهلكت مالا لبدا " أي يقول ابن آدم أنفقت مالا لبدا أي كثيرا قاله مجاهد والحسن وقتادة
    والسدي وغيرهم.

    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ

    قال مجاهد أي أيحسب أن لم يره الله عز وجل وكذا قال غيره من السلف.
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ

    أي يبصر بهما فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك وإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ

    " ولسانا " أي ينطق به فيعبر عما في ضميره " وشفتين " يستعين بهما على الكلام وأكل الطعام وجمالا لوجهه
    وفمه . وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي الربيع الدمشقي عن مكحول قال : قال النبي صلى الله عليه
    وسلم " يقول الله تعالى : يا ابن آدم قد أنعمت عليك نعما عظاما لا تحصي عددها ولا تطيق شكرها وإن مما
    أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما وجعلت لهما غطاء فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك وإن رأيت ما
    حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما وجعلت لك لسانا وجعلت له غلافا فانطق بما أمرتك وأحللت لك فإن عرض
    عليك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك وجعلت لك فرجا وجعلت لك سترا فأصب بفرجك ما أحللت لك فإن
    عرض عليك ما حرمت عليك فأرخ عليك سترك ابن آدم إنك لا تحمل سخطي ولا تطيق انتقامي " .

    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]

    وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ
    الطريقين قال سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله هو ابن مسعود " وهديناه النجدين " قال الخير
    والشر وكذا روي عن علي وابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبي وائل وأبي صالح ومحمد بن كعب والضحاك
    وعطاء الخراساني في آخرين وقال ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن
    أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هما نجدان فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد
    الخير " تفرد به سنان بن سعد ويقال سعد بن سنان وقد وثقه ابن معين وقال الإمام أحمد والنسائي
    والجوزجاني منكر الحديث وقال أحمد تركت حديثه لاضطرابه وروى خمسة عشر حديثا منكرة كلها ما أعرف
    منها حديثا واحدا يشبه حديثه حديث الحسن - يعني البصري - لا يشبه حديث أنس وقال ابن جرير حدثني
    يعقوب حدثنا ابن علية عن أبي رجاء قال سمعت الحسن يقول " وهديناه النجدين " قال ذكر لنا أن نبي الله
    صلى الله عليه وسلم كان يقول " يا أيها الناس إنهما النجدان نجد الخير ونجد الشر فما جعل نجد الشر أحب
    إليكم من نجد الخير " وكذا رواه حبيب بن الشهيد ومعمر ويونس بن عبيد وأبو وهب عن الحسن مرسلا
    وهكذا أرسله قتادة . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا
    عيسى بن عفان عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى" وهديناه النجدين " قال الثديين وروى عن الربيع بن
    خيثم وقتادة وأبي حازم مثل ذلك ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن عيسى بن عفان به ثم قال
    والصواب القول الأول ونظير هذه الآية قوله تعالى " إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا
    بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " .

    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]

    فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ

    قال ابن جرير حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد حدثنا عبد الله بن إدريس عن أبيه عن أبي عطية عن ابن
    عمر في قوله تعالى" فلا اقتحم " أي دخل " العقبة " قال جبل في جهنم وقال كعب الأحبار " فلا اقتحم العقبة "
    هو سبعون درجة في جهنم وقال الحسن البصري " فلا اقتحم العقبة " قال عقبة في جهنم وقال قتادة إنها عقبة
    قحمة شديدة فاقتحموها .
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ

    وقال قتادة " وما أدراك ما العقبة " . ثم أخبر تعالى عن اقتحامها .
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    فَكُّ رَقَبَةٍ

    فقال " فك رقبة أو إطعام " وقال ابن زيد " فلا اقتحم العقبة " أي أفلا سلك الطريق التي فيها النجاة والخير ثم
    بينها فقال تعالى" وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام " قرئ فك رقبة بالإضافة وقرئ على أنه فعل وفيه
    ضمير الفاعل والرقبة مفعولة وكلتا القراءتين معناهما متقارب . قال الإمام أحمد حدثنا علي بن إبراهيم حدثنا
    عبد الله يعني ابن سعيد بن أبي هند عن إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير عن سعد بن مرجانة أنه سمع
    أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب - أي عضو -
    منها إربا منه من النار حتى إنه ليعتق باليد اليد وبالرجل الرجل وبالفرج الفرج " فقال علي بن الحسين أنت
    سمعت هذا من أبي هريرة ؟ فقال سعيد نعم فقال علي بن الحسين لغلام له أفره غلمانه ادع مطرفا فلما قام
    بين يديه قال اذهب فأنت حر لوجه الله وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن سعيد بن
    مرجانة به وعند مسلم أن هذا الغلام الذي أعتقه علي بن الحسين زين العابدين كان قد أعطي فيه عشرة
    آلاف درهم وقال قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح قال سمع رسول الله صلى
    الله عليه وسلم يقول : " أيما مسلم أعتق رجلا مسلما فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظما من عظامه محررا
    من النار وأيما امرأة أعتقت امرأة مسلمة فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظما من عظامها من النار "
    رواه ابن جرير هكذا وأبو نجيح هذا هو عمر بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال الإمام أحمد حدثنا حيوة بن
    شريح حدثنا بقية حدثني بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عمرو بن عبسة أنه حدثهم
    أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من بنى مسجدا ليذكر الله فيه بنى الله له بيتا في الجنة ومن أعتق نفسا
    مسلمة كانت فديته من جهنم ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة " " طريق أخرى" قال أحمد
    حدثنا الحكم بن نافع حدثنا جرير عن سليم بن عامر أن شرحبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة حدثنا حديثا
    ليس فيه تزيد ولا نسيان قال عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" من أعتق رقبة مسلم كانت
    فكاكه من النار عضوا بعضو ومن شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم فبلغ
    فأصاب أو أخطأ كان كمعتق رقبة من بني إسماعيل " وروى أبو داود والنسائي بعضه " طريق أخرى " قال
    أحمد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا الفرج حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة قال : قلت له حدثنا
    حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه انتقاص ولا وهم قال سمعته يقول " من ولد له ثلاثة
    أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم ومن شاب شيبة في سبيل الله
    كانت له نورا يوم القيامة ومن رمى بسهم في سبيل الله بلغ به العدو أصاب أو أخطأ كان له عتق رقبة ومن
    أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار ومن أنفق زوجين في سبيل الله فإن للجنة ثمانية
    أبواب يدخله الله من أي باب شاء منها " وهذه أسانيد قوية ولله الحمد . " حديث آخر " قال أبو داود حدثنا
    عيسى بن محمد الرملي حدثنا ضمرة عن ابن أبي عبلة عن العريف بن عياش الديلمي قال أتينا واثلة بن
    الأسقع فقلنا له حدثنا حديثا ليس فيه زيادة ولا نقصان فغضب وقال إن أحدكم ليقرأ ومصحفه معلق في بيته
    فيزيد وينقص قلنا إنما أردنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه
    وسلم في صاحب لنا قد أوجب يعني النار بالقتل فقال " أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار "
    وكذا رواه النسائي من حديث إبراهيم بن أبي عبلة عن العريف بن عياش الديلمي عن واثلة به . " حديث
    آخر " قال أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا هشام عن قتادة عن قيس الجذامي عن عقبة بن عامر الجهني أن
    رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار " وحدثنا عبد الوهاب الخفاف
    عن سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن قيسا الجذامي حدث عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال " من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار " تفرد به أحمد من هذا الوجه . " حديث آخر" قال الإمام
    أحمد حدثنا يحيى بن آدم وأبو أحمد قالا حدثنا عيسى بن عبد الرحمن البجلي من بني بجيلة من بني سليم
    عن طلحة بن مصرف عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله
    عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة فقال " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة
    أعتق النسمة وفك الرقبة " فقال يا رسول الله أوليستا بواحدة ؟ قال " لا إن عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك
    الرقبة أن تعين في عتقها والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظالم فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع
    واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من الخير " .
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]

    أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ

    قوله تعالى " أو إطعام في يوم ذي مسغبة " قال ابن عباس ذي مجاعة وكذا قال عكرمة ومجاهد والضحاك
    وقتادة وغير واحد والسغب هو الجوع وقال إبراهيم النخعي في يوم الطعام فيه عزيز وقال قتادة في يوم
    مشتهى فيه الطعام .

    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ

    قوله تعالى " يتيما " أي أطعم في مثل هذا اليوم يتيما " ذا مقربة " أي ذا قرابة منه قاله ابن عباس وعكرمة
    والحسن والضحاك والسدي كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا يزيد أخبرنا هشام عن حفصة
    بنت سيرين عن سلمان بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " الصدقة على المسكين صدقة
    وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة " وقد رواه الترمذي والنسائي وهذا إسناد صحيح .
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ

    وقوله تعالى " أو مسكينا ذا متربة " أي فقيرا مدقعا لاصقا بالتراب وهو الدقعاء أيضا قال ابن عباس ذا
    متربة هو المطروح في الطريق الذي لا بيت له ولا شيء يقيه من التراب وفي رواية هو الذي لصق بالدقعاء
    من الفقر والحاجة ليس له شيء وفي رواية عنه هو البعيد التربة قال ابن أبي حاتم يعني الغريب عن وطنه
    وقال عكرمة هو الفقير المديون المحتاج وقال سعيد بن جبير هو الذي لا أحد له وقال ابن عباس وسعيد
    وقتادة ومقاتل بن حيان هو ذو العيال وكل هذه قريبة المعنى.
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ

    وقوله تعالى " ثم كان من الذين آمنوا" أي ثم هو مع هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة مؤمن بقلبه محتسب
    ثواب ذلك عند الله عز وجل كما قال تعالى " ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم
    مشكورا " وقال تعالى" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن " الآية وقوله تعالى " وتواصوا بالصبر

    وتواصوا بالمرحمة" أي كان من المؤمنين العاملين صالحا المتواصين بالصبر على أذى الناس وعلى الرحمة

    بهم كما جاء في الحديث الشريف " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "
    وفي الحديث الآخر " لا يرحم الله من لا يرحم الناس " وقال أبو داود حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان
    عن ابن أبي نجيح عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو يرويه قال : من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا
    فليس منا .
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ

    أولئك أصحاب الميمنة " أي المتصفون بهذه الصفات من أصحاب اليمين .

    وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ

    قال" والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة " أي أصحاب الشمال .
    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]
    عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ

    أي مطبقة عليهم فلا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها . قال أبو هريرة وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير
    ومجاهد ومحمد بن كعب القرظي وعطية العوفي والحسن وقتادة والسدي " مؤصدة " أي مطبقة . قال ابن
    عباس مغلقة الأبواب وقال مجاهد أصد الباب بلغة قريش أي أغلقه وسيأتي في ذلك حديث في سورة " ويل
    لكل همزة لمزة " . وقال الضحاك " مؤصدة " حيط لا باب له . وقال قتادة " مؤصدة " مطبقة لا ضوء فيها ولا فرج
    ولا خروج منها آخر الأبد . وقال أبو عمران الجوني إذا كان يوم القيامة أمر الله بكل جبار وكل شيطان وكل
    من كان يخاف الناس في الدنيا شره فأوثقوا بالحديد ثم أمر بهم إلى جهنم ثم أوصدوها عليهم أي أطبقوها
    قال فلا والله لا تستقر أقدامهم على قرار أبدا ولا والله لا ينظرون فيها إلى أديم سماء أبدا ولا والله لا تلتقي
    جفون أعينهم على غمض نوم أبدا . ولا والله لا يذوقون فيها بارد شراب أبدا رواه ابن أبي حاتم .


    [IMG]http://www.*************/forumim/fwasel/1/fgdf.gif[/IMG]

    منقول ليس تفسيري

    جزاك الله خيرا

    الي بعدي

    تفسير هذا الاية
    {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26



  3. #13
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    المشاركات
    1,162
    معدل تقييم المستوى
    15
    هذه السورة مدنية، وعدد آياتها مائتان باتفاق العادّين.

    ووجه اتصالها بما قبلها أمور:

    (1) إن كلا منهما بدئ بذكر الكتاب وحال الناس في الاهتداء به - فقد ذكر في الأولى من آمن به ومن لم يؤمن به والمذبذبين بين ذلك، وفي الثانية طائفة الزائغين الذين يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وطائفة الراسخين في العلم الذين يؤمنون بمحكمه ومتشابهه، ويقولون كل من عند ربنا.

    (2) إن في الأولى تذكيرا بخلق آدم، وفي الثانية تذكيرا بخلق عيسى، وتشبيه الثاني بالأول في أنه جرى على غير سنة سابقة في الخلق.

    (3) إن في كل منهما محاجة لأهل الكتاب، لكن في الأولى إسهاب في محاجة اليهود واختصار في محاجة النصارى، وفي الثانية عكس هذا، لأن النصارى متأخرون في الوجود عن اليهود، فليكن الحديث معهم تاليا في المرتبة للحديث الأول.

    (4) إن في آخر كل منهما دعاء، إلا أن الدعاء في الأولى ينحو نحو طلب النصر على جاحدى الدعوة ومحاربى أهلها، ورفع التكليف بما لا يطاق، وهذا مما يناسب بداءة الدين، والدعاء في الثانية يرمى إلى قبول دعوة الدين وطلب الجزاء على ذلك في الآخرة.

    (5) إن الثانية ختمت بما يناسب بدء الأولى كأنها متممة لها، فبدئت الأولى بإثبات الفلاح للمتقين، وختمت هذه بقوله: « وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ».


    كان الكلام في حال النبي مع المخاطبين بالدعوة من المشركين وأهل الكتاب فالمشركون كانوا ينكرون النبوة لرجل يأكل الطعام، ويمشى في الأسواق، كما أنكر ذلك أمثالهم على الأنبياء من قبل، وأهل الكتاب كانوا ينكرون أن يكون نبي من غير آل إسرائيل، فجاءت هذه الآية تسلية للنبي في مقام عناد المنكرين، ومكابرة الجاحدين، وتذكيرا له بقدرته تعالى على نصره وإعلاء دينه، وكأنه يقول له: إذا تولى هؤلاء الجاحدون عنك ولم يقنعهم البرهان، فظل المشركون على جهلهم وأهل الكتاب في غرورهم، فعليك أن تلجأ إلى الله تعالى وترجع إليه بالدعاء والثناء، وتتذكر أنه بيده الأمر يفعل ما يشاء.

    روى الواحدي عن ابن عباس وأنس بن مالك أنه لما افتتح رسول الله مكة وعد أمته ملك فارس والروم، فقال المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم، هم أعز وأمنع من ذلك، ألم يكف محمدا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

    الإيضاح

    (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) أي أنت ربنا سبحانك لك السلطان الأعلى والتصرف التام في تدبير الأمور وإقامة ميزان النظام العام في الكائنات، فأنت تؤتي الملك من تشاء من عبادك، إما تبعا للنبوة كما وقع لآل إبراهيم وإما بالاستقلال بحسب السنن الحكيمة الموصلة إلى ذلك واتباع الأسباب الاجتماعية بتكوين القبائل والشعوب، وتنزع الملك ممن تشاء بانحراف الناس عن الطريق السوي الحافظ للملك من العدل وحسن السياسة وإعداد القوة بقدر المستطاع، كما نزعه من بني إسرائيل وغيرهم بظلمهم وفسادهم.

    (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) للعزة آثار وللذل مثلها، فالعزيز يكون نافذ الكلمة كثير الأعوان مالكا للقلوب بجاهه أو علمه النافع للناس، مع بسطة في الرزق وإحسان إلى الخلق.

    والذليل يرضى بالضيم والمهانة، ويضعف عن حماية الحريم، ومقاومة العدو المهاجم، ولا عز أعظم من عز الاجتماع والتعاون على نشر دعوة الحق ومقاومة الباطل إذا سار المجتمعون على السنن التي سنها الله لعباده، فأعدّوا لكل أمر عدته، ولا عبرة بكثرة عدد الأمة وقلته في تكوين العزة واجتماع القوة، فقد كان المشركون في مكة واليهود ومنافقوا العرب في المدينة يغترون بكثرتهم على النبي والمؤمنين، ولكن ذلك لم يغن عنهم شيئا كما قال تعالى: « يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ».

    والمشاهدة أكبر دليل على صدق هذا، انظر إلى الشعوب الشرقية على كثرة عدد كل شعب منها، كيف سادها وتحكم فيها ملوك الغرب على قلة عددهم، وما ذاك إلا لفشوّ الجهل وتفرق الكلمة والتخاذل في مقاومة الغاصب، بل ممالأة بعضهم له إذا جاش بصدر بعضهم مقاومته، والسعي في إزالة طغيانه، وتحكمه في الرقاب والبلاد.

    (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي بقدرتك الخير كله تتصرف فيه أنت وحدك بحسب مشيئتك، ولا يملكه أحد سواك، وخص الخير بالذكر مع أن كلا من الخير والشر بيده وقدرته كما يدل على ذلك قوله:

    (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لأن المناسب للمقام ذكر الخير فقط، فإنه ما أغرى أولئك الجاحدين وجعلهم يستهينون بالدعوة إلا فقر الداعي وضعف أتباعه وقلة عددهم، فأمره الله أن يلجأ إلى مالك الملك الذي بيده الإعزاز، وأن يذكّره بأن الخير كله بيده، فلا يعجزه أن يعطى نبيه والمؤمنين من السيادة وبسطة السلطان ما وعدهم، وأن يؤتيهم من الخير ما لا يدور بخلد أولئك الذين استضعفوهم كما قال « وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ».

    الي بعدي
    سورة الاعلى

  4. #14
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    المشاركات
    1,162
    معدل تقييم المستوى
    15


    تفسير ابن كثير


    سورة الأعلى

    مقدمة

    روى البخاري، عن البراء بن عازب قال‏:‏ ‏(‏أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون‏:‏ هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد جاء حتى قرأت‏:‏ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ في سور مثلها ‏"‏أخرجه البخاري في صحيحه‏"‏‏.‏ وروى مسلم وأهل السنن عن النعمان بن بشير أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية، وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأهما ‏"‏أخرجه مسلم وأهل السنن‏"‏، وقد روى الإمام أحمد عن عائشة أم المؤمنين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو اللّه أحد، زادت عائشة‏:‏ والمعوذتين ‏"‏أخرجه الإمام أحمد‏"‏‏.‏

    بسم اللّه الرحمن الرحيم‏.‏

    الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏ 13‏)‏

    ‏{‏ سبح اسم ربك الأعلى ‏.‏ الذي خلق فسوى ‏.‏ والذي قدر فهدى ‏.‏ والذي أخرج المرعى ‏.‏ فجعله غثاء أحوى ‏.‏ سنقرئك فلا تنسى ‏.‏ إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ‏.‏ ونيسرك لليسرى ‏.‏ فذكر إن نفعت الذكرى ‏.‏ سيذكر من يخشى ‏.‏ ويتجنبها الأشقى ‏.‏ الذي يصلى النار الكبرى ‏.‏ ثم لا يموت فيها ولا يحيى ‏}‏

    عن ابن عباس‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا قرأ‏:‏ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏سبحان ربي الأعلى‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد وأبو داود‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذي خلق فسوى‏}‏ أي خلق الخليقة وسوّى كل مخلوق في أحسن الهيئات، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذي قدَّر فهدى‏}‏، قال مجاهد‏:‏ هدى الإنسان للشقاوة والسعادة، وهدى الأنعام لمراتعها، وهذه الآية كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى‏}‏ أي قدّر قدراً وهدى الخلائق إليه، كما ثبت في صحيح مسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء‏)‏ ‏"‏أخرجه مسلم عن عبد اللّه بن عمرو مرفوعاً‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والذي أخرج المرعى‏}‏ أي من جميع صنوف النباتات والزروع، ‏{‏فجعله غثاء أحوى‏}‏ قال ابن عباس‏:‏ هشيماً متغيراً، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سنقرئك‏}‏ أي يا محمد ‏{‏فلا تنسى‏}‏ وهذا إخبار من اللّه تعالى ووعد منه له، بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها ‏{‏إلا ما شاء اللّه‏}‏ وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن قتادة‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا ينسى إلا ما شاء اللّه، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنه يعلم الجهر وما يخفى‏}‏ أي يعلم ما يجهر به العباد، وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونيسرك لليسرى‏}‏ أي نسهل عليك أفعال الخير، ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً، لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فذكِّر إن نفعت الذكرى‏}‏ أي ذكّر حيث تنفع التذكرة، ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله، كما قال علي رضي اللّه عنه‏:‏ ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم‏.‏ وقال‏:‏ حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب اللّه ورسوله‏؟‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سيذكّر من يخشى‏}‏ أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قلبه يخشى اللّه ويعلم أنه ملاقيه، ‏{‏ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموت فيها ولا يحيى‏}‏ أي لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه، لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النكال، عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - فيميتهم إماتة حتى إذا ما صاروا فحماً أذن في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة فيقال‏:‏ يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد ومسلم‏"‏، ‏{‏ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها‏}‏ إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى‏.‏

    الآية رقم ‏(‏14 ‏:‏ 19‏)‏

    ‏{‏ قد أفلح من تزكى ‏.‏ وذكر اسم ربه فصلى ‏.‏ بل تؤثرون الحياة الدنيا ‏.‏ والآخرة خير وأبقى ‏.‏ إن هذا لفي الصحف الأولى ‏.‏ صحف إبراهيم وموسى ‏}‏

    يقول تعالى‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى‏}‏ أي طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة، واتبع ما أنزل اللّه على الرسول صلوات اللّه وسلامه عليه، ‏{‏وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ أي أقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان اللّه وامتثالاً لشرع اللّه، روي عن جابر بن عبد اللّه يرفعه ‏{‏قد أفلح من تزكى‏}‏ قال‏:‏ من شهد أن لا إله إلا اللّه، وخلع الأنداد، وشهد أني رسول اللّه ‏{‏وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها‏)‏ ‏"‏أخرجه الحافظ البزار‏"‏‏.‏ وكذا قال ابن عباس أن المراد بذلك الصلوات الخمس، واختاره ابن جرير، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر، ويتلو هذه الآية‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى‏}‏، وقال قتادة في هذه الآية‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ زكى ماله وأرضى خالقه، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏بل تؤثرون الحياة الدنيا‏}‏ أي تقدمونها على أمر الآخرة، وتبدّونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم، ‏{‏والآخرة خير وأبقى‏}‏ أي ثواب اللّه في الدار الآخرة، خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دانية فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد‏؟‏ وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏‏(‏الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد عن عائشة مرفوعاً‏"‏عن عجرفة الثقفي قال‏:‏ استقرأت ابن مسعود‏:‏ ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏ فلما بلغ ‏{‏بل تؤثرون الحياة الدنيا‏}‏ ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال‏:‏ آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم، فقال‏:‏ آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنا الآخرة، فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل، وهذا منه على وجه التواضع والهضم، وفي الحديث‏:‏ ‏(‏من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً‏"‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف ابراهيم وموسى‏}‏ كقوله في سورة النجم‏:‏ ‏{‏أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أُخْرَى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى‏}‏ الآيات إلى آخرهن؛ وهكذا قال عكرمة في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى‏}‏ يقول‏:‏ الآيات التي في ‏{‏سبح اسم ربك الأعلى‏}‏، وقال أبو العالية‏:‏ قصة هذه السورة في الصحف الأولى، واختار ابن جرير أن المراد بقوله‏:‏ ‏{‏إنّ هذا‏}‏ إشارة إلى قوله‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والأخرة خير وأبقى‏}‏، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إن هذا‏}‏ أي مضمون الكلام ‏{‏لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى‏}‏ وهذا الذي اختاره حسن قوي، وقد روي عن قتادة وابن زيد نحوه، واللّه أعلم‏.‏




    والي بعدي
    سورة القارعة

  5. #15
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    العمر
    36
    المشاركات
    305
    معدل تقييم المستوى
    14
    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آليه وصحبه أجمعين .......وبعـــــــــــد

    تفسير سورة القارعة.
    ................
    موضوع هذه السورة المكية: التخويف بأهوال القيامة.
    فقد بدأت بالحديث عن أهوال القيامة وشدائدها، وانتشار الناس فيها من قبورهم كالفراش التطاير، ثم أشارت إلى بعض أمارات الساعة وهو نسف الجبال وجعلها كالصوف المنتوف، مما يُوجد الذعر والهلع في قلوب الناس.
    وكانت خاتمتها الإخبار عن نصب موازين الحساب التي توزن بها أعمال الناس، فثقيل الميزان بالحسنات إلى الجنة، وخفيف الميزان بالسيئات إلى النار.
    القارعة من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تقرع القلوب والأسماع بأهوالها وأفزاعها الشديدة، من القرع وهو الضرب بشدة.
    القارعة هذا القرع عبارة عن الصيحة التي يموت فيها الخلائق ثم يحيهم الله عند النفخة الثانية،  ونفخ في الصور.
    أو القرع هو اصطكاك الأجرام العلوية والسفلية حين التخريب والتبديل.
    كالفراش المبثوث: كالفراش المنتشر المتفرق في الكثرة الانتشار والاضطراب، يموج بعضهم في بعض للحيرة إلى أن يدعون للحساب،  يوم ترونها تزهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها.
    وتكون الجبال كالصوف المندوف في خفة سيرها وتبددها حتى تستوي مع الأرض.
    ثقلت موازينه: رجحت حسناته على سيئاته.
    خفت موازينه: رجحت سيئاته على حسناته.
    فأمه هاوية: فسكته أو مأواه جهنم، وسماها أمه لأنه يأوي إليها كما يأوي الطفل إلى أمه.
    أو فأم رأسه هاوية في النار لأنهم يهمون في النار على رؤوسهم.
    إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين فيقولون روحوا أخاكم فإنه كان في غم الدنيا، قال ويسألونه ما فعل فلان فيقول مات أَوَ ما جاءكم فيقولون ذهبوا به إلى أمه الهاوية.
    نار حامية: أخرج البخاري ومسلم ومالك عن أبي هريرة أن النبي  قال: " نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم"، وفي راوية الإمام أحمد" هذه النار جزء مئة جزء من جهنم ".
    " إن أهون أهل النار عذاباً: من له نعلان، يغلي منها دماغه".
    وما أدراك ما القارعة: أي لا علم لك بكنهها، لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها الفهم، ولا يتصور عظمها الوهم بل هي أشد وأعظم وأدهى وأمرّ.
    فهو في عيشة راضية: تقول اللهم اجعلني منهم وتنظر إلى أعمالك أمام أعمالهم.
    فأمه هاوية: اللهم ابعدني عن أعمالهم.
    الميزان لا يثقل إلا بالحسنات والأعمال الصالحة.
    ومن الحسنات المثقلة للميزان: الإكثار من التسبيح والتحميد، ففي الحديث:" كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
    وفي حديث آخر: " خمس ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ، والله أكبر، والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه" أي فيصبر ويحتسب الأخر عند الله تعالى، النسائي وابن حبان.
    ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خُلُق حسن"، رواه أبو داود والترمذي.
    " إياكم ومحقرات الذنوب فإن مَثَل محقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى انضجوا خُبزَتهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه".



    تفسير سورة الفجر

  6. #16
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    المشاركات
    1,162
    معدل تقييم المستوى
    15
    تفسير سورة الفجر لابن كثير


    وَالْفَجْرِ
    سورة الفجر : قال النسائي أنا عبد الوهاب بن الحكم أخبرني يحيى بن سعيد عن سليمان عن محارب بن دثار وأبي صالح عن جابر قال صلى معاذ صلاة فجاء رجل فصلى معه فطول فصلى في ناحية المسجد ثم انصرف فبلغ ذلك معاذا فقال منافق فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل الفتى فقال يا رسول الله جئت أصلي معه فطول علي فانصرفت وصليت في ناحية المسجد فعلفت ناقتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفتان يا معاذ ؟ أين أنت من سبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها والفجر والليل إذا يغشى " . أما الفجر فمعروف وهو الصبح قاله علي وابن عباس وعكرمة ومجاهد والسدي وعن مسروق ومحمد بن كعب المراد به فجر يوم النحر خاصة وهو خاتمة الليالي العشر وقيل المراد بذلك الصلاة التي تفعل عنده كما قاله عكرمة وقيل المراد به جميع النهار وهو رواية عن ابن عباس .

    وَلَيَالٍ عَشْرٍ
    والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف . وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس مرفوعا " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام " يعني عشر ذي الحجة قالوا ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال" ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء " وقيل المراد بذلك العشر الأول من المحرم حكاه أبو جعفر بن جرير ولم يعزه إلى أحد وقد روى أبو كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس . وليال عشر قال هو العشر الأول من رمضان والصحيح القول الأول . قال الإمام أحمد حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عياش بن عقبة حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر " ورواه النسائي عن محمد بن رافع وعبدة بن عبد الله وكل منهما عن زيد بن الحباب به . ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث زيد بن الحباب به وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم وعندي أن المتن في رفعه نكارة والله أعلم.

    وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ

    قد تقدم في هذا الحديث أن الوتر يوم عرفة لكونه التاسع وأن الشفع يوم النحر لكونه العاشر وقاله ابن عباس وعكرمة والضحاك أيضا " قول ثان " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثني عقبة بن خالد عن واصل بن السائب قال سألت عطاء عن قوله تعالى " والشفع والوتر" قلت صلاتنا وترنا هذا ؟ قال لا ولكن الشفع يوم عرفة والوتر ليلة الأضحى " قول ثالث " قاله ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني حدثني أبي عن النعمان يعني ابن عبد السلام عن أبي سعيد بن عوف حدثني بمكة قال سمعت عبد الله بن الزبير يخطب الناس فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين أخبرني عن " الشفع والوتر " فقال" الشفع " قول الله تعالى " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " " والوتر " قوله تعالى " ومن تأخر فلا إثم عليه " وقال ابن جريج أخبرني محمد بن المرتفع أنه سمع ابن الزبير يقول " الشفع" أوسط أيام التشريق " والوتر " آخر أيام التشريق. وفي الصحيحين من رواية أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر " " قول رابع " قال الحسن البصري وزيد بن أسلم الخلق كلهم شفع ووتر أقسم تعالى بخلقه وهو رواية عن مجاهد والمشهور عنه الأول وقال العوفي عن ابن عباس " والشفع والوتر " قال الله وتر واحد وأنتم شفع ويقال الشفع صلاة الغداة والوتر صلاة المغرب . " قول خامس " قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد " والشفع والوتر " قال الشفع الزوج والوتر الله عز وجل وقال أبو عبد الله عن مجاهد : الله الوتر وخلقه الشفع الذكر والأنثى وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " والشفع والوتر " كل شيء خلقه الله شفع السماء والأرض والبر والبحر والجن والإنس والشمس والقمر ونحو هذا ونحا مجاهد في هذا ما ذكروه في قوله تعالى " ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون " أي لتعلموا أن خالق الأزواج واحد " قول سادس " قال قتادة عن الحسن " والشفع والوتر" هو العدد منه شفع ومنه وتر . " قول سابع في الآية الكريمة " رواه ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق ابن جريج ثم قال ابن جرير وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن ابن الزبير حدثني عبد الله بن أبي زياد القطواني حدثنا زيد بن الحباب أخبرني عياش بن عقبة حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله قال " الشفع " اليومان " والوتر " اليوم الثالث" هكذا ورد هذا الخبر بهذا اللفظ وهو مخالف لما تقدم من اللفظ في رواية أحمد والنسائي وابن أبي حاتم وما رواه هو أيضا والله أعلم . قال أبو العالية والربيع بن أنس وغيرهما هي الصلاة منها شفع كالرباعية والثنائية ومنها وتر كالمغرب فإنها ثلاث وهي وتر النهار وكذلك صلاة الوتر في آخر التهجد من الليل . وقد قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن عمران بن حصين " والشفع والوتر " قال هي الصلاة المكتوبة منها شفع ومنها وتر وهذا منقطع وموقوف ولفظه خاص بالمكتوبة. وقد روي متصلا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه عام . قال الإمام أحمد حدثنا أبو داود هو الطيالسي حدثنا همام عن قتادة عن عمران بن عصام أن شيخا حدثه من أهل البصرة عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن " الشفع والوتر " فقال " هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر " هكذا وقع في المسند وكذا رواه ابن جرير عن بندار عن عفان وعن أبي كريب عن عبيد الله بن موسى كلاهما عن همام وهو ابن يحيى عن قتادة عن عمران بن عصام عن شيخ عن عمران بن حصين وكذا رواه أبو عيسى الترمذي عن عمرو بن علي عن ابن مهدي وأبي داود كلاهما عن همام عن قتادة عن عمران بن عصام عن رجل من أهل البصرة عن عمران بن حصين به ثم قال غريب لا نعرفه إلا من حديث قتادة وقد رواه خالد بن قيس أيضا عن قتادة وقد روي عن عمران بن عصام عن عمران نفسه والله أعلم " قلت " ورواه ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا همام عن قتادة عن عمران بن عصام الضبعي شيخ من أهل البصرة عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره هكذا رأيته في تفسيره فجعل الشيخ البصري هو عمران بن عصام . وهكذا رواه ابن جرير أخبرنا نصر بن علي حدثني أبي حدثني خالد بن قيس عن قتادة عن عمران بن عصام عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم في " الشفع والوتر " قال " هي الصلاة منها شفع ومنها وتر " فأسقط ذكر الشيخ المبهم وتفرد به عمران بن عصام الضبعي أبو عمارة البصري إمام مسجد بني ضبيعة وهو والد أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي روى عنه قتادة وابنه أبو جمرة والمثنى بن سعيد وأبو التياح يزيد بن حميد وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وذكره خليفة بن خياط في التابعين من أهل البصرة وكان شريفا نبيلا حظيا عند الحجاج بن يوسف ثم قتله يوم الراوية سنة ثنتين وثمانين لخروجه مع ابن الأشعث وليس له عند الترمذي سوى هذا الحديث الواحد وعندي أن وقفه على عمران بن حصين أشبه والله أعلم . ولم يجزم ابن جرير بشيء من هذه الأقوال في " الشفع والوتر " .

    وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي

    قال العوفي عن ابن عباس أي إذا ذهب وقال عبد الله بن الزبير " والليل إذا يسر " حتى يذهب بعضه بعضا وقال مجاهد وأبو العالية وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد " والليل إذا يسر " إذا سار وهذا يمكن حمله على ما قال ابن عباس أي ذهب ويحتمل أن يكون المراد إذا سار أي أقبل وقد يقال إن هذا أنسب لأنه في مقابلة قوله " والفجر " فإن " الفجر " هو إقبال النهار وإدبار الليل فإذا حمل قوله " والليل إذا يسر " على إقباله كان قسما بإقبال الليل وإدبار النهار وبالعكس كقوله " والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس " وكذا قال الضحاك " والليل إذا يسر" أي يجري وقال عكرمة " والليل إذا يسر " يعني ليلة جمع ليلة المزدلفة . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم . ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو عامر عن كثير بن عبد الله بن عمرو قال سمعت محمد بن كعب القرظي يقول في قول " والليل إذا يسر " قال أسر يا سار ولا تبيتن إلا بجمع.

    هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ

    أي لذي عقل ولب ودين وحجى وإنما سمي العقل حجرا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال والأقوال ومنه حجر البيت لأنه يمنع الطائف من اللصوق بجداره الشامي ومنه حجر اليمامة وحجر الحاكم على فلان إذا منعه التصرف " ويقولون حجرا محجورا " كل هذا من قبيل واحد ومعنى متقارب وهذا القسم هو بأوقات العبادة وبنفس العبادة من حج وصلاة وغير ذلك من أنواع القرب التي يتقرب بها إليه عباده المتقون المطيعون له الخائفون منه المتواضعون لديه الخاشعون لوجهه الكريم .

    أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ

    وهؤلاء كانوا متمردين عتاة جبارين خارجين عن طاعته مكذبين لرسله جاحدين لكتبه فذكر تعالى كيف أهلكهم ودمرهم وجعلهم أحاديث وعبرا فقال " ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد " وهؤلاء عاد الأولى وهم ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح . قاله ابن إسحاق وهم الذين بعث الله فيهم رسوله هودا فكذبوه وخالفوه فأنجاه الله من بين أظهرهم ومن آمن معه منهم وأهلكهم " بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية " وقد ذكر الله قصتهم في القرآن في غير ما موضع ليعتبر بمصرعهم المؤمنون

    إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ

    عَطْف بَيَان زِيَادَة تَعْرِيف بِهِمْ وَقَوْله تَعَالَى " ذَات الْعِمَاد " لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْكُنُونَ بُيُوت الشَّعْر الَّتِي تُرْفَع بِالْأَعْمِدَةِ الشِّدَاد وَقَدْ كَانُوا أَشَدّ النَّاس فِي زَمَانهمْ خِلْقَة وَأَقْوَاهُمْ بَطْشًا وَلِهَذَا ذَكَّرَهُمْ هُود بِتِلْكَ النِّعْمَة وَأَرْشَدَهُمْ إِلَى أَنْ يَسْتَعْمِلُوهَا فِي طَاعَة رَبّهمْ الَّذِي خَلَقَهُمْ فَقَالَ " وَاذْكُرُوا إِذَا جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِنْ بَعْد قَوْم نُوح وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْق بَسْطَة فَاذْكُرُوا آلَاء اللَّه وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْض مُفْسِدِينَ" وَقَالَ تَعَالَى " فَأَمَّا عَاد فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدّ مِنَّا قُوَّة أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة " .

    الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ

    أي القبيلة التي لم يخلق مثلها في بلادهم لقوتهم وشدتهم وعظم تركيبهم قال مجاهد إرم أمة قديمة يعني عادا الأولى قال قتادة بن دعامة والسدي إن إرم بيت مملكة عاد وهذا قول حسن جيد قوي وقال مجاهد وقتادة والكلبي في قوله " ذات العماد " كانوا أهل عمد لا يقيمون وقال العوفي عن ابن عباس إنما قيل لهم ذات العماد لطولهم . واختار الأول ابن جرير ورد الثاني فأصاب وقوله تعالى " التي لم يخلق مثلها في البلاد " أعاد ابن زيد الضمير على العماد لارتفاعها وقال بنوا عمدا بالأحقاف لم يخلق مثلها في البلاد وأما قتادة وابن جرير فأعاد الضمير على القبيلة أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في البلاد يعني في زمانهم وهذا القول هو الصواب وقول ابن زيد ومن ذهب مذهبه ضعيف لأنه لو كان المراد ذلك لقال التي لم يعمل مثلها في البلاد وإنما قال " لم يخلق مثلها في البلاد " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثنا معاوية بن صالح عمن حدثه عن المقدام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر " إرم ذات العماد " فقال كان الرجل منهم يأتي على الصخرة فيحملها على الحي فيهلكهم " ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو الطاهر حدثنا أنس بن عياض عن ثور بن زيد الديلي قال قرأت كتابا قد سمى حيث قرأه أنا شداد بن عاد وأنا الذي رفعت العماد وأنا الذي شددت بذراعي نظر واحد وأنا الذي كنزت كنزا على سبعة أذرع لا يخرجه إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم " قلت " فعلى كل قول سواء كانت العماد أبنية بنوها أو أعمدة بيوتهم للبدو أو سلاحا يقاتلون به أو طول الواحد منهم فهم قبيلة وأمة من الأمم وهم المذكورون في القرآن في غير ما موضع المقرونون بثمود كما ههنا والله أعلم . ومن زعم أن المراد بقوله " إرم ذات العماد " مدينة إما دمشق كما روي عن سعيد بن المسيب وعكرمة أو إسكندرية كما روي عن القرظي أو غيرهما ففيه نظر فإنه كيف يلتئم الكلام على هذا " ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد " إن جعل ذلك بدلا أو عطف بيان ؟ فإنه لا يتسق الكلام حينئذ ثم المراد إنما هو الإخبار عن إهلاك القبيلة المسماة بعاد وما أحل الله بهم من بأسه الذي لا يرد لا أن المراد الإخبار عن مدينة أو إقليم . وإنما نبهت على ذلك لئلا يغتر بكثير مما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية من ذكر مدينة يقال لها " إرم ذات العماد " مبنية بلبن الذهب والفضة قصورها ودورها وبساتينها وإن حصباءها لآلئ وجواهر وترابها بنادق المسك وأنهارها سارحة وثمارها ساقطة ودورها لا أنيس بها وسورها وأبوابها تصفر ليس بها داع ولا مجيب وإنها تنتقل فتارة تكون بأرض الشام وتارة باليمن وتارة بالعراق وتارة بغير ذلك من البلاد فإن هذا كله من خرافات الإسرائليين ومن وضع بعض زنادقتهم ليختبروا بذلك عقول الجهلة من الناس أن تصدقهم في جميع ذلك . وذكر الثعلبي وغيره أن رجلا من الأعراب وهو عبد الله بن قلابة في زمان معاوية ذهب في طلب أباعر له شردت فبينما هو يتيه في ابتغائها إذ اطلع على مدينة عظيمة لها سور وأبواب فدخلها فوجد فيها قريبا مما ذكرناه من صفات المدينة الذهبية التي تقدم ذكرها وأنه رجع فأخبر الناس فذهبوا معه إلى المكان الذي قال فلم يروا شيئا . وقد ذكر ابن أبي حاتم قصة " إرم ذات العماد " ههنا مطولة جدا فهذه الحكاية ليس يصح إسنادها ولو صح إلى ذلك الأعرابي فقد يكون اختلق ذلك أو أنه أصابه نوع من الهوس والخبال فاعتقد أن ذلك له حقيقة في الخارج وليس كذلك وهذا مما يقطع بعدم صحته وهذا قريب مما يخبر به كثير من الجهلة والطامعين والمتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض فيها قناطير الذهب والفضة وألوان الجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير الكبير لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها والأخذ منها فيحتالون على أموال الأغنياء والضعفة والسفهاء فيأكلونها بالباطل في صرفها في بخاخير وعقاقير ونحو ذلك من الهذيانات ويطنزون بهم والذي يجزم به أن في الأرض دفائن جاهلية وإسلامية وكنوزا كثيرة من ظفر بشيء منها أمكنه تحويله فأما على الصفة التي زعموها فكذب وافتراء وبهت ولم يصح في ذلك شيء مما يقولون إلا عن نقلهم أو نقل من أخذ عنهم والله سبحانه وتعالى الهادي للصواب . وقول ابن جرير يحتمل أن يكون المراد بقوله " إرم ذات العماد" قبيلة أو بلدة كانت عاد تسكنها فلذلك لم تصرف. فيه نظر لأن المراد من السياق إنما هو الإخبار عن القبيلة .

    وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي

    يعني يقطعون الصخر بالوادي قال ابن عباس ينحتونها ويخرقونها وكذا قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد ومنه يقال مجتابي النمار إذا خرقوها واجتاب الثوب إذا فتحه ومنه الجيب أيضا وقال الله تعالى " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " وأنشد ابن جرير وابن أبي حاتم ههنا قول الشاعر : ألا كل شيء ما خلا الله بائد كما باد حي من شنيف ومارد هم ضربوا في كل صماء صعدة بأيد شداد أيدات السواعد وقال ابن إسحاق كانوا عربا وكان منزلهم بوادي القرى وقد ذكرنا قصة عاد مستقصاة في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته .

    وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ

    قال العوفي عن ابن عباس" الأوتاد " الجنود الذين يشدون له أمره ويقال كان فرعون يوتد أيديهم وأرجلهم في أوتاد من حديد يعلقهم بها وكذا قال مجاهد كان يوتد الناس بالأوتاد وهكذا قال سعيد بن جبير والحسن والسدي قال السدي كان يربط الرجل في كل قائمة من قوائمه في وتد ثم يرسل عليه صخرة عظيمة فيشدخه وقال قتادة بلغنا أنه كان له مظال وملاعب يلعب له تحتها من أوتاد وحبال وقال ثابت البناني عن أبي رافع قيل لفرعون ذي الأوتاد لأنه ضرب لامرأته أربعة أوتاد ثم جعل على ظهرها رحى عظيمة حتى ماتت .

    الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ

    أي تمردوا وعتوا

    فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ

    عاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس .

    فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ

    أي أنزل عليهم رجزا من السماء وأحل بهم عقوبة لا يردها عن القوم المجرمين .

    إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ

    قال ابن عباس يسمع ويرى يعني يرصد خلقه فيما يعملون ويجازي كلا بسعيه في الدنيا والآخرة وسيعرض الخلائق كلهم عليه فيحكم فيهم بعدله ويقابل كلا بما يستحقه وهو المنزه عن الظلم والجور وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثا غريبا جدا , وفي إسناده نظر وفي صحته فقال حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا يونس الحذاء عن أبي حمزة البيساني عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا معاذ إن المؤمن لدى الحق أسير يا معاذ إن المؤمن لا يسكن روعه ولا يأمن اضطرابه حتى يخلف جسر جهنم خلف ظهره يا معاذ إن المؤمن قيده القرآن عن كثير من شهواته وعن أن يهلك فيها هو بإذن الله عز وجل فالقرآن دليله والخوف محجته والشوق مطيته والصلاة كهفه والصوم جنته . والصدقة فكاكه والصدق أميره والحياء وزيره وربه عز وجل من وراء ذلك كله " بالمرصاد " قال ابن أبي حاتم يونس الحذاء وأبو حمزة مجهولان وأبو حمزة عن معاذ مرسل ولو كان عن أبي حمزة لكان حسنا أي لو كان من كلامه لكان حسنا ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن أيفع عن ابن عبد الكلاعي أنه سمعه وهو يعظ الناس يقول إن لجهنم سبع قناطر قال والصراط عليهن قال فيحبس الخلائق عند القنطرة الأولى فيقول " قفوهم إنهم مسئولون" قال فيحاسبون على الصلاة ويسألون عنها قال فيهلك فيها من هلك وينجو من نجا فإذا بلغوا القنطرة الثانية حوسبوا على الأمانة كيف أدوها وكيف خانوها قال فيهلك من هلك وينجو من نجا فإذا بلغوا القنطرة الثالثة سئلوا عن الرحم كيف وصلوها وكيف قطعوها قال فيهلك من هلك وينجو من نجا قال والرحم يومئذ متدلية إلى الهوي في جهنم تقول اللهم من وصلني فصله ومن قطعني فاقطعه قال وهي التي يقول الله عز وجل " إن ربك لبالمرصاد " هكذا أورد هذا الأثر ولم يذكر تمامه .

    فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي

    يقول تعالى منكرا على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من الله إكرام له وليس كذلك بل هو ابتلاء وامتحان كما قال تعالى " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون" .

    وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي

    وَكَذَلِكَ فِي الْجَانِب الْآخَر إِذَا اِبْتَلَاهُ وَامْتَحَنَهُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ فِي الرِّزْق يَعْتَقِد أَنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّه إِهَانَة لَهُ .

    كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ

    " كلا " أي ليس الأمر كما زعم لا في هذا ولا في هذا فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب ويضيق على من يحب ومن لا يحب وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك وإذا كان فقيرا بأن يصبر وقوله تعالى " بل لا تكرمون اليتيم " فيه أمر بالإكرام له كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أيوب عن يحيى بن سليمان عن يزيد بن أبي غياث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه - ثم قال بأصبعه - أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " . وقال أبو داود حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان أخبرنا عبد العزيز يعني ابن أبي حازم حدثني أبي عن سهل يعني ابن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة " وقرن بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام .

    وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ

    يَعْنِي لَا يَأْمُرُونَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَيُحِثّ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي ذَلِكَ .

    وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا

    " تأكلون التراث" يعني الميراث " أكلا لما " أي من أي جهة حصل لهم من حلال أو حرام .

    وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا

    أي كثيرا زاد بعضهم فاحشا .



    كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا

    يخبر تعالى عما يقع يوم القيامة من الأهوال العظيمة فقال تعالى" كلا " أي حقا " إذا دكت الأرض دكا دكا " أي وطئت ومهدت وسويت الجبال وقام الخلائق من قبورهم

    وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا

    " وجاء ربك " يعني لفصل القضاء بين خلقه وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدا بعد واحد فكلهم يقول لست بصاحب ذاكم حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول " أنا لها أنا لها " فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله تعالى في ذلك وهي أول الشفاعات وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا .

    وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى

    وقوله تعالى " وجيء يومئذ بجهنم" قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن العلاء بن خالد الكاهلي عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عمر بن حفص به ورواه أيضا عن عبد بن حميد عن أبي عامر عن سفيان الثوري عن العلاء بن خالد عن شقيق بن سلمة وهو أبو وائل عن عبد الله بن مسعود قوله ولم يرفعه وكذا رواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة عن مروان بن معاوية الفزاري عن العلاء بن خالد عن شقيق عن عبد الله قوله وقوله تعالى " يومئذ يتذكر الإنسان " أي عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه " وأنى له الذكرى " أي وكيف تنفعه الذكرى ؟ .

    يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ

    يعني يندم على ما كان سلف منه من المعاصي إن كان عاصيا ويود لو كان ازداد من الطاعات إن كان طائعا كما قال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا علي بن إسحاق حدثنا عبد الله يعني ابن المبارك حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن محمد بن عمرة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن عبدا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت في طاعة الله لحقره يوم القيامة ولود أنه رد إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب

    فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ

    أي ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه .

    وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ

    أي وليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن كفر بربهم عز وجل وهذا في حق المجرمين من الخلائق والظالمين .

    يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ

    وَهِيَ السَّاكِنَة الثَّابِتَة الدَّائِرَة مَعَ الْحَقّ .

    ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً

    أَيْ إِلَى جِوَاره وَثَوَابه وَمَا أَعَدَّ لِعِبَادِهِ فِي جَنَّته رَاضِيَة أَيْ فِي نَفْسهَا مَرْضِيَّة أَيْ قَدْ رَضِيَتْ عَنْ اللَّه وَرَضِيَ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا .

    فَادْخُلِي فِي عِبَادِي

    أي في جملتهم .

    وَادْخُلِي جَنَّتِي

    وهذا يقال لها عند الاحتضار وفي يوم القيامة أيضا كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره فكذلك ههنا . ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية فروى الضحاك عن ابن عباس نزلت في عثمان بن عفان وعن بريدة بن الحصيب نزلت في حمزة بن عبد المطلب قال العوفي عن ابن عباس يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك " يعني صاحبك وهو بدنها الذي كانت لعمره في الدنيا راضية مرضية . وروي عنه أنه كان يقرؤها فادخلي في عبادي وادخلي جنتي وكذا قال عكرمة والكلبي واختاره ابن جرير وهو غريب والظاهر الأول لقوله تعالى " ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق " " وأن مردنا إلى الله " أي إلى حكمه والوقوف بين يديه . وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي حدثني أبي عن أبيه عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال نزلت وأبو بكر جالس فقال يا رسول الله ما أحسن هذا فقال " أما إنه سيقال لك هذا" ثم قال حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن يمان عن أشعث عن سعيد بن جبير قال : قرأت عند النبي صلى الله عليه وسلم " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية " فقال أبو بكر رضي الله عنه إن هذا لحسن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت " كذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن ابن يمان به وهذا مرسل حسن . ثم قال ابن أبي حاتم وحدثنا الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن شجاع الجزري عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال : مات ابن عباس بالطائف فجاء طير لم ير على خلقته فدخل نعشه ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يدرى من تلاها " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " ورواه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن مروان بن شجاع عن سالم بن عجلان الأفطس به فذكره . وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر الهروي المعروف بشكر في كتاب العجائب بسنده عن قباث بن رزين أبي هاشم قال : أسرت في بلاد الروم فجمعنا الملك وعرض علينا دينه على أن من امتنع ضربت عنقه فارتد ثلاثة وجاء الرابع فامتنع فضربت عنقه وألقي رأسه في نهر هناك فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء ونظر إلى أولئك الثلاثة فقال يا فلان ويا فلان ويا فلان يناديهم بأسمائهم قال الله تعالى في كتابه " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " ثم غاص في الماء . قال فكادت النصارى أن يسلموا ووقع سرير الملك ورجع أولئك الثلاثة إلى الإسلام قال وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصنا . وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة رواحة بنت أبي عمرو الأوزاعي عن أبيها حدثني سليمان بن حبيب المحاربي حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل " قل اللهم إني أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك " ثم روى عن أبي سليمان بن وبر أنه قال حديث رواحة هذا واحد أمه . آخر تفسير سورة الفجر ولله الحمد والمنة .

    الي بعدي
    سورةالتكاثر


  7. #17
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    المشاركات
    1,162
    معدل تقييم المستوى
    15

    تفسير سورة التكاثر

    وهي مكية.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
    يقول تعالى: شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر، وصرتم من أهلها؟!
    قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا زكريا بن يحيى الوَقار المصري، حدثنا خالد بن عبد الدايم، عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) عن الطاعة، (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) حتى يأتيكم الموت" .
    وقال الحسن البصري: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) في الأموال والأولاد.
    وفي صحيح البخاري، في "الرقاق" منه: وقال لنا أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بن مالك، عن أبي بن كعب قال: كنا نرى هذا من القرآن حتى نـزلت: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) يعني: "لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب".
    وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة: سمعت قتادة يحدث عن مُطْرِّف -يعني ابن عبد الله بن الشخير-عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ ".
    ورواه مسلم والترمذي والنسائي، من طريق شعبة، به .
    وقال مسلم في صحيحه: حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا حفص بن ميسرة، عن العلاء، عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول العبد: مالي مالي؟ وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فاقتنى وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس". تفرد به مسلم .

    وقال البخاري: حدثنا الحُمَيدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتبع الميت ثلاثةٌ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله".
    وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي، من حديث سفيان بن عيينة، به .
    وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثنا قتادة، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يهرم ابن آدم وتبقى منه اثنتان: الحرص والأمل". أخرجاه في الصحيحين .
    وذكر الحافظ ابن عساكر، في ترجمة الأحنف بن قيس -واسمه الضحاك-أنه رأى في يد رجل درهما فقال: لمن هذا الدرهم؟ فقال الرجل: لي. فقال: إنما هو لك إذا أنفقته في أجر أو ابتغاء شكر. ثم أنشد الأحنف متمثلا قول الشاعر:

    أنـــتَ للمـــال إذا أمســـكتَه
    فـــإذا أنفقتَـــه فالمــالُ لَــكْ

    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو أسامة قال: صالح بن حيان حدثني عن ابن بريدة في قوله: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) قال: نـزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار، في بني حارثة وبني الحارث، تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثلُ فلان بن فلان، وفلان؟ وقال الآخرون مثل ذلك، تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور. فجعلت إحدى الطائفتين تقول: فيكم مثل فلان؟ يشيرون إلى القبر -ومثل فلان؟ وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنـزل الله: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل.
    وقال قتادة: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) كانوا يقولون نحن أكثر من بني فلان ونحن أعَدُّ من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم.
    والصحيح أن المراد بقوله: (زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) أي: صرتم إليها ودفنتم فيها، كما جاء في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل من الأعراب يعوده، فقال: "لا بأس، طهور إن شاء الله". فقال: قلت: طَهُور؟! بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تُزيره القبور! قال: "فَنَعَم إذًا" .
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، أخبرنا حكام بن سلم الرازي، عن عمرو بن أبي قيس، عن الحجاج، عن المنْهال، عن زر بن حُبَيْش، عن علي قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نـزلت: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ )
    < 8-474 >
    ورواه الترمذي عن أبي كُرَيب، عن حَكَّام بن سلم [به] وقال: غريب .
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سلمة بن داود العُرضي حدثنا أبو المليح الرقي، عن ميمون بن مهران قال: كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز، فقرأ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) فلبث هنيهة فقال: يا ميمون، ما أرى المقابر إلا زيارة، وما للزائر بد من أن يرجع إلى منـزله.
    قال أبو محمد: يعني أن يرجع إلى منـزله -إلى جنة أو نار. وهكذا ذُكر أن بعضَ الأعراب سمع رجلا يتلو هذه الآية: (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ) فقال: بُعثَ اليوم ورَب الكعبة. أي: إن الزائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره.
    وقوله: (كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) قال الحسن البصري: هذا وعيد بعد وعيد.
    وقال الضحاك: (كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) يعني: الكفار، (ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) يعني: أيها المؤمنون.
    وقوله: (كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ) أي: لو علمتم حق العلم، لما ألهاكم التكاثر عن طلب الدار الآخرة، حتى صرتم إلى المقابر.
    ثم قال: (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) هذا تفسير الوعيد المتقدم، وهو قوله: (كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) تَوعَّدَهم بهذا الحال، وهي رؤية النار التي إذا زفرت زفرة خَرَّ كل ملك مقرب، ونبي مرسل على ركبتيه، من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال، على ما جاء به الأثر المروي في ذلك.
    وقوله: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) أي: ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك. ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا زكريا بن يحيى الخزاز المقري، حدثنا عبد الله بن عيسى أبو خالد الخزاز، حدثنا يونس بن عبيد، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الظهيرة، فوجد أبا بكر في المسجد فقال: "ما أخرجك هذه الساعة؟ " قال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول الله. قال: وجاء عمر بن الخطاب فقال: "ما أخرجك يا ابن الخطاب؟ " قال أخرجني الذي أخرجكما. قال: فقعد عمر، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثهما، ثم قال: "هل بكما من قوة، تنطلقان إلى هذا النخل فتصيبان طعامًا وشرابًا < 8-475 > وظلا؟ " قلنا: نعم. قال: "مُروا بنا إلى منـزل ابن التَّيهان أبي الهيثم الأنصاري". قال: فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيدينا، فسلم واستأذن -ثلاث مرات-وأم الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام، تريد أن يزيدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من السلام، فلما أراد أن ينصرف خرجت أم الهيثم تسعى خلفهم، فقالت: يا رسول الله، قد -والله-سمعت تسليمك، ولكن أردت أن تزيدنا من سلامك. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرًا". ثم قال: "أين أبو الهيثم؟ لا أراه". قالت: يا رسول الله، هو قريب ذهب يَستعذبُ الماء، ادخلوا فإنه يأتي الساعة إن شاء الله، فبسطت -بساطا تحت شجرة، فجاء أبو الهيثم ففرح بهم وقرت عيناه بهم، فصعد على نخلة فصرم لهم أعذاقًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حَسْبُكَ يا أبا الهيثم". قال: يا رسول الله، تأكلون من بُسره، ومن رطبه، ومن تَذْنُوبه، ثم أتاهم بماء فشربوا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه" هذا غريب من هذا الوجه.
    وقال ابن جرير: حدثني الحُسَين بن علي الصدائي، حدثنا الوليد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: بينما أبو بكر وعمر جالسان، إذ جاءهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أجلسكما هاهنا؟ " قالا والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع. قال: "والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره". فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أين فلان؟ " فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء. فجاء صاحبهم يحمل قربته فقال: مرحبا، ما زار العباد شيء أفضل من شيء زارني اليوم. فعلق قربته بكرب نخلة وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا كنت اجتنيت" ؟ فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم. ثم أخذ الشفرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب؟ " فذبح لهم يومئذ، فأكلوا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لتسألن عن هذا يوم القيامة. أخرجكم من بيوتكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم" .
    ورواه مسلم من حديث يزيد بن كيسان، به ورواه أبو يعلى وابن ماجه، من حديث المحاربي، عن يحيى بن عُبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي بكر الصديق، به وقد رواه أهل السنن الأربعة، من حديث عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، بنحو من هذا السياق وهذه القصة .
    وقال الإمام أحمد: حدثنا سُرَيج، حدثنا حشرج، عن أبي نُصرة، عن أبي عسيب -يعني مولى رسول الله -قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فمر بي، فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتى أتى حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط: "أطعمنا". فجاء بِعذْق فوضعه، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب، وقال: "لتسألن عن هذا يوم القيامة". قال: فأخذ عُمَرُ العذْقَ فضرب به الأرض، حتى تناثر البُسرُ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا رسول الله، إنا لمسئول عن هذا يوم القيامة؟ قال: "نعم، إلا من ثلاثة: خرقة لف بها الرجل عورته، أو كسرة سَدَّ بها جوعته، أو جحر تَدخَّل فيه من الحر والقر" تفرد به أحمد.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا عمار، سمعت جابر بن عبد الله يقول: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطبا، وشربوا ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه".
    ورواه النسائي، من حديث حماد بن سلمة [عن عمار بن أبي عمار عن جابر] به .
    وقال الإمام أحمد: حدثنا أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا محمد بن عمرو، عن صفوان بن سليم، عن محمود بن الربيع قال: لما نـزلت: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ) فقرأ حتى بلغ: (لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قالوا: يا رسول الله، عن أي نعيم نُسأل؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال أما إن ذلك سيكون" .
    وقال أحمد: حدثنا أبو عامر، عبد الملك بن عمرو، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا معاذ بن عبد الله بن حُبَيب، عن أبيه، عن عمه قال: كنا في مجلس فطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء، فقلنا: يا رسول الله، نراك طيب النفس. قال: "أجل". قال: ثم خاض الناس في ذكر الغنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا بأس بالغنى لمن اتقى الله، والصحة لمن اتقى الله خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم".
    ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن خالد بن مخلد، عن عبد الله بن سليمان، به .
    وقال الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا شبابة، عن عبد الله بن العلاء، عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزم الأشعري قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يسأل عنه -يعني يوم القيامة-العبد من النعيم أن يقال له: ألم نُصِحّ لك جسمك، ونُرْوكَ من الماء البارد؟ ".

    تفرد به الترمذي. ورواه ابن حبان في صحيحه، من طريق الوليد بن مسلم، عن عبد الله بن العلاء بن زَيْر، به .
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زُرْعَة، حدثنا مُسَدَّد، حدثنا سفيان، عن محمد بن عمرو، عن يحيى بن حاطب، عن عبد الله بن الزبير قال: قال الزبير: لما نـزلت: ([ثُمَّ] لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قالوا: يا رسول الله، لأي نعيم نسأل عنه، وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: "إن ذلك سيكون". وكذا رواه الترمذي وابن ماجه، من حديث سفيان -هو ابن عيينة-به ورواه أحمد عنه وقال الترمذي: حسن.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني، حدثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: لما نـزلت هذه الآية: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قالت الصحابة: يا رسول الله، وأي نعيم نحن فيه، وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير؟ فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: أليس تحتذون النعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم.
    وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا محمد بن سليمان بن الأصبهاني، عن ابن أبي ليلى -أظنه عن عامر-عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ([ثُمَّ] لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: "الأمن والصحة" .
    وقال زيد بن أسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) يعني: شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذة النوم. رواه ابن أبي حاتم بإسناده المتقدم، عنه في أول السورة.
    وقال سعيد بن جبير: حتى عن شربة عسل. وقال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا. وقال الحسن البصري: نعيم الغداء والعشاء، وقال أبو قِلابة: من النعيم أكل العسل والسمن بالخبز النقي. وقول مجاهد هذا أشمل هذه الأقوال.
    وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال: النعيم: صحة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل الله العباد فيما استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا [الإسراء: 36].
    وثبت في صحيح البخاري، وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه، من حديث عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" .
    ومعنى هذا: أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين، لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه، فهو مغبون.
    وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا القاسم بن محمد بن يحيى المروزي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا أبو حمزة، عن ليث، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فوق الإزار، وظل الحائط، وخُبْز، يحاسب به العبد يوم القيامة، أو يسأل عنه" ثم قال: لا نعرفه إلا بهذا الإسناد.
    وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز وعفان قالا حدثنا حماد -قال عفان في حديثه: قال إسحاق بن عبد الله، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله، عز وجل -قال عفان: يوم القيامة-: يا ابن آدم، حملتك على الخيل والإبل، وزوجتك النساء، وجعلتك تَرْبَع وترأس، فأين شكر ذلك؟ " تفرد به من هذا الوجه.

    آخر تفسير سورة "التكاثر" [ولله الحمد والمنة]
    الي بعدي
    سورة القيامة

  8. #18
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    المشاركات
    1,162
    معدل تقييم المستوى
    15

    تفسير سورة القيامة

    قد تقدم غير مرة أن المقسم عليه إذا كان منتفياً جاز الإتيان بلا قبل القسم لتأكيد النفي. والمقسم عليه ههنا هو إثبات المعاد والرد على ما يزعمه الجهلة من العباد ومن عدم بعث الأجساد, ولهذا قال تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة} قال الحسن: أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة, وقال قتادة: بل أقسم بهما جميعاً, هكذا حكاه ابن أبي حاتم: وقد حكى ابن جرير عن الحسن والأعرج أنهما قرءا

    {لأقسم بيوم القيامة} وهذا يوجه قول الحسن لأنه أثبت القسم بيوم القيامة ونفى القسم بالنفس اللوامة, والصحيح أنه أقسم بهما جميعاً كما قاله قتادة رحمه الله, وهو المروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير, واختاره ابن جرير, فأما يوم القيامة فمعروف وأما النفس اللوامة فقال قرة بن خالد عن الحسن البصري في هذه الاَية: إن المؤمن والله ما نراه إلا يلوم نفسه. ما أردت بكلمتي, ما أردت بأكلتي, ما أردت بحديث نفسي, وإن الفاجر يمضي قدماً ما يعاتب نفسه,

    وقال جويبر: بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} قال: ليس أحد من أهل السموات والأرضين إلا يلوم نفسه يوم القيامة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم عن إسرائيل عن سماك أنه سأل عكرمة عن قوله: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} قال: يلوم على الخير والشر لو فعلت كذا وكذا, ورواه ابن جرير عن أبي كريب عن وكيع عن إسرائيل به,

    وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا مؤمل, حدثنا سفيان عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} قال: تلوم على الخير والشر, ثم رواه من وجه آخر عن سعيد أنه سأل ابن عباس عن ذلك فقال: هي النفس اللؤوم, وقال علي بن أبي نجيح عن مجاهد تندم على ما فات وتلوم عليه, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: اللوامة المذمومة, وقال قتادة {اللوامة} الفاجرة. وقال ابن جرير: وكل هذه الأقوال متقاربة بالمعنى والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر وتندم على ما فات.


    وقوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه} أي يوم القيامة أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة {بلى قادرين على أن نسوي بنانه} وقال سعيد بن جبير والعوفي عن ابن عباس: أن نجعله خفاً أو حافراً, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وابن جرير, ووجهه ابن جرير بأنه تعالى لو شاء لجعل ذلك في الدنيا, والظاهر من الاَية أن قوله تعالى: {قادرين} حال من قوله تعالى: {نجمع} أي أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه ؟ بل سنجمعها قادرين على أن نسوي بنانه أي قدرتنا صالحة لجمعها, ولو شئنا بعثناه أزيد مما كان فنجعل بنانه وهي أطراف أصابعه مستوية, وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج.


    وقوله: {بل يريد الإنسان ليفجر أمامه} قال سعيد عن ابن عباس: يعني يمضي قدماً, وقال العوفي عن ابن عباس {ليفجر أمامه} يعني الأمل, يقول الإنسان أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة, ويقال: هو الكفر بالحق بين يدي القيامة. وقال مجاهد {ليفجر أمامه} ليمضي أمامه راكباً رأسه, وقال الحسن: لا يُلقى ابن آدم إلا تنزع نفسه إلى معصية الله قدماً قدماً إلا من عصمه الله تعالى, وروي عن عكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والسدي وغير واحد من السلف: هو الذي يعجل الذنوب ويسوف التوبة, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هو الكافر يكذب بيوم الحساب, وكذا قال ابن زيد وهذا هو الأظهر من المراد, ولهذا قال بعده {يسأل أيان يوم القيامة ؟} أي يقول متى يكون يوم القيامة وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده كما قال تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون}.


    وقال تعالى ههنا: {فإذا برق البصر} قرأ أبو عمرو بن العلاء برق بكسر الراء أي حار, وهذا الذي قاله شبيه بقوله تعالى: {لا يرتد إليهم طرفهم} أي بل ينظرون من الفزع هكذا وهكذا لا يستقر لهم بصر على شيء من شدة الرعب, وقرأ آخرون برق بالفتح وهو قريب في المعنى من الأول, والمقصود أن الأبصار تنبهر يوم القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الأهوال ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من الأمور. وقوله تعالى: {وخسف القمر} أي ذهب ضوؤه {وجمع الشمس والقمر} قال مجاهد: كورا, وقرأ ابن زيد عند تفسير هذه الاَية {إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت} وروي عن ابن مسعود أنه قرأ {وجمع بين الشمس والقمر}.

    وقوله تعالى: {يقول الإنسان يومئذ أين المفر} أي إذا عاين ابن آدم هذه الأهوال يوم القيامة حينئذ يريد أن يفر ويقول أين المفر أي هل من ملجأ أو موئل, قال الله تعالى: {كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر} قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وغير واحد من السلف: أي لا نجاة, وهذه الاَية كقوله تعالى: {مالكم من ملجأ يومئذ ومالكم من نكير} أي ليس لكم مكان تتنكرون فيه, وكذا قال ههنا: {لا وزر} أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه, ولهذا قال: {إلى ربك يومئذ المستقر} أي المرجع والمصير.


    ثم قال تعالى: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} أي يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها, أولها وآخرها, صغيرها وكبيرها, كما قال تعالى: {ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً} وهكذا قال ههنا: {بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره} أي هو شهيد على نفسه عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر, وكما قال تعالى: {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {بل الإنسان على نفسه بصيرة} يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه. وقال قتادة: شاهد على نفسه وفي رواية قال: إذا شئت والله رأيته بصيراً بعيوب الناس وذنوبهم غافلاً عن ذنوبه. وكان يقال: إن في الإنجيل مكتوباً يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك وتترك الجِذْل في عينك لا تبصره!.


    وقال مجاهد: {ولو ألقى معاذيره} ولو جادل عنها فهو بصير عليها. وقال قتادة {ولو ألقى معاذيره} ولو اعتذر يومئذ بباطل لا يقبل منه. وقال السدي {ولو ألقى معاذيره} حجته. وكذا قال ابن زيد والحسن البصري وغيرهم واختاره ابن جرير. وقال قتادة عن زرارة عن ابن عباس {ولو ألقى معاذيره} يقول: لو ألقى ثيابه. وقال الضحاك: ولو ألقى ستوره وأهل اليمن يسمون الستر العذار. والصحيح قول مجاهد وأصحابه كقوله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون} وقال العوفي عن ابن عباس {ولو ألقى معاذيره} هي الاعتذار ألم تسمع أنه قال {لا ينفع الظالمين معذرتهم} وقال {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} {فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء} وقولهم {والله ربنا ما كنا مشركين}.

    الي بعدي
    سورة القدر

  9. #19
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2010
    المشاركات
    1,162
    معدل تقييم المستوى
    15

    نقدم لكم شرح كامل لسورة القدر لابن كثير مع بعض التوضيحات البسيطة من موقع الأرقام



    يخبر تعالى أنه أنزل القرآن {ليلة القدر} وهي الليلة المباركة التي قال اللّه عزَّ وجلَّ: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة} وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، قال ابن عباس: أنزل اللّه القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم قال تعالى معظماً لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن الكريم فيها، فقال: {وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر}.




    روى ابن أبي حاتم، عن مجاهد أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل ألف شهر، قال: فعجب المسلمون من ذلك قال: فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ: {إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر} التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل اللّه ألف شهر (أخرجه ابن أبي حاتم)، وروى ابن جرير، عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدّو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل اللّه هذه الآية {ليلة القدر خير من ألف شهر} قيام تلك الليلة، خير من عمل ذلك الرجل (أخرجه ابن جرير عن مجاهد موقوفاً). وقال سفيان الثوري: بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر، وعن مجاهد: ليلة القدر خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر، وقال عمرو بن قيس: عملٌ فيها خير من ألف شهر، وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر هو اختيار ابن جرير، والصواب، كقوله صلى اللّه عليه وسلم: "رباط ليلة في سبيل اللّه خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل" (أخرجه أحمد).


    وفي الحديث الصحيح في فضائل رمضان قال عليه السلام: "فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم" (أخرجه أحمد والنسائي) ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (أخرجه الشيخان). وقوله تعالى: {تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر،



    ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً له، وأما الروح فقيل: المراد به ههنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وقيل: هم ضرب من الملائكة كما تقدم في سورة النبأ، واللّه أعلم. وقوله تعالى: {من كل أمر} قال مجاهد: سلام هي من كل أمر، وقال سعيد بن منصور عن مجاهد في قوله: {سلام هي} قال: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً، أو يعمل فيها أذى، وقال قتادة: تقضى فيها الأمور، وتقدر الآجال والأرزاق، كما قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}.



    وروى أبو داود الطيالسي، عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ليلة القدر: "إنها ليلة سابعة، أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى" (رواه الطيالسي). وقال قتادة وابن زيد في قوله: {سلام هي} يعني هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر، وأمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر، والشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر، عن ابن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ليلة القدر: "ليلة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء" (أخرجه الطيالسي)، وعن جابر بن عبد اللّه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إني رأيت ليلة القدر فأنسيتها وهي في العشر الأواخر من لياليها وهي طلقة بلجة، لا حارة ولا باردة، كأن فيها قمراً لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها".



    فصل.



    اختلف العلماء هل كانت ليلة القدر في الأمم السالفة أو هي من خصائص هذه الأمة؟ فقال الزهري: حدثنا مالك أنه بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أُرِيَ أعمار الناس قبله أو ما شاء اللّه من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أُمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه اللّه ليلة القدر خيراً من ألف شهر (أخرجه مالك)، وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقيل: إنها كانت في الأمم الماضين كما هي في امتنا، ثم هي باقية إلى يوم القيامة وفي رمضان خاصة لا كما روي عن ابن مسعود ومن تابعه من علماء أهل الكوفة من أنها توجد في جميع السنة، وترتجى في جميع الشهور على السواء، وقد ترجم أبو داود في سننه على هذا فقال: (باب بيان أن ليلة القدر في كل رمضان)، ثم روى بسنده عن عبد اللّه بن عمر قال: سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: "هي في كل رمضان" (أخرجه أبو داود)، وقد حكي عن أبي حنيفة رحمه اللّه رواية أنها ترتجى في كل شهر رمضان وهو وجه حكاه الغزالي.



    فصل.



    ثم قد قيل: إنها تكون في أول ليلة من شهر رمضان، وقيل: إنها تقع ليلة سبع عشرة، وهو قول الشافعي، ويحكى عن الحسن البصري، ووجهوه بأنها ليلة بدر، وكانت ليلة جمعة هي السابعة عشرة من شهر رمضان، وفي صبيحتها كانت وقعة بدر، وهو اليوم الذي قال اللّه تعالى فيه: (يوم الفرقان). وقيل: ليلة تسع عشرة، يحكى عن علي وابن مسعود، وقيل: ليلة إحدى وعشرين لحديث أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في العشر الأول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتا جبريل فقال: الذي تطلب أمامك، ثم قام النبي صلى اللّه عليه وسلم خطيباً صبيحة عشرين من رمضان، فقال: "من كان اعتكف معي فليرجع فإني رأيت ليلة القدر، وإني أنسيتها وإنها في العشر الأواخر في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء"، وكان سقف المسجد جريداً من النخل، وما نرى في السماء شيئاً، فجاءت قزعة، فمطرنا فصلّى بنا النبي صلى اللّه عليه وسلم، حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تصديق رؤياه في صبح إحدى وعشرين" (أخرجه الشيخان).



    قال الشافعي: وهذا الحديث أصح الروايات، وقيل: ليلة ثلاث وعشرين، وقيل: تكون ليلة خمس وعشرين لما رواه البخاري عن عبد اللّه بن عباس أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى" (أخرجه البخاري) فسره كثيرون بليالي الأوتار، وهو أظهر وأشهر، وحمله آخرون على الأشفاع. وقيل: إنها تكون ليلة سبع وعشرين، لما رواه مسلم في صحيحه عن أُبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين، قال الإمام أحمد: عن زر: سألت أُبي بن كعب قلت: أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر، قال: يرحمه اللّه لقد علم أنها في شهر رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ثم حلف، قلت: وكيف تعلمون ذلك؟ قال: بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا بها، تطلع ذلك اليوم لاشعاع لها يعني الشمس (أخرجه أحمد ورواه مسلم بنحوه). وهو قول طائفة من السلف، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه، وهو رواية عن أبي حنيفة أيضاً، وقيل: إنها تكون في ليلة تسع وعشرين، روى الإمام أحمد بن حنبل عن عبادة بن الصامت أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن ليلة القدر، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "في رمضان فالتمسوها في العشر الأواخر فإنها وتر إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أو في آخر ليلة" (أخرجه أحمد).



    وعن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ليلة القدر: "إنها في ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى" (أخرجه أحمد). وقيل: إنها تكون في آخر ليلة لما تقدم من هذا الحديث آنفاً، ولما رواه الترمذي والنسائي من حديث عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "في تسع يبقين أو سبع يبقين أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة يعني التمسوا ليلة القدر" (أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح). وفي المسند من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في ليلة القدر: "إنها آخر ليلة".



    فصل.



    قال الشافعي في هذه الروايات: صدرت من النبي صلى اللّه عليه وسلم جواباً للسائل إذا قيل له: أنلتمس ليلة القدر في الليلة الفلانية؟ يقول: "نعم"، وإنما ليلة القدر ليلة معينة لا تنتقل، وروي عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر؛ وهذا الذي حكاه عن أبي قلابة هو الأشبه، واللّه أعلم. وقد يستأنس لهذا القول بما ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن عمر أن رجالاً من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر من رمضان، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها، فليتحرها في السبع الأواخر (أخرجاه في الصحيحين)، وفيهما أيضاً عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" (أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري).


    ويحتج الشافعي أنها لا تنتقل وأنها معينة من الشهر بما رواه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة" (أخرجه البخاري)، وجه الدلالة منه أنها لو لم تكن معينة مستمرة التعيين لما حصل لهم العلم بعينها في كل سنة، إذ لو كانت تنتقل لما علموا تعيينها إلا ذلك العام فقط، اللهم إلا أن يقال إنه إنما خرج ليعلمهم بها تلك السنة فقط، وقوله: "فتلاحى فلان وفلان فرفعت" فيه استئناس لما يقال: إن المماراة تقطع الفائدة والعلم النافع، كما جاء في الحديث: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" وقوله: "فرفعت" أي رفع علم تعينها لكم، لا أنها رفعت بالكلية من الوجود، كما يقوله جهلة الشيعة، لأنه قد قال بعد هذا: "فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة"،


    وقوله: "وعسى أن يكون خيراً لكم" يعني عدم تعينها لكم فإنها إذا كانت مبهمة اجتهد طلابها في ابتغائها في جميع محال رجائها، فكان أكثر للعبادة بخلاف ما إذا علموا عينها، فإنها كانت الهمم تتقاصر على قيامها فقط، وإنما اقتضت الحكمة إبهامها لتعم العبادة جميع الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العشر الأخير أكثر، ولهذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه اللّه عزَّ وجلَّ، ثم اعتكف أزواجه بعده، عن ابن عمر: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان (أخرجاه في الصحيحين)، وقالت عائشة: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وشد المئزر، ولمسلم عنها: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجتهد في العشر ما لا يجتهد في غيره، وهذا معنى قولها وشد المئزر، وقيل: المراد بذلك اعتزال النساء، ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين لما رواه الإمام أحمد،


    عن عائشة قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا بقي عشر من رمضان شد مئزره، واعتزل نساءه، وقد حكي عن مالك رحمه اللّه أن جميع ليالي العشر في تطلب ليلة القدر على السواء، لا يترجح منها ليلة على أُخرى، والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر، والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، لما رواه الإمام أحمد عن عبد اللّه ابن بريدة أن عائشة قالت: يا رسول اللّه: إن وافقت ليلة القدر فما أدعو؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة(.


    بعض التوضيحات :


    كأن فيها قمراً وردت هذه الجملة ضمن الأحاديث بالتفسير ، ونفهم من هذه الجملة أن تلك الليلة لا يوجد بها قمرا ، ولكن لنورها الروحاني ببركاتها ونزول القرآن ووجود الروح الأمين والملائكة صارت منيرة كالقمر ، أيضا نفهم من عدم وجود القمر ، بأن هذه الليلة تكون في أول الشهر القمري أو آخره ، وبما أن جلّ الأحاديث النبوية تشير إلى العشر الأواخر ، وخصوصا ليلة السابع والعشرين ، وأحيانا ليلة التاسع والعشرين ، أو الليلة الأخيرة ، فمن المحتمل أن تكون في الثلاثة الأيام الأخيرة من الشهر حيث يكاد ينعدم نور القمر ، والله اعلم .



    من مقال تحت عنوان ( تحري ليلة القدر ) تم نشره بجريدة أخبار العرب العدد 727 18/رمضان/1423هـ موافق 23/11/2002م. والصادرة من دولة الإمارات نقتطف لكم بعض ما جاء فيه : ( فيقول صاحب المقال الشيخ محمد كاظم حبيب : الأحاديث الشريفة بما يفيد أنها تنتقل من يوم إلى يوم في كل عام وليست مختصة بيوم بعينه كما ظن بعض الناس ، فقد تكون ليلة الـ 21 أو ليلة الـ 23 أو ليلة الـ 25 أو ليلة الـ 27 أو ليلة الـ 29 من رمضان .

    فهي ليلة من أعظم ليلي العمر وأشرفها ولذلك فهي لا تأتي إلا في أعظم شهور السنة وأشرفها ألا وهو شهر رمضان المعظم . ولا تكون إلا في أعظم أيام رمضان وأشرفها وهي الأيام العشرة الأخيرة منه وبالتحديد لا تكون إلا في أعظم وأشرف هذه الأيام وهي الأيام الأوتار منها .

    ثم لا تكون إلا في أعظم الأوتار وأكثرها بركة وشرفا وتكريما وهي أيام الجمعة والإثنين . وفي خيرية الجمعة والإثنين وتفضيلهما على بقية أيام الأسبوع من الأحاديث ما يكفي ، ولذلك يستحيل أن توافق ليلة القدر يوما من أيام الأسبوع أدنى من الأيام المفضلة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . . ) نكتفي بهذا القدر ،


    الي بعدي
    سورة الطلاق

  10. #20
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973


    [IMG]http://dc03.***********/i/01751/u674s73prh3c.gif[/IMG]

صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1234 ... الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. اقبل تستفيد وانشر تفيد !!
    بواسطة هدي الاشراق في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 18-09-2011, 05:01 PM
  2. أيهــا المبدع/ــهـ .... تفضل بالدخول ....
    بواسطة عيون القمر في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 27-11-2010, 07:48 PM
  3. فن الردود على المواضيع تفضل بالدخول هنا قبل الرد
    بواسطة أميـر الرومانسية في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 13-05-2010, 12:07 AM
  4. هل تريد ان تكون أنيقا يا أدم أنصحك بالدخول تفضل
    بواسطة دمـ ع ـة ع ـاشقة93 في المنتدى منتدى الرجل ( ادم )
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 31-03-2010, 08:25 AM
  5. القصراوي اذا سمحت تفضل بالدخول
    بواسطة الاسطورة في المنتدى منتدى الترحيب والتهاني
    مشاركات: 38
    آخر مشاركة: 22-02-2009, 12:40 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك