مذكرة أعتقال البشير الثانية وأستفتاء أنفصال الجنوب ذراعها
السودان في عين المخططات الأمريكية والصهيونية
عمر البشير
الحقيقة الدولية – عمان – محرر الشؤون العربية
لا يجانب المرء الحقيقية أن هناك حزمة كاملة من الضغوط الأمريكية تمارس على السودان من أجل تفتيت هذا البلد العربي والسيطرة على ثروات هذا البلد الكثيرة.
فقد جاءت مذكرة الإعتقال الثانية التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير، بعد المذكرة الأولى التي صدرت في آذار 2009، بالتوازي مع ضغوط مكثفة لحسم مصير استفتاء الجنوب بالانفصال، كأول حلقة في مخطط تفتيت السودان، وكذا لعرقلة الجهود القطرية والعربية لحل مشكلة دارفور قبل استفتاء الجنوب، من خلال إستقواء المتمردين بقرار المحكمة وتشددهم في المفاوضات.
والملفت هنا الدور الأمريكي المزدوج في المشهد السوداني الراهن سواء فيما يخص رفض واشنطن الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية أو تقديم جنرالاتها المتهمين بجرائم حرب في العراق وأفغانستان للمحاكمة أمامها، وبالمقابل مطالبة البشير بتسليم نفسه لذات المحكمة، وكذا دورها المزدوج فيما يخص التعاون مع الخرطوم لتحقيق أهداف ومصالح أمريكية بحتة مثل الحصول على نفط وموارد السودان، والضغط عليها في نفس الوقت بأجندات الحريات والأقليات لتقديم مزيد من التنازلات للغرب.
الدور الأمريكي يبرز أيضا من خلال مطالبات المحكمة الجنائية ضد الرئيس السوداني، التي باتت مطية لتحقيق المصالح الأمريكية في السودان، من خلال إصدار قراراتها في توقيتات فاضحة لا تخفي الأهداف الفعلية للولايات المتحدة في السودان.
فعندما عندما عرض مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية على الدائرة التمهيدية للمحكمة عام 2009 توجيه تهمة الإبادة الجماعية ضد الرئيس البشير ضمن ثلاث تهم تشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، رفضت المحكمة وقتها هذه التهمة في مذكرتها الصادرة بحقه في آذار 2009، وقال قضاة المحكمة في ذلك الوقت أن الأدلة التي قدمها المدعي العام لا ترقى إلى مستوى توجيه تهمة الإبادة الجماعية، إلا أن المحكمة ذاتها عادت اليوم للتصديق على تهمة الابادة الجماعية ضد البشير رغم عدم توفر أي أدلة جديدة.
ويشير هذا الأمر صراحة على أن جهات دولية معينة تحرك المحكمة، رأت أن هذا هو التوقيت المناسب لاتهام البشير بهذه التهمة الثالثة، لإصدار مذكرة جديدة باعتقاله يكون لها صدى وأثر كبير يعرقل مفاوضات التسوية التي ترعاها قطر حاليا بين غالبية فصائل دارفور والخرطوم.
خرق سوداني
وفي الواقع أن مفاوضات الدوحة وتهديدات الخرطون بأن هذه المفاوضات أخر مراحل التفاوض، نجحت تماما في إقناع العديد من المتمردين بالعودة للمفاوضات وكان أحدث اختراق حدث هو تغير موقف عبد الواحد محمد نور، ولاشك أن صدور قرار جديد باعتقال البشير سوف يعطي هذه الفصائل نوعا من الاستقواء بالخارج مرة أخرى ويعرقل المفاوضات كما حدث في المرة الأولى، وبالتالي يتم ترحيل حل الأزمة لما بعد استفتاء (انفصال) جنوب السودان، بهدف استقواء متمردي دارفور مرة أخرى بموقف متمردي جنوب السودان (الحركة الشعبية) ومطالبتهم بانفصال دارفور.
فالإتفاق السوداني سواء في الدوحة أو غيرها لا يحظى بأي قبول من قبل القوى الكبرى التي تخطط منذ سنوات لتفتيت السودان وتود أن تنتقل بجدول أعمالها الى دارفور بعد جنوب السودان ضمن أجندة "شد الأطراف" التي تستهدف فصل أقاليم السودان واحدا تلو الأخر بما يمنع من نشوء دولة سودانية مستقلة مستقرة ذات أجندة حضارية إسلامية تهيمن على أفريقيا ويعرقل المصالح الاستعمارية الغربية هناك.
وأكد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد الرحمن بن حمد العطية أن توجهات المحكمة الجنائية الدولية ضد السودان لا تنسجم مع التقارير الموثقة والصادرة عن الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والتي تؤكد أنه لم تحدث عمليات إبادة جماعية في إقليم دارفور، وأبدى استغرابه من توقيت قرار المحكمة الجنائية الدولية متسائلاً عن مراميه وأهدافه.
مخطط أمريكي
ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها الدول الأوروبية وكيان العدو الصهيوني، يعملون جميعا على مخطط واحد يقوم على تفكيك السودان وضرب وحدته بنزع ربعه الجنوبي (الذي رسمت معالمه اتفاقية نيفاشا)، ثم نزع خمسه الغربي في دارفور والسعي لوضعه تحت وصاية غربية بغطاء الأمم المتحدة، فضلا عن السعي لسلخ شرقه (منطقة الحدود مع أثيوبيا وأريتريا)، ما يستهدف أن يتحول السودان لدولة ممسوخة ضعيفة بلا موارد بترولية ومحاصرة وسهل القيادة.
كما يعمل المخطط الغربي في السودان على تمهيد الطريق أمام الجنوبيين لفرض دولتهم المنفصلة في الجنوب سواء بالضغط على الشمال لتحقيق أهداف جنوبية، أو بالسعي لتسريع الانفصال وفصل الجنوب والتمكين له ليلعب دورا أكثر ضغطا على حكومة الخرطوم وهدم لما تبقى من مشروع "الإنقاذ" عبر الحديث المتصاعد من قادة الجنوب عن "علمانية السودان" واعتبار هذا شرطا للوحدة بين الشمال والجنوب أو الانفصال لو أصر الشمال على التمسك بإسلامه.
فضلا عن تهديد دول الجوار العربية خصوصا مصر بشكل مباشر وحصارها إستراتيجيا وتوجيه رسالة عبر حصار الخرطوم وتوقيف البشير بأن القاهرة ليست بمنأى لو حاولت التملص من الضغوط الأمريكية كما تفعل الآن فيما يخص قضايا تأتي في مقدمة الأجندة الأمريكية في المنطقة. وحصار المد العربي والإسلامي الذي انتعش في السنوات الأخيرة على يد منظمات وهيئات خيرية تعليمية وإسلامية سودانية في أفريقيا، وإعادة تنشيط الدور التنصيري الغربي الذي تلعب فيه المنظمات الإغاثية الغربية دورا حيويا، وله خريطة واضحة المعالم تمتد من جنوب السودان حتى جنوب أفريقيا عبر سلسلة من المواني النهرية والمطارات الصغيرة.
فقد حذرت الدراسات الأمريكية والغربية والصهيونية من "الحكم الإسلامي" في السودان ومخاطره ومع تعاظم أهمية النفط خصوصا وارتفاع أسعاره لأرقام فلكية وظهوره في السودان بصورة تجارية هامة، فضلا عن ظهور خام اليورانيوم والكوبلت المستخدمين في المفاعلات النووية وصناعة الطائرات، تصاعد الاهتمام الغربي بالسودان بسبب ثرواته، وبسبب خطورة الحكم الإسلامي على المصالح الإستراتيجية الغربية في كل أفريقيا.
المصدر : الحقيقة الدولية – عمان – محرر الشؤون العربية 26-7-2010
[IMG]http://dc03.***********/i/01751/u674s73prh3c.gif[/IMG]
المفضلات