بقلم د.حسن نافعة ٣١/ ٣/ ٢٠١١
وصلتنى رسالة قصيرة تقول: «أنا شاب مسيحى اسمى يوحنا وليم، من محافظة قنا بصعيد مصر، أعمل فى البناء بمدينة الغردقة، ومع متابعتى لأسرتى وكل أهل بلدى، علمت بأن هناك دعوات من الجماعة السلفية لاختطاف أى بنت يتم تواجدها فى الشارع دون حجاب أو يكون عليها أى مظهر من المظاهر التى تدل على أنها غير مسلمة، فالناس فى مصر خائفون ومرتعدون من أن يخرجوا من بيوتهم. أرجو أخذ الموضوع باهتمام، وكتابة ما يوضح فكر سيادتكم حول هذا الموضوع، فأنا من قرائك..».
الموضوع الذى تطرحه الرسالة مهم للغاية، ويستحق أن ننشغل به، وأن ندير حوله حوارا جادا. ولكى يصبح الحوار مثمرا، علينا أن نميز بين بعديه المختلفين، الأول: يتعلق بطبيعة المخاوف التى يعبر عنها هذا المواطن وما إذا كانت تعكس إحساساً حقيقياً بالخطر أم أنها مخاوف ناجمة عن شيوع مناخ نفسى ولدته ظروف استثنائية يحاول البعض استثمارها وتوظيفها لتحقيق أغراض سياسية معينة، ومن ثم قد تكون مخاوف مبالغ فيها؟، أما البعد الثانى: فيتعلق بالنهج الذى يتعين على الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى اتباعه فى مواجهة التهديدات التى تثير مثل هذه المخاوف، بصرف النظر عن طبيعتها أو درجة خطورتها.
تفرض علينا متطلبات الأمانة أن نعترف بأن لهذه المخاوف ما يبررها، خصوصا فى ضوء ما وقع حديثا وفى محافظة قنا نفسها أيضا، حين قامت مجموعة من المتطرفين - يُعتقد أنهم ينتمون للتيار السلفى - بقطع أذن مواطن قبطى بتهمة أنه أجّر شقته لفتاة سيئة السمعة. فى سياق كهذا لا يمكن استبعاد أن تنطوى التحذيرات المتعلقة بخطف البنات غير المحجبات أو اللائى يرتدين علامات مميزة تدل على أنهن غير مسلمات، على تهديد يشكل خطرا حقيقيا، وليس مجرد «تهويش» يستهدف دفع شرائح اجتماعية أو طائفية بعينها للانصياع لتعليمات أو أوامر جماعات معينة تريد فرض قانونها الخاص، وهو تطور خطير جدا.
وحتى بافتراض أنها مخاوف مبالغ فيها فإن مجرد الإحساس بها على هذا النحو الواضح من جانب قطاع لا يستهان به من المجتمع يعد تطورا خطيراً، يتعين التحسب لعواقبه.
ولمواجهة هذا النوع من التفكير أو السلوك، يتعين أن تقف الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى فى الخندق نفسه، وأن يرفضا معاً وبقوة السماح لأى مجموعة كانت بأن تحاول فرض قانونها أو رؤيتها الخاصة على المجتمع بالقوة. كما يتعين على الجميع فى الوقت نفسه أن يحذروا الاستدراج إلى نقاش حول الحجاب، وما إذا كان ارتداؤه يعد واجبا شرعيا من المنظور الإسلامى أم لا.
فما يعنينا هنا هو القانون المصرى، الذى يجب أن يطبق على جميع المواطنين المقيمين على أرض مصر دون تمييز. ولأن القانون المصرى لا يلزم أحدا بارتداء أو عدم ارتداء الحجاب، فيتعين التعامل مع أى جهة تحاول فرض الحجاب على المرأة بالقوة، أيا كان شكل ونوعية القوة المستخدمة، حتى ولو كانت بوسائل ضغط نفسى أو معنوى، باعتبارها جماعة خارجة على القانون، واعتبار أن كل تهديد يصدر عنها فى هذا الصدد جريمة تستوجب العقاب.
من حق أى تيار، سياسيا كان أم دينيا، أن يعتقد أن الحجاب واجب دينى يُفرض على المرأة المسلمة أن ترتديه، وأن يعبر عن وجهة النظر هذه بكل حرية، لكن ليس من حقه إطلاقا أن يسعى لإجبار أحد على ارتداء الحجاب تحت مظلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ومن حق أى مواطن قبطى أن يرتدى ما يشاء من علامات مميزة أو دالة على ديانته أو مذهبه، ليس من حق أحد أيضا أن يفرض عليه حمل أو ارتداء هذه العلامات، أو أن يجبره على خلعها.
ومن الواضح تماما أن ارتخاء قبضة الدولة وعزوفها عن تطبيق القانون على كل الخارجين عليه، سواء كانوا من المسلمين أو من المسيحيين، ولجوءها المتكرر والدائم إلى سياسات بديلة، كمجالس الصلح الهشة، أضعف هيبتها وشجع التيارات المتطرفة، على الجانبين، على التمادى فى غيها.
أظن أن مصر باتت فى حاجة ماسة، خصوصا بعد ثورة ٢٥ يناير، إلى تفعيل «دولة المواطنة والقانون». ولا يختلف أحد على أن أول خطوة على هذا الطريق تكمن فى الإصرار على تطبيق القانون وتوقيع العقوبة على جميع المخالفين، أيا كانت انتماءاتهم السياسية أو الفكرية أو الدينية.
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورسان البتراء
المفضلات