بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
معلوم : أن المسميات وإن كانت شرعية أو سائغة في الأصل إذا كان يحصل بسببها ولاء وبراء لغير الحق وتكون سببا في التفريق بين المؤمنين فإنها محرمة من هذا الباب ، والدليل على ذلك : ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : « غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعاب فكسع أنصاريا " ضربه " ، فغضب الأنصاري غضبًا شديدا ، حتى تداعوا ؛ فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال دعوى الجاهلية ؟ ، ثم قال : ما شأنهم ؟ فأُخبرَ بكسعة المهاجري للأنصاري ، قال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوها فإنها خبيثة » رواه البخاري .
ومن نفائس كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الباب ، والذي يمثل قاعدة عند أهل السنة والجماعة قوله : " وكل ما خرج عن دعوة الإسلام والقرآن : من نسب أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة فهو من عزاء الجاهلية ؛ بل « لما اختصم رجلان من المهاجرين والأنصار فقال المهاجري : يا للمهاجرين ، وقال الأنصاري : يا للأنصار قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ؟ وغضب لذلك غضبا شديدا » مجموع الفتاوى ج 28 ص324 .
وقال رحمه الله : " فهذان الاسمان : المهاجرون والأنصار اسمان شرعيان ، جاء بهما الكتاب والسنة ، وسماهما الله بهما ، كما سمانا المسلمين من قبلُ ، وفي هذا .
وانتساب الرجل إلى المهاجرين أو الأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله ، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط كالانتساب إلى القبائل والأمصار ، ولا من المكروه أو المحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى ، ثم - مع هذا - لما دعا كل منهما طائفته منتصرا بها أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، وسماها : ( دعوى الجاهلية ) حتى قيل له : إن الداعي بها إنما هما غلامان ، لم يصدر ذلك من الجماعة ؛ فأمر بمنع الظالم ، وإعانة المظلوم ، ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المحذور إنما هو تعصب الرجل لطائفته مطلقا فِعْلَ أهل الجاهلية ، فأما نصرها بالحق من غير عدوان فحسن واجب أو مستحب " اقتضاء الصراط ج1 ص241.
فيا لله والإسلام من واقعنا الذي تفرق فيه أهل الإسلام إلى طوائف وفرق وجماعات ومذاهب ، كل واحدة ترفع شعارا واسما ومنهجا وطريقة تخالف الأخرى ، بل إن بعض أصحاب الجماعة الواحدة لأدنى اختلاف ينشب بين رموزها وقد يكون حول أفكار أو رؤى يسعها الخلاف ، لا يلبث أن تشتعل بينهم حربُ مصطلحات ومسميات ، ويتفرقون إلى جماعتين أو حزبين ، ترمي كل واحدة منهما الأخرى بفظائع الأمور ، وتبالغ في التنقص منها ، وقد يصل الأمر إلى إخراجها من دائرة الإسلام ، وسبب هذا مخبآت النفوس والضمائر والذي كَمُنَ فيها تقديس الذات وحب الشهرة والهوى والحرص على الدنيا .
" البصيرة في الدعوة الى الله " ج1ص31
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
المفضلات