أثار وزير الخارجية الأردني ناصر جودة حفيظة الكثير من السياسيين في بلاده بعدما أصر على الذهاب لأقصى مدى ممكن في التفاوض مع المعنيين من أجل انضمام بلاده إلى النادي الخليجي.

وطوال الأشهر الستة الماضية واجه الوزير جودة صعوبات وتعقيدات وتقلبا في مزاج الدول الخليجية وأحيانا تعليقات سلبية من زملاء وزراء، لكنه أصر على إكمال المحاولة مظهرا تفاؤلا بتحقيق ولو بعض منجزات التضامن المالي والاقتصادي الخليجي إذا كان الانضمام الفعلي للنادي لم يعد متاحا.

وعليه يصر جودة في الاجتماعات المغلقة على إبقاء نوافذ الاتصال مفتوحة مع 'أشقاء الخليج' وبأن لديه معطيات دبلوماسية مقنعة تضطره لتجنب إغلاق ملف الانضمام مجانا على الأقل بالمعنى السياسي ومن الطرف الأردني.

وعلى أرض الواقع لم يتحقق شيء محدد لكن عمان انتقلت باستراتيجيتها الدبلوماسية لاحقا من مستوى التسريع في متطلبات وشروط العضوية الصعبة والمعقدة في النادي الخليجي المغلق إلى مستوى العمل على قطف بعض الثمار بدلا من الخروج الاعتباطي مجانا من المسألة.

مؤخرا حصل تطوران لا يمكن إسقاطهما من الحساب الدبلوماسي وفقا لمصادر مطلعة، فالزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للسعودية دفعت باتجاه التفاؤل قليلا وإن كانت السلطات في الجانبين لم تعلن عن أي تضامن سعودي فارق مؤخرا.

ومن الواضح أن الإطلالة الأردنية على الشقيق السعودي مكنت عمان إستقصائيا من تحديد انطباعاتها في اتجاهين أساسيين هما حقائق وخلفيات الحراك السعودي الناشط ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد أولا، وآفاق إظهار ولو جزء من التضامن السعودي إقتصاديا مع الأزمة المالية الأردنية حيث تعاني الميزانية من عجز كبير وتعيش البلاد في ظروف اقتصادية صعبة ومعقدة جدا.

لاحقا برز التطور الثاني في مسار الحدث، فالإجابة على السؤال الأردني المعلق حول نوايا أشقاء الخليج الحقيقية تجاه مشروع التقارب من النادي الخليجي كبديل عن العضوية والانضمام حضرت بقوة للواقع السياسي والإعلامي الأردني عبر لسان أمير الكويت شخصيا الشيخ صباح الأحمد الذي صرح أمس الأول بأن الأردن هو الأقرب لدول الخليج.

وساهم التصريح الكويتي المدروس في تبديد الشكوك والمخاوف بعدما ثار وسط النخبة الأردنية السؤال المركزي حول أسرار تجاهل منظومة الخليج للأزمة الاقتصادية الأردنية وهو تساؤل وصل إلى مستوى الإتهام بالتآمر على المصالح الأردنية العليا في بعض المجالس السياسية الأردنية التي كانت ترسل الرسائل للجانب الاخر قصدا أحيانا.

لذلك تبدو عمان الرسمية اليوم أكثر ارتياحا تجاه دول الخليج، فالكويت أطلقت تصريحا إيجابيا جدا والفيتو السعودي عن الخضار الأردنية رفع تماما ولقاء القمة الأخير في الرياض كان مرنا ومبشرا في الجانب الاقتصادي إلى حد ما والعلاقات مع البحرين ممتازة جدا ولا توجد إشكالات حقيقية مع قطر بسبب سيناريوهات واحتمالات الملف السوري والعلاقة مع الإمارات ليست ممتازة لكنها ليست متردية.

تبقى سلطنة عمان ممثلة للطرف الأهم في حلقة التصدي لمشروع ضم وانضمام الأردن للنادي الخليجي، وهنا حصريا لم تغلق عمان باب الحوار مع السلطنة الصديقة بل يمكن ملاحظة أن مسقط تعجبها محاولات عمان التواصل مع طهران عبر البرقية الرقيقة التي أرسلها العاهل الأردني قبل يومين للمرشد الأعلى علي خامئني ولرئيس الجمهورية محمود احمدي نجاد مهنئا باسمه واسم الشعب الأردني بعيد النيروز.

الأهم في هذه الحلقة هو التسريبات التي تحدثت صحافيا عن 'سلاح سعودي' لدعم المعارضة السورية عبر الأردن وهي معلومة نفتها الحكومة الأردنية رسميا لكنها تؤشر سياسيا على تلك المنطقة الكامنة في القصة الأردنية الخليجية والمتعلقة حصريا ببروتوكولات تفاهم ضمنية غير معلنة على مسألتين:

الأولى تفهم الخليج لموقف عمان اللوجستي والأمني والجغرافي المعقد في المسألة السورية، والثانية اهتمام عمان بالمقابل بإظهار المسافة القصيرة بينها وبين الإستراتيجية الخليجية المتشددة في التعاطي مع ملف نظام الرئيس بشار الأسد.

هنا تحديدا وفي الكواليس يقال للسعوديين وللقطريين: لن نكون في الخندق المناهض لمشروعكم إذا ما طورتم مع المجتمع الدولي سيناريو من أي نوع لعزل وإقصاء النظام السوري الحالي أو إذا تطور مشروع ما لمساعدة الشعب السوري.

ولم يعد سرا أن مظاهر التعاون الأردني مع المنظومة الخليجية المحتملة فيما يخص المشهد السوري تشمل في المرحلة الأولى لوجستيات الحدود المفتوحة أمام اللاجئين المحتملين واستقبال العسكر الهاربين من الجانب السوري والمساهمة الفعالة في الجانب الإنساني الذي سيكون المبرر الجوهري إذا ما قررت دول الخليج الانقضاض لاحقا سياسا أو اقتصاديا أو حتى عسكريا على نظام الرئيس بشار.

الإستخلاص النهائي من كل ما سبق يشير الى ان التفاهم بين لاعب عماني مهم من طراز يوسف بن علوي وآخر سعودي أهم هو سعود الفيصل ساهم سابقا في اجهاض حلم الأردنيين بعضوية النادي الخليجي فخرج المشروع بذكاء من باب مجلس التعاون الخليجي.. الانطباع السياسي الأولي في عمان اليوم يقول: بإمكاننا العودة عبر النافذة والبحث مجددا في أقوى أشكال التحالف والشراكة على الأقل عبر لافتة اسمها إستراتيجية الخليج ضد بشار الأسد.







المصدر: الحقيقة الدولية – الرصد الاخباري