كـتّـــــــاب
سراج
كنت شغوفاً بالساعات، وأتذكر أن أبي أحضر لي في طفولتي ساعة رقمية (بتضوي)، كان الضوء مهماً جداً، ويعتبر اختراعاً غريباً.
جميع مرتب الخامس (ب).. كانوا يجتمعون حول ساعتي، للتأكد من انها (بتضوي) وكان لا بد من لم الأكف حولها من اجل توفير كمية كافية من الظلام وبعد ذلك كان عليّ ان اضغط على الزر الأيمن ثم تنطلق صرخة من (عوّاد) وهو طالب تخلّف عن الترفيع (3) مرات.. وصرخة عواد كانت معروفة «هيها ضوت».
حين كان أي طالب من مرتبات الصفوف الاخرى الاقل يشاهد ساعتي يبادرني على الفور بسؤال محدد وواضح: «بتضوي..» فأجيبه على الفور: «آه بتضوي، ولاثبات صدق معلومتي نعاود الكرّه مرة اخرى ونلم الاكف حولها».
ذات صباح، انطفأ سراج ساعتي وذهبت لأبي.. اخبرني وقتها أن كثرة استعمالي للضوء افقد البطارية شحنها، وقال لي ايضا انه سيحضر بطارية جديدة.
علم اقراني في الصف الخامس بالامر وانطلقت نصائح مهمة في هذا السياق احدهم قال لي: «حميّ البطارية».. وآخر طالب بتغييرها وعواد كعادته كان مفرطا في الطلب واقترح عليّ تركيب ضوء خارجي.
مرت ايام وانا كل يوم اسأل ابي، وهو يعدني باحضار البطارية ولم يقتصر الامر على الضوء، بل ذابت الارقام وخفتت هي الأخرى.
يبدو ان قيمة الساعة وقتها كانت تافهة الى حد ما وكان والدي ينظر لها انها مجرد لعبة لطفل وسيمل منها.. ولهذا لم يعبأ ولكن بالنسبة لي كان سراج الساعة شيئا مهما.. اقسم ان قيامي بعرض ضوئها على اطفال الحارة كان يؤهلني لان ألعب معهم كرة القدم.
يمر الاموات احيانا في الحُلم وجاءني ابي امس، طلبت منه بطارية.. لانارة سراج القلب لم يعد ضوء الساعة مهما.. فسراج قلبي انطفأ ولم يعد ينير الدرب لبنات الصف السادس.
عبد الهادي راجي المجالي
المفضلات