تفشت وتسربت إلى المجتمع الأردني بعض الظواهر الاجتماعية السلبية ومن بينها ظاهرة (العرط ) التي تستحق منا وقفة تأمل لما تمثله هذه الظاهرة من خلل جليّ يتعارض مع الدين والقيم والعادات التي تربينا عليها .
ولو عدنا إلى مصطلح ( العرط) لوجدنا أنه مصطلح أردني بامتياز إذ لم نعثر عليه عربيا أو غربيا كما أنه مصطلح عامي ، على الرغم من أنه ورد في لسان العرب لابن منظور :
اعْتَرَطَ الرجلُ: أَبْعَدَ في الأَرض. وعِرْيَطٌ وأُمّ عِرْيَطٍ وأُمّ العِرْيط، كله: العقرب.
ويقال: عَرَطَّ فلان عِرضَ فلان واعترطه إذا اقْتَرَضَه بالغِيبة، وأَصل العَرْطِ الشق حتى يدْمَى.وعلى العموم هي صفة سلبية كما سبق، من معانيها . ونقول في العامية الأردنية : ( عرط ) و( عريط ـ بكسر العين على وزن فعِيل للدلالة على المبالغة كقولنا : درِيس وشِريب ومصدرها العرط ) ومعناه في العامية الأردنية :أن يصل الإنسان إلى حالة من تجاوز الواقع ومحاولة تجاوزه إلى واقع مثالي منشود يخالف هذا الواقع ، هو أقرب إلى الكذب ، وتضخيم الذات والأنانية أو مدح الذات أو التعالي على الواقع أو هي أقرب إلى أن ترى نفسك في موضع أعلى من غيرك .
وللعرط في المجتمع الأردني صور وأنماط ونماذج بشرية تراها ورجالات الدولة وتتسع الدائرة لتشمل دولا حين تضخم ذاتها فتبدأ في حالة من (لعرط ) غير المبرر .
كما أن نماذج ( العرط) تجدها في بعض برامج التلفزيون بين مجموعة من الضيوف وبت الأدباء في الملتقيات وبين سيدات المجتمع المخملي في السهرات ، كما أنني وجدت ( عرطا زائدا ) في الأهازيج والأغاني الوطنية يفقد ها شعريتها وجمالياتها ، ومن صوره ما نراه في العطوات والجاهات والصلحات وفي الأعراس والأتراح وحتى بين الأب وأطفاله وزوجته والخاطب والمخطوبة وبين الموظفين والموظفات وطلبة الجامعات .
ومن مشاهدات ( العرط ) اليومية :
الخطيب السياسي والديني الذي يطيل في افتتاحيات ومقدمات خطبته دون مبرر هو خطيب عريط
الطالبة الجامعية التي توهم زميلاتها بأنها لاتحب أكلة شعبية معينة ولا تأكل إلا من مطاعم هشهورة أو لاتلبس إلا من أرقى محلات الأزياء وتبادرك بالقول : هل تعرف ما ثمن ساعتي أو حذائي ؟ هي طالبة عريطة
الطالب الذي يلكن في لهجته فيخلط بين أكثر من لهجة ومزجها بلغة ( الأرابيز ) طالب عريط
والحكومات التي تصور لمواطنيها أنها هي صرة العالم ومحور الكون هي دولة عريطة
وكثير من المثقفين الذين يبشعون مناظرهم بإطلاق الذقون أو بتدخين الغليون أو الشرود المفتعل هو نوع من العرط
والوجيه أو شيخ العشيرة الذي يشق الصفوف مرتديا عباءته ومتشحا بالبرشوت وصبغ شاربيه هو شيخ عريط
ومواطن يتبجح بأنه أولم بعشرين رأسا من الغنم لابنه ( الطفران ) هو مواطن عريط
وكبير السن الذي يجمع أحفاده ليخبرهم عن بطولاته ومغامراته أيام الشباب هو عجوز عريط
وغير هذه الصور كثير يصعب على الحصر .
هل من الممكن أن تجرى دراسات ( Social Psychology ) على هذه الظاهرة لمعالجة مرضاها فهم خطر يهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي والتكيف الاجتماعي ، ويخلخل تركيبة طبقات المجتمع فيجعل الأفراد والجماعات غير مقتنعة بمستواها المعيشي والثقافي والاجتماعي مما يولد كثيرا من الحقد والنقمة بين أفراد المجتمع الواحد لأننا كلنا عباد الرحمن الذين أمرنا أن نمشي على الأرض هونا ، وكلنا نعيش تحت سماء واحدة ولكننا لا نرى الأفق نفسه .
الكاتب : الدكتور طارق عبد القادر المجالي
المفضلات