تابـــــــــــــــع الوعد القرآني في سورة الروم
في الآيات وعدان تحقّقا:
ونرى أن الآيات الأولى من سورة الروم تضمنت وعدين اثنين، وليس وعداً واحداً، وهذان الوعدان تحقّقا في سنة واحدة.
الوعد الأول: انتصار الروم على الفرس، بعد بضع سنين من هزيمتهم أمامهم. وهو ما جزم به قوله تعالى: (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ).
وقد تحقق هذا الوعد في السنة التاسعة لنزول الآيات، وكان ذلك سنة (623م)، حيث دخل هرقل المدائن عاصمة الفرس.
الوعد الثاني: انتصار المسلمين على المشركين، في المعركة الأولى الفاصلة، في غزوة بدر، وهو الذي أخبر عنه قوله تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
لقد كانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة، بعد تسع سنوات من نزول سورة الروم، الذي كان في السنة السادسة من البعثة.
بين الغلبة والنصر:
لا تسمى غلبة الروم على الفرس نصراً من الله، لأن نصر الله كرامة وتشريف منه، ولا يكون هذا النصر إلا لعباد الله المؤمنين الصالحين، والروم ليسوا عباداً مؤمنين صالحين! صحيح أنهم نصارى أهل كتاب، وأنهم أقرب للمسلمين من الفرس عبدة النار، لكنهم ليسوا مؤمنين، ولذلك أخبرت الآيات عن كسبهم المعركة بلفظ الغلبة: (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ). وفرق بين الغلبة والنصر، لأن للنصر ظلال التكريم والتشريف من الله، وهذا خاص بالمؤمنين الصالحين!.
إن قوله تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ) ينطبق على نصر الله للمؤمنين في غزوة بدر، ولا ينطبق على غلبة الروم على الفرس.
وهو يتفق مع قوله تعالى في غزوة بدر: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران: 123].
ومن تقدير الله الحكيم العليم، أن يتحقق الوعدان في سنة واحدة، هي سنة (623م)، وهي السنة الثانية للهجرة، تغلّب فيها الروم على الفرس، وانتصر فيها المسلمون على المشركين في غزوة بدر.
واللطيف في الآيات التي تحدثت عن الوعدين أنها ربطت الأمور كلها بيد الله: (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ). فالله يدبر أمر الكون كله، ويقدر كل شيء يجري فيه، ولا يقع حدث سياسي أو عسكري إلا بأمر الله، ولا تنشب معركة إلا بأمر الله، ولا تغلب دولة غيرها إلا بأمر الله.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــع
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات