د.مريم اللوزي
تشهد المدرسة تحولات كبيرة ، وتطورات بالغة الدقة والتعقيد، تفرضها متغيرات متسارعة تتصف بالإنفتاح والمنافسة العالمية ، وتدفق للمعارف والعلوم وثورة في وسائل الإتصال التي غيرت مظاهر الحياة ، وفاقت مستوى قدراتنا البشرية والعقلية، بل وحتى قدرتنا على التخيل والتفكير. كل ذلك جعل المدرسة والعاملين فيها، إن لم يأخذوا بأسباب هذا التطور ولم يواكبوا هذه المتغيرات ويساهموا فيها ، في موقف حيرة واضطراب . وبما أن المؤسسة التربوية منظومة متكاملة من عدة عناصر متشابكة، كل عنصر يؤدي دورا رئيسا وهاما لتحقيق الرؤية المستقبلية والأهداف المرسومة لها ، ولإستمرار هذا الجهاز بالعمل في أداء دوره بشكل يحقق طموحات الأمة وأجيال المستقبل ، فقد اخذت مدارسنا بالعاملين فيها من إداريين ومعلمين وطلبة تستجيب لهذه المتغيرات ، وتواكب كثيرا من المستجدات بالتنويع في طرائق التدريس واستخدام أساليب تعليم جديدة تستثار فيها مهارات التفكير العليا كالإبداع والإبتكار، وتوفير المختبرات بكل التجهيزات الفنية والتقنية، واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، وتوفير البيئة الآمنة ، وتفعيل دور الطالب ليكون محور عملية التعلم والتعليم ،والمعلم إحدى دعاماتها، وتشجيع البحث العلمي ، و رغم كل ذلك ما زالت نسبة كبيرة من نتائج أبنائنا الطلبة متواضعة إلى حد الضعف والقصور ، الأمر الذي ينعكس سلبا على جو الأسرة ويسبب مزيدا من العناء والتعب للوالدين ، فما السبب في ذلك؟ وما السبيل لتحسين أداء هؤلاء الطلبة ورفع مستوى التحصيل الأكاديمي لديهم ؟ لو راقبنا المشهد اليومي للمدرسة وتأملنا عن قرب كل الفعاليات التي تجري داخل المدرسة ، لننفذ تحت السطح ونسبرأغوار ذلك المشهد ،لوجدنا ان دور أولياء الأمور تغيب تماما عن المدرسة ، حيث ألقى الأب والأم المسؤولية الكاملة على كاهل المدرسة، أو كما يقولون '' وضعوا الكرة في ملعب المدرسة ، وعليها أن تتصرف ''.
بماذا نفسر ذلك؟ هل هو إهمال للابن والأبنة ، أم التعذر بأسباب .. كضيق الوقت والإنشغال بأعباء الحياة وتكاليفها التي أخذت تزداد تعقيدا ؟ أم هو جهل بالدور الإيجابي والهام الذي يلعبه تواصل أولياء الأمور مع المدرسة طيلة العام الدراسي؟ كيف يحدث ذلك في الوقت الذي اثبتت فيه الدراسات العلمية والأبحاث الأكاديمية والتربوية أهمية تفاعل أولياء الأمور مع المدرسة ، حيث أشار كل من المشاهير الأكاديميين .
Scheerens and Bosker. Marzano Edmonds Sammons.
إلى أن نتائج الأبحاث الأكاديمية التربوية أثبتت أن عوامل نجاح المدرسة هي: المنهج الفعال ، الادارة المحترفة ، فعالية أولياء الامور ، البيئة الآمنة ، الاهداف والتغذية الراجعة .
و ان دور ولي الأمر يأتي في المستوى الثالث من بين هذه العوامل المؤثرة في تحصيل الطلبة ورفع كفايتهم .
وقد اثبتت هذه الدراسات أن المدرسة ذات الكفايات العالية تعطي مابين (60%-70%) لتحصيل الطلبة ، بينما يمثل دور أولياء الأمور ما نسبته 30% من النتائج الأكاديمية للطلبة.
وهذا يعني أن الطالب يخسر 30% إذا لم يفعل ولي الأمر دوره في متابعة التحصيل الدراسي طيلة العام الدراسي .
ورغبة في الإستفادة من نتائج هذه الدراسات ، فقد نجحت مدرسة الجبيهة للبنات بعد ظهور نتائج الإختبارات الأولية للعامين الدراسيين ( 2007/2008 ) - (2008-2009) باستقبال أولياء الأمور الى المدرسة بطرق عدة واطلاعهم على النتائج ، وعمل ورش عمل للامهات في كيفية متابعة الإبنة وتهيئة الجو المناسب لها وتعريفها بطرائق المذاكرة وكيفية التغلب على المعيقات التي تعانيها .فكانت النتيجة أن ما نسبته 80% من الطالبات قد ارتفع التحصيل الأكاديمي لهن الى نسبة 35% .
وبناء على ما سبق يجدر بأولياء الأمور المتابعة والتواصل المستمر مع المدرسة والإفادة من التغذية الراجعة ، وتفعيل دورهم الإيجابي لما له من أهمية كبيرة وحاسمة في التحصيل الأكاديمي وبهذا يكون ولي الأمر قد ساهم في دعم الطالب وشارك في إعداده للمستقبل القريب في تحصيله الأكاديمي ، والبعيد في طموحاته وآماله ، متغلبين على الصعوبات التربوية المعاصرة ليكون التعلم مدى الحياة ، ولأن الإعداد للحياة عملية ليست عفوية وعشوائية وإنما هي عملية منظمة ، نضع لها الخطط المناسبة والبرامج الكفيلة لتحقيق الهدف الأول وهو النشء الصالح وإعداده ليكون أداة فاعلة في المجتمع في عصرقد تغيرت فيه المعارف وكثرت فيه الأزمات .
المفضلات