"مجموعة أهم الأحداث" : أكبر خطر يهدد المجتمع ، على الأقل في المدى المنظور و البعيد، الاستقالة الجماعية للوالدين فيما يخص وظيفتهما والتزاماتهما إزاء أولادهما ، تعليميا و تربويا...
هذه المسالة أصبحت آخر اهتمامات الكثير من الوالدين ،على الأقل في مدى علمي و محيطي ، وأنا متأكد أنها ظاهرة ممتدة العروق و هي تزداد عمقا واتساعا في المجتمعات بالخصوص في العالم العربي – الإسلامي.
أصبحت الوظيفة الأبوية هي الإنجاب والإنجاب فقط ، أما الجوانب الأخرى أهمها التربية والمتابعة التعليمية فهي آخر اهتمامات هؤلاء . وظيفة تركت ووكلت للشارع و المحيط ، وما أدراك ما الشارع و ما المحيط ، خاصة في ظل غزوا غير بريء متعدد النوايا و الأهداف...
ازداد تعجبا وأنا أرى تلاميذ من الجنسين في المدارس الابتدائية والمتوسطة وحتى الثانوية، وهم بالمحمول ... فأقول لنفسي ما علاقة هؤلاء بالهواتف النقالة ؟ هل أرسلوا للدراسة أم لإجراء الاتصالات والعلاقات العامة...ومن الذي يوفر لهم ذالك ؟ الوالدين بالتأكيد...
الأخطر من ذالك كله ، بعض الأولياء لا يجدون حرجا في ترك أولادهم فردا و جماعة بين الإخوة من الجنسين في السن المراهقة، "وما أدراك ما السن مراهقة" ، يسبحون ويتجولون ليلا نهارا بدون ضبط أو مراقبة في عالم الفضائيات ، وما أدارك ما عالم الفضائيات ، وخاصة قنوات المختصة في "التوجيه الأخلاقي المجاني "...
أولياء ، تنطبق عليهم بالتمام و الكمال قصة ذالك الغراب الذي تنكر يوما لصفته و مشيته متأثرا بجمال الحمامة ومشيتها "المتبخترة" ، وأراد تقليدها وإذ به عجز عن ذالك و المصيبة عندما أراد العودة لحالته الأصلية لم يستطيع ذالك ...
وازداد تعجبا ، من بعض الناس ، ميسور الحال، وبعضهم لا يعرف رقم رأس ماله ، عندما يتم طرد أولادهم من المدارس بدل من تدارك الأمر و تخصيص جزء من تلك الثروة التي وهبها لهم الله لتدعيم أبناءهم دراسيا أو مهنة من مهن المستقبل ...
فبدل ذالك ، يشترى (بضم الياء) لهم سيارات فخمة وهواتف من آخر الطراز، ليتسكعوا صباحا –مساءا في الشوارع يقودون بيد و يجرون اتصالاتهم بيدي أخرى ، والنتيجة معروفة في إحصائيات الكوارث التي تشهدها الطرقات وما تخلف من جروح اجتماعية يعجز الدهر عن ردم آثارها ...
مازالت ذاكرتي تختزن ذالك الحديث لأحد مسؤولي مؤسسة تربوية ،عندما تم استدعاء ولي أمر احد التلاميذ ،ضبطت معه مخدرات داخل المؤسسة التعليمية ، وبعد جهد جهيد واستدعاء تلو استدعاء ، جاء ذالك الأب ليطلع على الأمر، فكان جوابه أقبح من ذنب ابنه...
خبر كهذا كان أن يمكن أن يسبب شلل نصفي إن لم يكون كلي للأولياء و هم يسمعون عن أبنائهم ذالك ، لكن ذالك الأب قال لمحدثيه في تلك المؤسسة و ببرودة أعصاب وعدم الاكتراث ، : "أتمموا له السنة واطردوه" ... الاستماع إلى هكذا جواب من ولي الأمر يفقد ذالك المعلم والمربي حواسه وينسيه لغة الكلام وقواعدها فما بالك لغة التفكير و التركيز ...
وهذا السلوك "المشين" لمثل هكذا أولياء (اسم على غير مسمى) ، أهلك الحرث و النسل تعليميا ،تربويا و ثقافيا وأصبحت المدارس والمؤسسات التعليمية مثلها مثل "أجساد بلا أرواح" (تجنبا لوصف آخر تقديرا و احتراما لهذه المؤسسات النبيلة ذات الرسائل الشريفة ) ...
وقد أراد القدر أن يكون مسكني بالقرب من مؤسسة تعليمية يظن المرء أنه سوق لبيع الخضروات وما شابه ذالك ... وليست مؤسسة تعليمية-تربوية . تسمع منها صراخا و ضجيجا وكلاما بذيئا ، خارج وداخل الأقسام ، لا تصدر مثلها حتى في الأسواق وما شابه الأسواق ... وهنا اللوم لا يقع على القائمين على تلك المؤسسات أو الأساتذة وإنما على أولياء هؤلاء التلاميذ ، على وزن ذالك ولي الأمر المستدعي في قضية ابنه المضبوط بالمخدرات داخل المؤسسة...
والخوف كل الخوف أن الأمة ، و أعني بالأمة ، الأمة العربية الإسلامية ، قد أصبحت فعلا أو هي قريبة جدا من أن تصبح على هامش التاريخ ، لأن التعليم و التربية هما الركيزتان الأساسيتان لأي نهضة والعكس صحيح..."والله يستر".
حمدان العربي الإدريسي
01.08.2009
المفضلات