كان حال أسرتيهما مثل حالنا وحال معظم الأسر الأردنية ، نودع أبنائنا وبناتنا صباحا في غدوهم للجامعة , وكلنا أمل وترقب لساعة عودتهم سالمين ، لا تكف الأمهات في بيوتنا وعند كل وجبة غداء ، رغم انتقادات بقية الأبناء ، عن حجز حصة ابنها الجامعي من راس الطبخة انتظارا لعودته ، بعضنا يستدرجه الشوق والقلق وقوفا إلى النافذة والآخر جلوسا على عتبة البيت سويعات العصر ، ليكون أول المبشرين بعودة الأمل ، صانع وصانعة المستقبل .
ترى كم من أبنائنا وبناتنا يقدر تلك المشاعر فيحرص على تصرفاته ليعود لبيته وأهله سالما مكملا واجباته الدراسية ، لا هدف لديه يسمو على طلب علم ينتفع به ويرفع من شأنه أو يؤهله لعمل يسهم في تفريج كربة الأهل الصابرين ، بدل أن يحطم الأمل كما حصل ذلك اليوم في جامعة البلقاء ، فانكفأت الصحون المحجوزة ، وأدميت القلوب بعد أن تغيرت طريق العودة ، ليذهب أحد أبنائنا إلى المقبرة والآخر إلى السجن .
لا أخال أبا أو أما على امتداد ساحة الوطن إلا وقد هاله ما جرى في جامعة البلقاء وما تبعه من أحداث مؤسفة في مدينة السلط ، ومن سلم من الأذى المباشر لم يسلم من الأذى النفسي والمعنوي ، أما المسؤولية عما جرى فلا سلامة لأحد منها ، فالطلبة وأهلوهم مسؤولون والجامعة مسؤولة والحكومة وأجهزتها المختلفة ، بل المجتمع بأسره وبكل فئاته يتحمل مسؤولية ماحدث ، فلا أقل من وقفة مراجعة للتدقيق في الأسباب والعوامل التي أوصلتنا إلى هذه الحال ، لتتحول الجامعة من بؤرة إشعاع علم وتثقيف إلى مسرح للعنف والجريمة ، ولتنتهك أخوتنا في عز الظهر من قبل الرعاع ، ولتوضع عشائريتنا الطاهرة وركيزة مجتمعاتنا موضع التشكيك حد التجريم .
ما حصل جد خطير ، ليس فقط لقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا للإضرار بالناس الذي قرنه الله تعالى بالشرك بوحدانيته ، بل الخطورة في العودة إلى الجاهلية والإعتداء على هيبة الدولة ، ولا أعني بهيبة الدولة الخوف من الحكومة والقوى الأمنية ، فهيبة الدولة هي هيبة القانون وصون كرامة المواطن والمسؤول وسلامة رجل الأمن والمواطن وأمن الأرواح والممتلكات .
مع كل الشكر والتقدير للخيرين من أبناء الوطن عامة والبلقاء خاصة وللأجهزة الرسمية والأمنية على جهودهم في احتواء المشكلة ، إلا أن المطلوب الآن وأكثر من أي وقت مضى ، أن يتحمل الجميع مسؤوليته كل من موقعه ، وأن لا نكتفي بما درجت عليه العادة رسميا وشعبيا بملامسة سطح المشكلة عند وقوعها دون الخوض في تفاصيل الأسباب والدوافع .
المهندس مصطفى الواكد
المفضلات