الأم المصرية.. تجهز ابنتها للعريس وهي في "اللفة"..!
صفاء البيلي
منذ أن تولد البنت في مصر، وأمها تحلم بليلة عرسها وبابن الحلال الذي سوف يطرق الباب طالبا يديها، وما إن تبدأ في سن البلوغ حتى تبحث لها عمن يستحقها؛ أما البنت نفسها، فهي غالبا ما تفكر بطريقة رومانسية وتحلم بالفارس النبيل الذي سوف يأتي ليخطفها على حصانه الأبيض المجنح تاركة الجانب العملي لأبويها أو بمعنى أصح لأمها، وما بين هذا وذاك تبدأ الأم في حشد معظم ميزانية الأسرة لشراء متطلبات الجهاز، وكثيرات منهن تفعلن ذلك مبكرا، بل ربما والبنت /عروس الغد .. ما تزال رضيعة "في اللفة"!
وتختلف عادات وتقاليد تجهيز البنات في المدن المصرية عن قراها، ففي القرية تظل الأم تقتصد من نفقات الأسرة، وغالبا ما تعتمد على بيع جزء من المحاصيل المختلفة التي تنتجها الأراضي الزراعية من أرز وقمح وخضروات لتوجهها لهذا الأمر، ولأن هذه هي غريزة المرأة في تقليد جدتها التي روى عنها الجاحظ حين فوجئ زوجها بأنها قامت بتجهيز ابنتها من الألف للياء ولما سألها من أين لها ذلك؟ أجابته: أنها منذ ولدتها وهي تعزل حفانا من الطحين من كل مقدار تخبزه، ثم تجمعه وتبيعه وتشتري شيئا من احتياجات العروس في كل مرة، وبهذه الطريقة كفت زوجها تكاليف الجهاز الغالية الثقيلة!!
ومنذ فترة الزمان كان الأب في القرية لا يعرف شيئا عن تفاصيل ذلك الجهاز وكيف جاءت به الأم ومتى، ولربما فوجئ بأنه لم يبق على إتمامه إلا القليل، كذلك لم يكن للعروس متطلبات معينة، ولم يكن لها يد في اختيار أي جزء من الجهاز أما الآن فقد تعقدت الأمور كثيرا لأسباب منها:
ـ انتشار التعليم بين البنات في القرى فلم تعد البنت/ العروس بعيدة عما تجهزه لها الأم بل يكون لها الاختيار الأول ولها حق رفض وقبول أي قطعة تم شراؤها.
ـ خروج البنت من الريف إلى المدينة واحتكاكها بالمجتمعات الأكثر تطورا ورفاهية، وبالرغم من ذلك لم تتأثر تقاليد الجهاز في القرية بمثيلها في المدينة، بالعكس، فقد بلغت الأسر الريفية مداها في المغالاة فيما يحويه جهاز بناتها، بل صارت كل أسرة تزايد من كم مشترياتها إمعانا في الزهو والفخار لأنها تحمل على عربات مكشوفة لتجوب شوارع القرية الرئيسية وحاراتها، وهذا ما يعتبر عبئا على الأسر الضعيفة ماديا والتي لا تقبل بأي حال من الأحوال أن تكون ابنتهم أقل من غيرها من بنات القرية!
ربما يتعجب البعض من معرفة بعض محتويات "القائمة" التي يقوم أهل العروس القروية بتجهيزها والتي تتكدس يوما بعد يوم والتي لا تخلو من المغالاة، وذلك فهي على سبيل المثال تحوي:
من 50إلى 70 عباءة للعروس ما بين منزلية وخارجية وعدة "بجامات" و"أرواب" للعريس.
من 20إلى 25 طاقم مفارش للأسرة مقاسات مختلفة.
من 15إلى 20 طاقم كاسات مختلفة الأشكال والأحجام.
3 ثلاجات، 3 غسالات، و3 بوتجازات.
فضلا عن المبالغة في الفرش والوسائد والأجهزة الكهربائية المختلفة، التي يشترط أن تكون مستوردة!
وقد بلغ الأمر انضمام أجهزة الكمبيوتر أو اللاب توب؛ إلى القائمة الغامرة بالرغم من أن الحاسب الآلي مهما أو ذا ضرورة في حياة العروسين العملية؛ هذا بالإضافة إلى أول يوم من الزواج وتكون "طاقم ذهبي للعروس" أو بضعة قراريط من الأرض الزراعية للموسرين!!
لاشك أن ما تحتويه هذه القائمة هو بلا مبالغة قليل من كثير مما تحويه قوائم أخرى لبنات القرية الائي ستتعجبون معي من إن بعضهن لم تحصل على قدر ما من التعليم، فما بالنا بمن حصلن على قدر منه أو الجامعيات؟
والأكثر من ذلك أن هذا اللهاث يزداد يوما بعد يوم، وكلما أضافت أسرة عروس ما شيئا إلى جهاز ابنتها، زايدت عليها الأسرة العروس التي تليها أكثر منها وهكذا تتصارع الأسر القروية البسيطة مقلدة بعضها البعض في نزيف مادي ومعنوي لا ينتهي، دون أن تشعر من أجل تلك المظاهر المرهقة،التي يستدين البعض للحفاظ عليها!
أما في المدينة
فيختلف الأمر تماما، حيث تسود الروح العملية ولا تقوم الأسرة إلا بتجهيز ما تحتاجه ابنتها العروس بالفعل من الأشياء العملية، ويرجع هذا الأسلوب الواعي للسعي في اقتصاد أي جزء من المال لاستثماره في أمور أخرى مفيدة كثمن الشقة التي سيسكن فيها العروسان!
ومن تقاليد تجهيز العروس في المدينة، مشاركة أصدقاء وأقرباء العروسين بتقديم الهدايا من الأجهزة أو المتطلبات التي تنقصهما مساعدة لهما في بناء عشهما الجديد في ظل الأزمات المادية الطاحنة بدلا من الهدايا الترفيهية التي لا تفيدهما مستقبلا.
المفضلات