النفس فـي القرآن انساهم انفسهم
بقيت لفظة نفس كما تداولها النص القرآني بتعددية الاوجه، تحمل دلالات يمكن استخراجها من السياق او بنية المشهد الذي قدمه النص، ولم يكتنف غموض أي استخدام لهذه اللفظة حين يتم استقراؤها في ضوء هذين العاملين الحاسمين السياق والمشهد والتقارب او التداخل بين هذين الحدين قريب/ قرب الدلالات التي قدمتها نصوص قرآنية، وردت فيها لفظة نفس تقول بعداً من مكونات الذات الانسانية او ابعاداً عدة، وعلينا دوماً ان نستحضر الحقيقة المطلقة التي نقلها النص القرآني عن بنية الانسان، وهذه الحقيقة نقلتها دلالات لفظة سويته التي اشار اليها الخطاب الإلهي الى الملائكة فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، هكذا امكن القول ؟ والله اعلم ؟ ان التسوية ثم النفخة التي تبعتها اوجبتا فقعوا له ساجدين .
لنقرأ قوله تعالى من سورة الحشر الآية 19:.
لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم انفسهم اولئك هم الفاسقون ، ان بناء هذه الآية الكريمة والذي ترتب بداية على الآية التي سبقتها 18 من السورة ذاتها:.
يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون .
نقول ان بناء هذه الآية الكريمة قام على فعل نسي الذي وان غاب عن الآية السابقة الدائمة متضمن فيها، نجده في اهاب ولتنظر نفس ما قدمت لغد هذا النظر الذي قد يغيبه النسيان، لكننا بداية لا بد وان نقف عند دلالة نفس التي ارتبطت بفعل نسي في هذه الآية الكريمة، وامتدت الى الآية التي سبقتها، فـ نفس هنا تؤشر على الكيان البشري عبر وعيه وعقله وعقلانيته، حيث تستقر الأشياء وتبقى في ما تطلق عليه ذاكرة هذه الذاكرة التي كما اشارت الآية، نسيت الله تعالى نسوا الله .. كيف.. كيف ينسى النفس الله.. يحدث هذا حين تغيب توجهاته عز وجل التي يدلل الالتزام بها على الايمان به، حين تغيب هذه خلف العصيان وكل ما يمكن ان يترتب عليه من افعال، عندها يقع الوعي في حمأة النسيان، نسيان الاوامر والزواجر والنواهي، في سبيل المعاصي نجد تأكيد هذا في ولتنظر نفس ما قدمت لغد في الآية السابقة والتي جاءت توجيها بنداء يا أيها الذين آمنوا فالخطاب بداية موجه للذين آمنوا يحذرهم من ان يكونوا كالذين نسوا الله .
ثم ؟ ما الذي يترتب على ان هذه الفئة نسوا الله جل وعلا، يُنبئ النص، بأن الله تعالى عاقب هذه الفئة فأنساهم انفسهم يأتي السؤال من جديد.. كيف؟ لعل ذلك يكون حين يكون من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ان التيه الذي يُرتبه نسيان النفس على الذات لأعمق بكثير من أي مرض نفسي يبقى امكانيات علاجه والشفاء منه ممكنة، في حين ان نسيان النفس في حمأة الذنب المفضي الى الفسق بكامل دلالاته يفضي الى تهلكة ثابتة تجعل الاقامة في العذاب دائمة، فالنسيان حين يطال النفس يعني ان الذات قد غمرها فيضان من العته الذي زين العصيان، لدرجة نسيان النفس في متاهاته دون امل من خلاص، تبقى التوبة هي ملاذ الخلاص، ذلك انها تفتح هنا باب التذكر الوسيلة الوحيدة للشفاء من النسيان، حين تتذكر النفس خالقها، فيذكرها خالقها بنفسها، ويخرجها من دائرة الفسق.
المفضلات