كم هي مبكية تلك القصة حبيت اضعها بالعام لرؤيتها من قبل الجميع
الطفل فادي يعيش رحلة عذاب لم تنته بين المحاكم والمراكز الأمنية فأراد زيارة نابلس ليلقى القبض عليه بتهم التزوير الجنائي
قبل عام تحديدا، توجه الطفل فادي (9 أعوام) برفقة والده راغب عبد الصراوي الى جسر الملك حسين بقصد السفر الى مدينة نابلس في مناطق السلطة الفلسطينية، غير أن هذه الرحلة لم تكتمل، ورافقتها أحداث، تصلح وقائعها لأن تكون فيلما سينمائيا.
وعند عبور فادي ووالده جسر الملك حسين، وبعد التحقق من هوية الطفل، طلب شرطي تسليم فادي للعدالة، إذ إن هناك تعميما أمنيا يستدعي القبض عليه كمجرم خطر، وإيداعه مخفورا وتسليمه الى شرطة البلقاء.
حالة ذهول أصابت الأب، أما فادي فأجهش بالبكاء، وتوضح منذ تلك اللحظة أن قصته لن تنتهي، فهو ملاحق قضائيا من دون أن يعرف الأسباب، ووفق والده فإن ابنه "سيعاني كثيرا في مستقبله، لأنه مسجل لدى إدارة المعلومات الجنائية، بأنه من أصحاب القيود الجرمية".
يقول الأب "إنه وقبل عام، كان متوجها برفقة فادي الى جسر الملك حسين، للسفر الى نابلس، وعندما قدم جوازات السفر الى رجل الأمن هناك لغايات ختمها بالمغادرة، حضر شرطي، وسأل عن الطفل فادي راغب عبد الصراوي، المطلوب لشرطة البلقاء، بحيث تقتضي التعليمات تسليمه للشرطة مخفورا، بصفته مصنفا كمجرم خطر".
لم يتمالك الأب نفسه من الصدمة، لما سمع، بينما كان طفله يصرخ بأعلى صوته "ما سويت إشي".
الاب المصدوم، عاد وتمالك نفسه، وبألم خفي كما يقول "حاولت التخفيف على فادي، لأنتزعه من هذا الموقف الذي عكر طفولته وحياته الآمنة، وقلت له، الدراجة الهوائية التي اشتريناها لك، تبين أنها بحاجة الى ترخيص، وبالتالي أوقفتك الشرطة لهذه الغاية".
بيد أن فادي الذي التقته "الغد" قال "لم يقنعني كلام أبي"، مشيرا الى أن رؤيته لأبيه وهو يتحدث الى رجال الأمن، وبأنه لا بد من أن هناك سوء فهم في الموضوع، قد جعلته يحس بأن الامر صعب.
أصر رجال الشرطة في جسر الملك حسين بأن يحضر فادي الى مركز أمن الشونة الجنوبية مخفورا، وأمام توسلات والده لهم، سمح له بمرافقته الى المركز الأمني في احدى سيارات الشرطة، وفق الاب.
لدى وصول فادي الى مركز أمن الشونة، وتسليمه الى ضابط القضائية هناك، هرع الاب الى رئيس المركز الأمني قائلا "سيدي أنا بحياتي لم أدخل مخفرا، ودخيلك بقولوا إن ابني مطلوب لدى شرطة البلقاء، لكن ابني لم يرتكب جريمة، فهو من الاوائل في مدرسته ويحمل شهادات تقدير، كما أنه حسن السيرة والسلوك".
تفهم رئيس المركز احتمالية وجود لبس في قضية فادي بعد أن عاينه، وعرض على والده بأن يرافقه شرطي الى التنفيذ القضائي بعمان، وحين وصلوا عمان، سلم فادي لأحد الضباط الذي أوعز بزجه في النظارة.
يقول الأب "صعقت وأنا أرى ولدي يساق الى النظارة، بينما فادي متشبث بي، يبكي بحرقة تقطع القلب ويقول لي لا تتركني بابا".
ورغم توسلات فادي ووالده، الا أن الضابط أصر على قراره بزج فادي في النظارة باعتباره ينفذ التعليمات، رافضا في الوقت نفسه الاستماع الى أية تبريرات تتعلق بعمر الطفل، الذي ما يزال في التاسعة من العمر، مشيرا الى أنه مسجل لدى مدعي عام الرصيفة.
انهمرت دموع الاب ألما مما يحدث لفلذة كبده، وهو يؤكد للضابط أن هناك سوء فهم في القضية، ثم اقترح على الضابط مشاورة أحد المسؤولين في إدارة التنفيذ القضائي، ولدى لقائه المسؤول، توسل له قائلا "اعتبر هذا الطفل ابنك، معقول أن يرتكب جريمة وهو في هذا العمر".
وهنا تراجع المسؤول عن زج فادي في النظارة الى حين تسليمه للمدعي العام، بل تعاطف معه أحد الضباط ووافق على اخلاء سبيله الى حين احضاره في اليوم التالي، لقاء إيداع وثائق الطفل ووالده لدى التنفيذ القضائي.
في اليوم التالي، توجه المواطن راغب الصراوي يرافقه طفله فادي الى مدعي عام الرصيفة، وهناك تبين أن القضية أحيلت الى محكمة جنايات الزرقاء، كما تبين أن الطفل فادي، مرتكب لجريمة تزوير جنائي بالاشتراك مع عصابة مؤلفة من 20 متهما، بينهم 6 فتيات، وذلك عام 2005، أي عندما كان عمر فادي 6 أعوام فقط، فهل هذا معقول، يتساءل الأب.
ويبدو أن الصدمات التي تلاحق الاب وسوء الطالع الذي يتعثر بفادي، لا يريدان الانتهاء عند هذه اللحظة، وفق الأب، الذي أصيب بصدمة جديدة لحجم المعلومات التي علم بها عن القضية، بينما أصيب طفله بحالة ارتجاف من شدة الخوف، وهو يرى مصيره الى السجن لا محالة.
كان على فادي التوجه الى محكمة بداية الزرقاء، بمرافقة والده، وهناك، عرض الأب الأمر على القاضي، فدهش مما علم به حول قضية فادي، وعلى الفور أوعز بتسطير كتاب "كف طلب" للتنفيذ القضائي، لكون فادي طفلا من مواليد عام 1999، ثم طلب من والده التوجه الى إدارة المعلومات الجنائية.
بعد تصديق الكتاب من إدارة المعلومات، اعتقد فادي أن قضيته شارفت على النهاية، وأن ما حدث كان مجرد كابوس، وها هو يزول، بخاصة بعد أن أبلغا بمراجعة التنفيذ القضائي لإزالة التعميم، لكن الصاعقة الكبرى كانت عندما تبعهما شرطي، يطلب منهما التوقف، ليلقى القبض على فادي ثانية، بعد أن تبين أنه مطلوب على ذمة قضية أخرى لمحكمة جنايات عمان.
وفي كل المرات التي تمت فيها عملية طلب فادي لمحكمة، كان القرار يتضمن جلبه مخفورا.
عادت الدموع الى عيني فادي من جديد، وصار يصرخ بأعلى صوته "أنا ما عملت إشي، لا تحبسوني حرام عليكوا"، لكن أحدا لم يكن ليصغي لصرخاته سوى أبيه الذي يتألم لحال ابنه.
ويتساءل الأب، كيف يمكن لأحد تخيل طفل في مثل هذه السن، يستطيع أن يكون بهذه الخطورة، ويلاحق في أقسام الشرطة.
توجه الأب بولده الى محكمة جنايات عمان، والذي حاول رئيسها التخفيف عنهما، وطلب لفادي العصير كي يشعره بالأمان، وبعد أن وضح الأب ملابسات القضية للقاضي، منحه الأخير كف طلب.
لم تنته قضية فادي، وما تزال احداثياتها قيد الملفات التي تدين هذا الطفل، وهو لم يزل في التاسعة من العمر، وما ارتكب من قضايا، بحقه مؤرخ، قبل 3 أعوام تقريبا، أي حين كان في السادسة من العمر، وفق الأب.
ويقول إنه "منذ ملابسات هذه الحادثة، وفادي لا يغادر البيت الا ضمن إجراءات، تحميه من الوقوع في قبضة التنفيذ القضائي، ومنها حيازة قرارات كف الطلب عنه، وحمل كافة الوثائق اللازمة، كما أنه أصبح يفضل الجلوس في البيت، ويمتنع عن التفاعل مع الاطفال أقرانه، بل انه تراجع في تحصيله الدراسي الى حد ما".
ويضيف "أن التعميم الوارد باسم فادي، يحمل للاسف معلومات دقيقة عنه من حيث اسمه الرباعي وعنوان منزله واسم أمه، مما يثير الشك حول الطفل، الذي لم يشفع له سوى طفولته.
من جهته، أكد الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام الرائد محمد الخطيب أن فادي ما يزال حتى الآن، يحمل قيودا لدى إدارة المعلومات الجنائية، بتهم التزوير الجنائي، مشيرا الى أن هناك لغزا محيرا في قضيته.
وأضاف أن التنفيذ القضائي وإدارة المعلومات الجنائية وكافة إدارت الأمن العام، تتعامل مع وثائق صادرة عن القضاء ولا تتعامل مع أشخاص، لافتا الى أن اسم فادي وردهم كشخص مطلوب.
وأشار الى أنه يجب أن يتم حل مشكلته، لأن فادي سيبقى يصدم بأنه من ذوي الاسبقيات، رغم عدم ارتكابه أي جرم على أرض الواقع، بل ومن المحتمل أنه تم انتحال اسمه، لاستخدامه في أغراض جرمية.
المفضلات