قلتُ لكَ سابِقاً : عاجِلاً أم آجِلاً عليكَ أن تستيقظ ..!
عليكَ أن تَكفّ مطاوعة ما يراودك مِن أحلام الطيران..
أنتَ لستَ "طيّاراً" .. أنتَ "غوّاص" ..!
هكذا نشأتَ، وهكذا ستموت، غوّاصاً بارِعاً لا نظير لك في هذا الفن .. لأنّكَ ببساطة؛ جُبِلتَ عليه.
هل تَذكر يومَ تشنّجت عضلات ساقيكَ سوياً بِعرض البَحر.. غيركَ كان سيغرق
أنتَ لا تغرق ..!
فضلُ اللهِ عليكَ عظيمٌ..كيفَ تنساه؟
"يُعجِبكَ المُتَبَقّي مِن عُمرِ الليلِ بِكاساتِ الثَمِلين..
لماذا تركوها ؟؟
هل كانوا عُشّاقاً .. هل كانوا "ساديين" بِمحضِ إرادتهم ..!"
كم جميلٌ أن يحتضنك الماءُ مِن كلِّ مكان
وأنتَ لا تخشى بَلَلاً ولا غَرَقاً .. فأنتَ غوّاص
هل تذكر يومَ أن تحدّاكَ الرِّفاق
" هل تستطيع أن تَقبِضَ قَبضَةً مِن طينةِ قاع البحر مِن هذا العُمق ؟"
حينها، مَن كانَ يُنجيكَ غيرَ الله ؟!
وعَلا فوقكَ الماءُ، وتباعدَ سَطحُهُ، وأنتَ تُصِرُّ أن تقبضَ قاعَ البحر
وأنتَ سادِرٌ في غَيِّك..!
وفي طيشِك.. وفي نَزَقِكَ المرهون بخروج روحك من جسدك
وواصلتَ الغوصَ هابِطاً بِذاتِكَ
بِكُلِّك ..
ونسيتَ مَن وراءك ..!
"الأهلُ مِن أزهارها .. وبعضُ أرمِدة النّهار"
ضَغطُ الماء يسحقك .. يكادُ يُحَطِم ضلوع صَدرِكَ المُمتليء
ونجحتَ .. قبضتَ طينةَ القاع
ما أروعها.. ناعِمَةً، طريّةً، تذوبُ بِراحتيك
كيفَ سَتَصعدُ بِها ..!
نفسكَ سيغادِرُ رئتيكَ .. إحترَقَ "الأكسجينَ" تماماً في شرايينك
يا الله .. السطح بعيد .. أكثر مِن بعيد
وبَدأتَ بالصعود..
و "صيدكَ" الثمين بَينَ يديكَ "ناعماً ..طرياً..رائِعاً"
أنتَ تكاد أن تفقد وعيكَ
"طينة القاع" بدأت بالذوبان وبالتّسربِ مع الماء .. لتعود "للقاع"
وتخشى أن تزيد ضغطَ كفيّكَ عليها فيزيد تَسَرّبها
وتخشى أن تُرخي قبضتكَ عنها .. فتهرب مِن راحتيك
"نِصفُ الموقف مُرهِق" !
واقتربَ سَطحُ الماء
و "طينتك " ذابت مع الماء .. وعادت رويداً رويداً إلى قاعِها
كانت اشعة الشمسُ تتخلل الماء
فتُحيلُ ذَرّات الطينة المُتسَرِّبةَ ذهباً منثوراً .. تسبحُ عائِدةً للقاع
ظلّت تودّع مقلتاكَ حتّى توارَت بالغياب
وأنتَ ميّت بعدَ ثانيتين لا محالة..
و ربّكَ الغفور ذو الرّحمةِ لو يؤاخذك بِما كسبتَ لعجّلَ لكَ العذاب، بل لكَ موعِدٌ مع رحمة الله –بإذنِه- !
و ارتفعَ الموجُ معك، وشَقّ رأسكَ سطح الماءِ، وتنَفّستَ أخيراً
"أصحوتَ أخيراً .. أصحوت ؟!"
أنتَ لم تحاول أن تُقنِع الرِّفاق أنّكَ قبضتَ طينة القاع
لكنّكَ تعلم أنّكَ فعلتَ ذلك
وطينة القاع تعلم..!
المفضلات