العنبر الأردني يكشف أسرار الماضي
يستعمل العنبر في اغلى وأجود انواع العطور لرائحته الفواحة, وتعود صلة الانسان به الى العصر الحجري الحديث أي قبل عشرة الاف سنة حيث استخدمه قلائد لطرد الأرواح الشريرة .
ويقول الباحث عباس حدادين في كتابه "العنبر الأردني يكشف أسرار الماضي" والصادر عام 1999 ان تجارة العنبر ازدهرت في عصر البرونز على زمن الفينيقيين الذين عرفوه قبل 4000 سنة ق. م. فكانوا أسياد البحار في التجارة في ذلك الوقت ,يجلبونه مع القصدير من الجنوب الغربي للجزر البريطانية ويتاجرون به مع شعوب بحر البلطيق، فيشترون العنبر بأسعار رخيصة ويبيعونه بأسعار باهظة ويقايضونه بالذهب دون أي منافس لهم، وقد عرفوا أن العنبر يستخرج من البحر فاحتفظوا بهذا السر لأنفسهم، وكانت له طرق تسمى بطرق العنبر -كما هي طرق الحرير والشاي -و تعبر أوروبا من شمالها إلى جنوبها ثم امتدت إلى الشرق الأقصى ، وأول قطعة اكتشفت من العنبر جنوب بريطانيا بالقرب من شيدار يرجع تاريخها إلى 11000 ق. م. - 9000 سنة ق. م.
ويورد حدادين عدة أسماء للعنبر منها حجر عين الشمس المتحجر وحجر الكافور الكلسي ودموع الآلة، وكان يسمى بالندى المتحجر الذي يسقط في البحر ويخرجه البحر إلى شواطئه، وأطلق عليه العرب لاقط التبن عندما يدلك في الصوف ويسمى حاليا بالكهرمان أو العنبر ، وأخيرا كان يسمى بشعاع الشمس المتحجر أي عند غياب الشمس يسقط قسم من شعاعها على الأرض فيتكور ويتجمد ويتحجر.
ويبين ان الانبهار بالعنبر ليس حديثا فقد استحوذ العنبر على القدماء لجماله وشفافيته السحرية والحشرات الموجودة بداخله وجاذبيته للتبن والورق عند دلكه بالصوف والحرير.
وعن استعمالاته قديما يقول بانه أستعمل كقلائد للزينة ولعمل التماثيل، وكان يستعمل كبخور في المعابد فتخرج منه رائحة تسمى شذى العنبر وعرف بأنه صمغ الشجر المتحجر,كما استعمل العنبر في الطب وتقول الأسطورة إن العنبر يأخذ حرارة الشمس في النهار ويشعها في الليل وعلى هذا الأساس يحمي العنبر جسم الإنسان من القشعريرة والبرد عندما يلبسه كقلادة .
أما الصينيون القدماء فقد وجدوا أن أرواح النمور المرقطة عند موتها تسكن في العنبر، حيث يحتفظون به لأنه مصدر الشجاعة. ثم استخدمه جنود الرومان المحاربون ليزين صدورهم ويزين كخرزات أعناق وشعر خيولهم لاعتقادهم أنهم سينتصرون في المعارك التي سوف يخوضونها، كما استخدم كمجوهرات تزين به الحسان جيدهن .
ويرى حدادين ان علم العنبر واسع ومتشابك ويتطلب علماء متخصصين في علم النباتات والحشرات والكيمياء العضوية وعلم الطيور والتشريح والجيولوجيا وعلم الأنسجة وعلم الخلية.
"فهو يحفظ لنا أسرارا كثيرة تزيل بعض الغموض عن كوكبنا الأرضي، مثل انقراض الديناصورات والتغيرات المناخية وظهور الحيوانات الثدية والنباتات الزهرية ويمكننا من معرفة تطور الطيور، وهل هي من الديناصورات أم لا، بالإضافة إلى معرفة الـ DNA الذي عمره 140 مليون سنة والموجد في أنسجة عضلات الحشرات التي كانت تعيش في الماضي وخاصة الحشرات التي تعيش في العنبر الأردني" يقول حدادين.
و يوضح ان العلم يبحث عن معلومات كثيرة سوف يكشفها لنا العنبر وخاصة العنبر الأردني، فهو أقدم عنبر في العالم وأحسنه لما يتميز به من صلابة وشفافية ترى ما به من أشياء أسرها من كائنات حية كانت تعيش قبل 140 مليون سنة. ويمتاز أيضا أنه من شجر عاريات البذور "شجر الأجث " ويسجل لحدادين دأبه على البحث والتنقيب المتواصل فهذه المعلومات التي استقيناها هي من الكتاب الثاني عن العنبر، اما الأول فهو عن العنبر الأردني أيضا وصدرعام 1983م، وكان نتيجة أبحاثه مع البروفسور الألماني كلاوس بندل، أما الكتاب الثاني فهو نتيجة أبحاث مع البروفسور الأمريكي جورج بوينر رئيس قسم الأنتمولوجيا في جامعة بيركلي في كاليفورنيا .
ويصف عباس حدادين العنبر الأردني بانه عبارة عن قطع صغيرة وكبيرة يتراوح قطرها ما بين 5 ملم إلى 15 سم، وله ألوان مختلفة من اللون العسلي والبني والأحمر والبني الفاتح والأصفر، ويرجع عمره إلى 140 مليون سنة، فهو أقدم عنبر موجود في العالم يعود إلى غابات عاريات البذور التي كانت تكسو الأردن وعندما طغى بحر تيثس عليها تحللت ولم يبق منها إلا الصمغ الذي حافظ على وجوده وبقي محفوظا إلى يومنا هذا ويعود العنبر الأردني إلى أشجار الأجث الذي يعود إلى عائلة الاوروكوريان، أي أن العنبر الأردني بقايا صمغ غابات مدارية حارة رطبة كانت تكسو الأردن وأحسن العنبر هو الذي تكون أشجاره من أشجار الأجث، وكلما زادت شفافية العنبر غلا ثمنه ويتهافت عليه العلماء لمعرفة ما يحتويه من كائنات حية.
المفضلات