صحافة عربية وعالمية
دولة الاحلام
هلمَ نتخيل دولة أحلام أكثر الاسرائيليين: بغير نقد لا في الداخل ولا في الخارج. تتحدث بصوت واحد موحد الى الابد، بتمسك ولزوم؛ يهودية، يهودية فقط، هذا مفهوم من تلقاء نفسه؛ وتقوم كلها مثل شخص واحد من وراء حكومتها، كل حكومة، وتقوم بطبيعة الامر، وكيف لا يكون ذلك، من وراء جيشها وشاباكها وموسادها، ابطال اسرائيل؛ ولا يوجد فيها ولو «نمام» واحد، ولا منظمات حقوق انسان ولا حركات سلام، ولا روابط ولا تقارير تنشر في البلاد او في خارج البلاد معاذ الله؛ وصحافتها لا توجه انتقادا، ولا تكشف ولا تحقق، ولا تنشر الا مدائح واطراءا للحكومة وللدولة، وتتلو تصريحات رسمية وتقتبس توجيهات حكومية وامنية؛ كل حرب تقوم بها دولة الاحلام هذه تحظى من الفور بهتاف التشجيع فقط؛ وكل فظاعة لها في مناطق الاحتلال تحظى على نحو آلي بدعم شامل – هو الاكثر اخلاقية والاكثر عدلا والاكثر امنا، معا في جوقة؛ وكل من يعيش فيها يلتزم التصريح عن اخلاص واضح ومثله ايضا كل من يريد زيارتها. أمخلصون لاسرائيل؟ أهلا وسهلا. اما الباقون ففي أطول طائرة (او في شاحنة) الى الخارج، باختصار هذه دولة الاحلام.
والان تعالوا نجب بصدق: أهذه حقا هي الدولة التي نريد العيش فيها؟ والى ذلك هل العالم وكله ضد لنا كان يزداد تقديرا ومشايعة لاسرائيل لو كان هذا هو وجهها وكان هذا هو صوتها، موحدا بريئا من كل نقد ذاتي؟
ان حملة التهييج التي تزداد في المجتمع الاسرائيلي على كل من يجرؤون على انتقادها من الداخل، في زعم انهم يحدثون اضرارا بها في الخارج – هي حملة اساءة سمعة واكاذيب. ان بقايا صورة الدولة العادلة في الخارج تقوم فقط على حقيقة أنه ما يزال يوجد فيها قدر من الحرية والنقد. ان عدم الاكتراث العام ازاء حملة اساءة السمعة هذه، يقويان الشك في أن دولة الاحلام يراها أكثر الاسرائيليون على هذا النحو حقا. لم يعد الحديث عن اليمين المتطرف فقط وهذه نظريته، بل الحديث عن التيار المركزي. فاعضاء كنيست من كتلة كديما يقترحون مقترحات قانون فاشية غير ديمقراطية، وأناس من الجامعات يصمتون عن طرد زملائهم، وأكثر وسائل الاعلام مشغولة بتأجيج الغرائز وبالتخويف، وبسخافات ولهو، والمحكمة العليا ضعيفة صامتة، مثل رئيس الدولة الذي يملأ كعادته فمه ماء في اوضاع مثل هذه، لئلا يغضب احدا.
أجل العالم اسرائيل حتى الان، وذلك في الاساس كونها تختلف عن دولة الاحلام هذه. فمنذ يوم انشائها، هتف العالم ل «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط» – لكونها كذلك. كان الكيبوتس موضوع اجلال عالمي، وربما موضوع الاجلال الاكبر لاسرائيل الذي كان ذات مرة فقط بسبب طابع المساواة والديمقراطية فيه. وكانت انجازات اسرائيل التقنية، والعلمية، والاقتصادية، والثقافية، والزراعية والعسكرية تكون باطلة لو كان الحديث عن صنع يدي نظام دكتاتوري. ما كان مائة نصر عسكري براق والف اختراع تقني عالمي لتحسب لاسرائيل لولا انها اعتبرت ديمقراطية.
يأتي الان الوطنيون المزيفون والمتحدثون بالقومانية وبغاة الاخلاص ويريدون تحطيم اكبر واهم انجازات دولتهم. فقد ضاقوا ذرعا بالديمقراطية. ان الضرر الذي يحدثونه الان بالدولة وبصورتها اكبر كثيرا من الضرر الموهوم لكل المنتقدين الذين ما زالوا يوجدون فيها. ان يوما من قصف غزة بقنابل الفوسفور احدث اضرارا بصورة اسرائيل اكثر من جميع تقارير «نكسر الصمت» و «بتسيلم» و لجنة غولدستون معا، وحملة «تقويض» الديمقراطية التي تحدث الان اكثر اضرارا من كل شيء.
للاسف الشديد، لم يعد يوجد تقريبا من يحول دونهم. انهم يريدون تأسيس دولة احلام الاكثرية وقد اصبحوا قاموا بغير قليل من أجل دفعها قدما. انتبهوا لما يحدث في الاشهر الاخيرة: لا يوجد يوم بغير اقتراح قانون خطر، وتصريح تهديدي، وطرد في مطار بن غوريون، واعتقال سياسي، وعنف من الشرطة، وصيد اجانب، وتعامل متلون في المحاكم، وتهييج على كل من يريدون توجيه النقد. وطرد وهدم وعقاب واعتقال واخراج خارج القانون واسكات. ان نصف الدولة يخرب النسيج الهش لنظامها ونصف الدولة يسكت على ذلك. ومن ذا يعد عدو الشعب؟ من يجرؤ على انتقاد ذلك.
جدعون ليفي
هآرتس الاسرائيلية
المفضلات