طريقة جديدة للتنبؤ بالانفجارات الشمسية قبل حدوثها
تأتي الانفجارات الشمسية من الحقول المغناطيسية الملتوية التي تحدث في جميع أنحاء سطح الشمس، وهذه الانفجارات تزداد في ترددها كل 11 سنة، وحالياً وصل هذا التزايد إلى حدوده القصوى، حيث أنها أصبحت قادرة على إطلاق طاقة تعادل في قوتها الطاقة الصادرة عن انفجار العديد من القنابل الذرية معاً، أي أنه يمكن للانفجارات الشمسية الآن قطع اتصالات الأقمار الصناعية وتعطيل شبكات الكهرباء على بعد 93 مليون كيلومتر من الأرض.
باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، قام علماء الفيزياء الشمسية من جامعة ستانفورد (مونيكا بوبرا) و(سيباستيان كوفيدات) بقيادة البروفيسور الفيزيائي (فيل شيرر) بأتمتة تحليلات أكبر مجموعة تم وضعها من الملاحظات الشمسية للتنبؤ بالانفجارات الشمسية، وذلك باستخدام بيانات من المرصد الديناميكي للطاقة الشمسية (SDO)، والذي يمتلك قدرة على تجميع البيانات تفوق قدرة أي قمر صناعي آخر تم استخدامه في تاريخ ناسا، وقد استطاع الباحثون من خلال تحليلاتهم تحديد السمات التي يمكن أن تقدم الفائدة الأكبر في عملية التنبؤ بالانفجارات الشمسية، حيث تضمنت دراستهم تحليل بيانات أشعة الحقل المغناطيسي بشكل خاص.
سابقاً، كانت الأدوات المستخدمة تقوم بقياس عناصر الخط البصري للحقل المغناطيسي الشمسي، وهو نهج لم يستطع إظهار سوى مدى اتساع هذا المجال، ولكن لاحقاً، استطاعت الأدوات إظهار قوة واتجاه الحقول المغناطيسية، أو ما يدعى بأشعة الحقول المغناطيسية، إلّا أن هذا الأمر كان يقتصر على حيز صغير من الشمس، أو لفترة بسيطة من الوقت، أما حالياً فيتم استخدام جهاز يستعمل نظام قائم على أساس قمر صناعي، يدعى مصور الزلازل والمغناطيسية الشمسية (HMI) وهو يوجد على متن الـ (SDO)، حيث يقوم هذا الجهاز بجمع أشعة المجالات المغناطيسية والملاحظات الأخرى الصادرة عن الشمس بأكملها وبشكل مستمر تقريباً، وقد قامت مجموعة المرصد الشمسي في ستانفورد، بمعالجة وتخزين هذه البيانات الصادرة عن الـ (SDO)، الذي يقوم بجمع حوالي 1.5 تيرابايت من البيانات يومياً.
كانت كل من (بوبرا) و (كوفيدات) يعلمان مدى الصعوبة التي يمكن لهما مواجهتها أثناء القيام بالتوقعات باستخدام النظريات البحتة، لذلك قررا استخدام وسيلة التعلم الآلي، وهي وسيلة متطورة لتحليل كميات كبيرة من البيانات وتصنيفها إلى مجموعات مختلفة، حيث يقوم برنامج التعلم الآلي بتصنيف المعلومات في مجموعة من الفئات المحددة، ومن ثم يقوم بالبحث عن الأنماط ومحاولة إيجاد المعلومات ذات الصلة للقيام بتنبؤات تخص فئات معينة، فعلى سبيل المثال، يمكن للمرء استخدام برمجيات التعلم الآلي للتنبؤ فيما إذا كانت مجموعة من الأشخاص هم سباحين سريعين أم لا، حيث يقوم البرنامج أولاً بالبحث في ملامح السباحين، أطوالهم وأوزانهم وعاداتهم الغذائية وعادات النوم لديهم وأسماء كلابهم وتواريخ ميلادهم، ومن ثم، ومن خلال استخدام استراتيجية التخمين والاختيار، يحاول البرنامج تحديد المعلومات المفيدة في عملية تنبؤ سرعة السباح من عدمها، حيث يقوم مثلاً بالنظر إلى طول السباح وتخمين ما إذا كان هذا الطول يقع ضمن نطاق أطوال السباحين السريعين أم لا، فإذا ما جاء التخمين صحيحاً، عندها يمكن التأكد من أن الطول يمكن أن يكون مؤشراً جيداً على السرعة أم لا، كما ويمكن للبرنامج أيضاً معرفة أن عادات النوم لدى السباحين يمكن أن تكون معلومات جيدة للتنبؤ بسرعتهم، في حين أن أسماء كلابهم ليست كذلك.
الجدير بالذكر بأن التوقعات لا تكون دقيقة جداً عند تحليل عدد قليل من السباحين فقط، لذلك فإنه كلما كانت المعلومات المقدمة للبرنامج أكبر، كلما كانت تنبؤات التعلم الآلي أفضل.
أراد الباحثون التحقق من مدى نجاح آلية التعلم الآلي في التنبؤ بقوة الانفجارات الشمسية من المعلومات التي يمكن جمعها من البقع الشمسية، حيث يشير (كوفيدات) إلى أنهم لم يتعاملوا قط مع خوارزمية التعلم الآلي من قبل، ولكن بعد التعرف عليها اعتقدوا بأنها ستكون فكرة جيدة للتطبيق على التنبؤ بالتوهج الشمسي.
لذلك قام (كوفيدات) و(بوبرا) بتطبيق الخوارزميات واستطاعا تمييز ملامح اثنين من أقوى درجات الانفجارات الشمسية، وهما (M) و(X)، حيث يمكن للانفجار من الدرجة (M) التسبب بحدوث عواصف إشعاعية طفيفة قد تهدد رواد الفضاء وتسبب انقطاع لموجات الراديو لفترة وجيزة في القطبين الشمالي والجنوبي للكرة الأرض، في حين أن الانفجار الشمسي من الدرجة (X) يكون أقوى من سابقه.
على الرغم من أن العديد من الأشخاص الآخرين كانوا قد استخدموا خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بالانفجارات الشمسية، إلّا أنه لم يقم أحد بالاستعانة بمثل هذه المجموعة الكبيرة من البيانات أو باستخدام ملاحظات عن أشعة الحقل المغناطيسي.
بعد ذلك قام الباحثون بتصنيف المناطق المصدرة للانفجارات وغير المصدرة لها لأكثر من 2,000 منطقة نشطة في الشمس من خلال قاعدة البيانات، ومن ثم قاموا بتمييز تلك المناطق بحوالي 25 سمة، مثل مقدار طاقتها والتيار الصادر عنها، وتدرج مجالها، ومن ثم قاموا بتلقيم ما يقارب 70 % من البيانات المأخوذة من الـ (SDO) إلى جهاز التعليم الآلي، وذلك لتدريب البرنامج على تحديد الملامح التي قد تكون ذات صلة، وبعدها استخدموا الآلة لتحليل الـ 30 % المتبقية من البيانات لاختبار دقتها في التنبؤ التوهجات الشمسية.
أكد منهج التعلم الآلي ارتباط طوبولوجيا (علم الفراغ) المجال المغناطيسي والطاقة المخزنة في الحقل المغناطيسي مع توقعات حدوث الافجارات الشمسية، فعن طريق استخدام عدد قليل من السمات الـ 25، استطاع التعلم الآلي التمييز بين المناطق النشطة التي من شأنها أن تحدث انفجارات وبين المناطق التي من المستبعد فيها حدوث أي انفجار.
بالرغم من أن هناك العديد من الأشخاص الآخرين الذين كانوا قد استخدموا أساليب مختلفة من أجل التوصل إلى نتائج مماثلة، إلّا أن التعلم الآلي كان هو الأفضل بينها، وذلك لأن هذا النهج كان الأسرع إضافةً إلى قدرته على إعطاء تحذيرات مسبقة بشأن إمكانية حدوث الانفجارات الشمسية، ولكن مع ذلك، فإن هذه الدراسة لم تستخدم سوى بعض المعلومات المأخوذة من سطح الشمس، وهذا من شأنه أن يكون مثل محاولة التنبؤ بطقس الأرض باستخدام قياسات سطحية فقط مثل درجة الحرارة، من دون الأخذ بعين الاعتبار سرعة الرياح أو تواجد السحاب، لذلك ستكون الخطوة التالية في مجال التنبؤ بالانفجارات الشمسية هي دمج البيانات المأخوذة من جو الشمس مع البيانات المتوفرة حالياً.
المفضلات