سليم المعاني
نشرت " عمون " قبل فترة خبرا مفاده ان نور الأردن أو " الغجر " يتدارسون فيما بينهم ترشيح فتحي عبده " رئيسهم الروحي ــ هكذا اطلقت عليه عمون ــ في الدائرة الخامسة مؤملين ان يحالفه الحظ بالنجاح في ظل مقاطعة الاسلاميين للانتخابات . وأفادت ان عدد أصواتهم في تلك الدائرة ينوف على 1500 صوت !
ونور الاردن يفتخرون بكونهم أردنيين أولا ... ونور ثانيا ... ولا يجدون أي غضاضة أو تناقض في ذلك .
ولا ينكر أي متابع أن نور الاردن لم ينخرطوا في تجارة المخدرات كغجر أوروبا ؛ ولم اسمع طيلة عملي الصحفي الذي ناهز 32 عاما تقريبا أن غجريا أردنيا ارتكب جريمة قتل أو ضبط بتجارة او ترويج المخدرات .
وهم ــ أي غجر الأردن ــ مقيمون على الاراضي الاردنية قبل قيام الامارة ... يتنقلون من مكان الى مكان ولا بد من الاعتراف انهم يعانون الفقر والجهل والبطالة ومعظمهم ــ فعلا ــ من أصحاب الحقوق المنقوصة !!
ليس بامكان احد ان ينكر انهم ساهموا في اثراء الفن الاردني حيث يشكل الارث الفني للراحل " جميل العاص " // غناء وتلحينا // نسبة كبيرة من التراث الفني الاردني منذ نهاية الخمسينات وحتى عقد السبعينات من القرن الماضي ...
كما ان من بينهم ــ أي نور الاردن ـــ الطبيب والاعلامي الناجح ...
ووضع نور الاردن افضل بكثير من وضع نظرائهم في اوروبا الشرقية وحتى فرنسا التي تقوم بحملة مكثفة لاعادة من دخلوا أراضيها بدون شرعية الى موطنهم الاصلي وفي الغالب من وسط وشرق أوروبا .
الشهر الماضي قفز غجر أوروبا فجأة ــ وهم الذين اعتادوا أن يعشيوا حياة هامشية ــ علي حواف وضواحي المدن ـ إلي بؤرة اهتمام الإعلام والسياسة في أوروبا وعلي طاولة حوار قمة زعمائها الأخيرة في بروكسل .
" في أنحاء أوروبا تقريبا يعيش الغجر في جيتو منعزل عن حياة الآخرين ويعانون من استهدافهم المتكرر بأعمال العنف والعنصرية باستثناء المجتمع الأسباني الذي استوعبهم وقام بدمجهم في نسيجه ولهذا فإنهم غير قلقين لأن أسلوب التعامل مع الغجر والتوجه السياسي في أسبانيا يبدو مختلفا " .
اذن وضعهم في الأردن أفضل بكثير من وضعهم في باقي الدول .. وهم ان ارادوا التمثيل في مجلس النواب الاردني القادم ــ وهذا ما أتمناه ـــ فاقترح عليهم ان يخوضوا غمار هذه التجربة بترشيح سيدة على الكوتا النسائية في الدائرة الخامسة ويبدو ان فرصتها بالنجاح قوية للغاية اذ يملكون أكثر من 1500 صوت عدا الاصوات التي قد تأتي لمرشحتهم من المتعاطفين معها .
هناك العديد من سيدات " غجر الاردن " جامعيات ومتعلمات " وكانت احداهن موظفة في دائرة مرموقة ومهمة عام 1973 .. وتميزت بالاحتشام والجدية والاخلاق الرفيعة بالاضافة الى انها مثقفة .
ماذا لو ترشحت هذه السيدة أو غيرها من غجريات الاردن على الكوتا النسائية في الدائرة الخامسة وحالفها النجاح ؟؟
كيف ستتعامل معها زميلاتها في مجلس النواب أو في مجلس الاعيان ؟ هل سينظرن لها نظرة فوقية استعلائية ويشعرن بالمعرة ان اقتربن منها أم يتعاملن معها معاملة الند للند ؟
لكنها بكل تأكيد ستسجل سابقة وستضع طروحاتهن في العدل والمساواة والانتصار لحقوق المرأة الاردنية بغض النظر عن اللون أو المعتقد أو الاصل على المحك ...
ما اخشاه حقا ان يتعاملن معها كما تعامل احد زملاء السيدة التي ذكرتها وكانت موظفة محترمة في دائرة رسمية محترمة ــ أيضا ـــ حيث لاحظ زميلها الذي اعرفه حق المعرفة ولا يزال على قيد الحياة ان زميلته الغجرية منزوية ولاحظ انها تبكي ... فاقترب منها وألح في السؤال عن سبب انطوائها وبكائها وبعد الحاح أجابت بأنها لاحظت ان زملاءها وزميلاتها يتهامسون خلسة ويخبرون بعضهم بعضا أنها نورية ... وسألته وهي تبكي : ما ذنبي ان كنت أردنية اعتز بأردنيتي ومن اصول نورية ... ما ذنبي ؟ الست خريجة الجامعة الاردنية وملتزمة ولم يبدر مني ما يشينني أو يعيبني لا قدر الله ...
حينها اخذ زميلها المتعاطف معها يخفف من حدة تأثرها مما حدث وقال لها : يا ستي لا تلفتي اليهم ... انهم لا يفهمون ...انهم جهلة .. انهم قصيرو نظر لا يدركون .. انهم " نور " !!
يقول لي زميلها ... لقد خرجت مني الكلمة الاخيرة دون ان ادرك ولذت بصمت مطبق اذ لم اعرف كيف اتجاوز خطأي الذي وقعت فيه من غير قصد !!
سليم المعاني
المفضلات