مقالات
العنف في المدارس قراءة تبحث عن العدالة
يصعب على المراقب الوقوع على السياق السليم تماماً، الذي يمكن ان نضع فيه ما برز خلال السنوات القليلة، من اعمال وضعناها تحت عنوان «العنف في المدارس» وهذه اعمال تنوعت كما تعددت الاطراف التي انتجتها بحيث شاركت فيها الاطراف الداخلة في العملية التعليمية التربوية كلها: طلبة .. مدرسون.. ومديرون .. ايضاً، وبشكل عام، لم تكن هذه «الافعال» واردة في سياق عملية التعليم على الشكل وبالتوصيف الذي صارت اليه الآن، في أي مرحلة من مراحل العملية التعليمية عندنا، منذ عصر الكتاتيب رغم ما كان يقوم عنده من افعال يأتيها المدرسون «شيوخ الكتاتيب» والتي لو اردنا ارشفتها لوضعناها ايضاً تحت عنوان عنف يمارس ضد الطلبة في المدارس دون الرد عليه او الاحتجاج.
نأتي للسؤال الذي غاب عن الساحة، وبالتالي غابت الاجابة عليه والتي يمكن ان تمثل اول البحث الجدي عن وسائل معالجة هذا الواقع بأساليب لا نقتحم بها حرمة العملية التعليمية التربوية، السؤال يقول: ما يقع في المدارس من حالات عنف هل هي «حوادث» ام انها «عنف منظم» او انها «سلوك غير تربوي» ان توصيف الحالات ضروري جداً، حتى يمكن بقاء الصيغ السليمة لمواجهة الحالة، ذلك ان هذه المواجهة تختلف اسلوباً وادوات بين الانواع الثلاثة التي صاغت السؤال حول ما يقع عند المدارس من عنف، آخذين بعين الاعتبار، ان هذا العنف، ان جاز لنا ان نعمم هذا التوصيف على كل حالاته يسير باتجاهين، احياناً يأتي من المعلم باتجاه الطالب، واحياناً اخرى يأتي بالعكس من الطالب نحو المعلم.
ما هو متفق عليه باجماع, ان «العنف» على اطلاقه وبكل اشكاله المادية والمعنوية «محرمة» في اطار التعامل الانساني بشكل عام. وتجاه أي طرف من اطراف هذا التعامل, وحين يكون احد الاطراف طفلا, يأتي العنف المتعمد تجاهه على شكل من اشكال الجريمة, اذاً لماذا يقع عنف في المدارس التي يفترض انها ساحة الرسالة الانسانية الاعظم؟ وحين يأتي هذا العنف هل ينطلق من مراكز منظمة مقصودة لها اهداف معينة؟ ليس من العدل بداية أن تقول أن «المعلم» مطلق معلم صار جلاداً, يذهب الى المدرسة كل صباح, يمارس اشكال العنف ضد الطلبة, تماماً كما انه ليس من العدل تبرير العنف حين يقع على انه ردة فعل من معلم, صنع فعلها في الاساس طالب.
لو اخذنا حالة «صالح» لنناقشها في هذا الاطار, كي نصنفها في النهاية تحت أي من العناوين الثلاثة التي تقدمت في اطار السؤال, فهل نجد ان هذه الحالة تقع تحت عنوان «حادث» غالباً ما لا يقدر الانسان على رسم مقدماته او معرفة نتائجه والا لما كان تصرف على النحو الموصل الى هذه النتائج؟ ام نضعها تحت عنوان «عنف منظم» نملك قبلة الدليل على ان المعلم اراد مع سبق الاصرار والترصد ان يرتكب هذا الاعتداء على طفل لاجل شربة ماء كما تناقلنا؟ ام اننا قد نضع هذا كله تحت عنوان «سلوك غير تربوي» افضى الى نتائج لم يكن اياً منا يتوقعها, قلنا سابقاً ان تصنيف حالة «العنف» الواقع مهم جداً حتى يمكن تحديد حجم المسؤوليات فيها وبالتالي لنعرف كي نعالج هذا «العنف» ومن ثم تحدد تبعات نتائجه, سواء اجاء من المعلم او من الطالب, يبقى هذا السؤال مفتوحاً برسم البحث عن اجابة.
نـزيـه
المفضلات