--------------------------------------------------------------------------------
أدب التحية في القرآن
عند بناء العلاقات الإنسانية في مجتمع بلغ شأوا من التقدّم المدني والحضاري ، أو في مجتمع نامي ، فإنّك تحتاج الى أدبيات ومفاتيح لهذه العلاقات.
من أدبيات العلاقة بين أفراد المجتمع هي إلقاء التحية على من تلتقي فردا أم جماعة.
وصورة التحية في الإسلام هي: السلام عليكم ، والسلام كما هو معروف هو إسم من أسماء الله تبارك وتعالى ، ومعناه أي أنتم أو أنت في حفظ الله ورعايته وأمنه وأمانه.
أو من السلامة فإنّك تقول لمن تلقي عليه سلامك أنّك في سلامة الله الملازمة لك القائمة معك.
وهذه التحية التي تفيض سلاما وحبّا وأمنا وأمانا وسلامة هي التي
فهمها أنبياء الله على أنّها أدب ربّاني لا يتسنى لأحد أن يحيله الى عنوان آخر ، أو يكون مدخلا للخيانة ، أو يوظيفه بغير ماأمر الله سبحانه.
وقد نقل الله تعالى لنا قصّة إبراهيم عليه السلام حين دخل عليه ملائكة الله بهيئة بشر فأدّوا السلام فردّ عليهم السلام ، وقام بواجب الضيافة ، وقدّم لهم عجلا مشويا ، ولمّا رأى أيديهم لم تمتد اليه أوجس منهم خيفة .
والعادة الجارية أنّ من لا يأكل من طعامك فإنّ له معك قضية قد ترتبط بقتلك أو خيانتك ، فكيف يلقون على إبراهيم السلام ولا يأكلون من طعامه ؟!.
قال تعالى:: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلّما رأى ايديهم لا تصل اليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنّا أرسلنا الى قوم لوط(1).
فالغرض من السلام هو دفع الشحناء ، وقتل الغيظ ، وترويض النفس على ممارسته ، لتكبر دائرة الإلفة ، وتزداد المحبة فيما بين الناس.
وأعجب من الذين يشعرون بالحرج من إلقاء تحية الإسلام على غير المسلم ، ويلوذون ببدائل عنها ، بدعوى المنع الديني ، بيد أنّ المسلمين الأوائل كانوا صادقين في عدم إلقاء تحية الإسلام على من فتح حربا ضدّهم ، وسلّ سيف البغي عليهم سواء كان مسلما أم غير مسلم ، فليس صحيحا إلقاء السلام على مدمّري السلام.
فالتحية إذن ثقافة أمّة أريد لها أن تتوازن ، لتكون خير أمّة اخرجت للناس .
ولنا هنا أن نتفيأ أجواء القرآن الكريم لنعيش لحظات أدب رائق في هذا الإتجاه ، فقد إعتنى قرآننا بوضع أسس تربوية قيمة.
قال تعالى: "وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها"(2).
لقد كانت تحية العرب قبل الإسلام (حيّاك الله) وهي توحي بالحياة التي يمنحها الله تعالى لعباده ويبشّر بها عباده عند التلاقي.
وجعل الإسلام تحيته (السلام عليكم) فلا حياة من دون سلام ولا سلام من دون رحمة يفيضها الرحمان على عبيده .
فسمة المنهج الإسلامي الجديد أن يوجّه مجتمعه الجديد الى توثيق أواصر العلاقة بين أفراده ليبنوا الحياة في أجواء رحمة.
فلقد ورد أنّ ردّ السلام بمثله ، أمّا بأحسن منه فبه وإضافة( ورحمة الله وبركاته).
فالمسلم في صدر الإسلام وهو بعد جديد عهد بهذا المنهج الفريد وجد أنّ حياته وسعادته فيه فلزمه ومشى معه ، ولكنّه وهو في دائرة صغيرة في إطار ثلّة قليلة ماجدة من إخوته ، تطاردهم مؤامرات أعداء الرسالة .
وقد يجد المسلم وهو يعيش حذرا من أعدائه أن لا يتفاعل مع السلام الملقى عليه إلاّ وقيعة وإلتفافا ، خصوصا إذا كان المسلم يعيش أجواء حرب مفتوحة.
وتثبيتا لمبدأ السلام وإن كان المسلم يعيش إرهاصات الحرب أن يقبل السلام ويدخل في السلام ويشيع أجواء السلام.
قال تعالى:" ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى اليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة "(3).
ويثور صاحب المنهج الرّباني سيدنا محمّد(ص) حين درى أنّ إسامة بن زيد قتل رجلا بعد إعلان هذا الرجل إسلامه بحجّة أنه فهم منه أنّه يريد حماية نفسه ، فقال له النبيّ هلاّ شققت عن قلبه؟
وفي رواية أنّ المسلمين لحقوا رجلا فقال لهم السلام عليكم فقتلوه.
وتمثّل هذه الحوادث خرقا للقانون الذي سنّه الإسلام من وحي ما تحتاج الإنسانية إليه من إطمينان وصفاء وإستقرار.
فتجد الإسلام يفرض منهج السلام ليشع في أجواء النفس البشرية ، ليطامن الناس في ظلّ هذا المنهج الإلهي من دون أن يتحدّث الواحد منهم أنّه مسلم أم غير مسلم.
وأمّا من هو مسلم ويتعرّض لمضايقات الحياة أو الجبابرة ، أو مايمرّ به من تحديات ، فقد أمر الله رسوله أن ينعش قلوب هؤلاء بالسلام الذي وعد الله سبحانه فقد كتب ربّهم على نفسه الرحمة التي تسعهم في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: "وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربّكم على نفسه الرحمة أنّه من عمل سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفور رحيم"(4).
رد مع اقتباس
المفضلات