صحافة عربية وعالمية
مخاطر التوتر في القوقاز
عقب زيارة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الأخيرة، أرادت إدارة أوباما أن تؤكد أن لها استراتيجية تهدف إلى تعميق علاقاتها مع حلفائها مثل بولندا وجورجيا في ذات الوقت الذي تعيد فيه ترتيب علاقاتها مع موسكو.
ولذلك الغرض بعثت بوزير الخارجية الأميركية في رحلات مكوكية إلى شرق أوروبا وجنوبي القوقاز. كما هدفت الزيارة كذلك إلى إسكات المنتقدين «المحافظين»، الذين يتهمون الإدارة بالتضحية بحلفاء أميركا مقابل التوصل إلى مصالحة مع موسكو.
وقد سعت الإدارة بالفعل إلى تطبيق استراتيجية ثنائية الاتجاه: استئناف التواصل الدبلوماسي مع موسكو، في ذات الوقت الذي تؤكد واشنطن حق حلفائها في كل من أوروبا الشرقية وجوار روسيا نفسها في تقرير سياساتهم بأنفسهم والتمرد على مزاعم روسيا القائلة بأن هذه الدول المذكورة تقع في نطاق نفوذها الإقليمي والدولي. بيد أن السؤال الرئيسي ليس له صلة بخطابية إدارة أوباما، بل بمدى السند المتوفر لهذه الخطابية حتى تتمخض عنها سياسات ذات معنى. ويمكن القول إن هذه السياسات لم تستقم بعد، وهذه نقيصة نأمل في أن تصححها زيارة كلينتون الحالية.
وقد حققت الإدارة نجاحاً واضحاً في تصحيح علاقاتها مع دول وسط وشرق أوروبا في عدة مسائل مثل الدفاع الصاروخي. ويوفر التفاوض على مفاهيم استراتيجية جديدة فرصة لطمأنة هذه الدول، فضلاً عن خدمة وعود واشنطن وحلف «الناتو» بالانخراط في التخطيط الدفاعي للدول المذكورة، وكذلك في إجراء التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة معها، إضافة إلى المساهمة في بناء البنية التحتية الدفاعية للدول نفسها. غير أن التصدي لمنطقة جنوبي القوقاز يبقى مهمة خادعة أكثر مما تبدو. فقد فوجئ الغرب كله قبل عامين عندما اندلعت الحرب بين روسيا وجورجيا وهددت بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها. وعليه يجب القول بعدم استبعاد تجدد النزاع المسلح في المنطقة نفسها. وعلى إدارة أوباما مواجهة ثلاثة مخاطر حقيقية:
أولها استمرار تدهور العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا، إلى جانب استمرار النزاع حول إقليم ناجورنو-كارباخ بين الدولتين. وتؤكد عمليات تبادل إطلاق النار ومصرع عدد من الضحايا من كلا الجانبين تصاعد التوتر بينهما. كما يزيد من هذا التوتر انهيار محاولات التصالح بين تركيا وأرمينيا. ونأمل أن يكون هذا الانهيار عابراً ومؤقتاً. وفي ظل غياب العمل الدبلوماسي الدولي والأميركي في المنطقة، فإن من شأن تبادل إطلاق النار بين الدولتين هذا أن يخرج عن السيطرة ويتحول إلى حرب شاملة بينهما.
ثانياً: علينا ألا نتوهم نهاية لا عودة منها للحرب الروسية- الجورجية. فلا تزال موسكو عازمة على كسر إرادة تبليسي المتطلعة إلى التحالف مع الغرب. وربما تفضل موسكو خيار الانتظار إلى حين الإطاحة بإدارة ميخائيل سكاشفيلي قبل أن تخطو –موسكو- خطوتها التالية، علماً بأن أهدافها الاستراتيجية إزاء جارتها جورجيا ظلت مكانها دون أن تتغير. وبينما تمكنت جورجيا من تجاوز صدمة الحرب وتأثيرات الأزمة المالية الاقتصادية الأخيرة بمستوى أفضل مما كان متوقعاً، يظل النزاع العالق بينها وموسكو بشأن الإقليمين الانفصاليين: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ووجود قوات احتلال عسكري روسي فيهما، مهدداً عملياً لخطوات الإصلاح السياسي والاقتصادي التي تخطوها جورجيا.
ثالثاً: ربما كان الخطر الأكبر على المنطقة بأسرها، شمال القوقاز حيث تقوى شوكة المتطرفين وتستمر أنشطة التمرد المزعزعة للاستقرار. والخوف من أن تتعرض أولمبياد كرة القدم الدولية التي يتوقع لها أن تعقد في سوشي عام 2014 –وهي مناسبة تمثل امتيازاً دولياً لموسكو- لهجمات وأنشطة الإرهابيين في المنطقة.
وعلى حد تعبير رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين فربما احتاجت موسكو إلى «تنظيف المنطقة عن طريق استئصال مخاطر محتملة لهجمات إرهابية على الأولمبياد». هذا يدفعنا إلى توقع أن تشن موسكو حملة عسكرية قوية ضد الجماعات المتطرفة المتمردة قبل وقت كاف من بدء وصول أوائل اللاعبين والصحفيين إلى سوشي في عام 2014. غير أن تجارب عديدة سابقة أثبتت أن من شأن مثل هذه الضربات الاستباقية أن تزيد الوضع الأمني سوءاً.
وردة الفعل التي تواجهها موسكو اليوم بسبب دعمها المستمر للجماعات الانفصالية لا يمثل هاجساً أمنياً لها وحدها، إنما يمثل كابوساً للغرب بأسره. ولك أن تتصور ما يمكن أن يحدث في تلك المنطقة فيما لو توثقت العلاقات بين الجماعات المتطرفة هناك ومثيلاتها في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان. وحتى في حال عدم انتشار هذا الوباء في هذه الرقعة الشاسعة الممتدة بين حدود الدول، فإن من شأنه زعزعة استقرار منطقة جنوب القوقاز. والمعروف تاريخياً أن روسيا كثيراً ما استغلت جنوب القوقاز لفرض سيطرتها على شماله. وفيما لو كررت هذا التقليد، فلا ريب أن نجد أنفسنا قد تورطنا عملياً في مواجهة نزاع إقليمي جديد هناك. لتفادي كارثة كهذه فإنه يجب على واشنطن والغرب أن ينخرطا في عمل دبلوماسي جدي يهدف إلى توفير الضمانات اللازمة لاستقرار شمالي القوقاز.
رونالد دي. أزموس
(نائب مساعد لوزير الخارجية الاميركي في إدارة كلينتون)
واشنطن بوست الاميركية
المفضلات