أيقظت فتيلا" رقد منذ مدة وأشعل الآن شمعتين ... شمعة أضاءت لي ذاكرتي عن آلهة أثينا وما كُتِبَ بصفحاتي عنها فيما مضى فكانت الشغف وحضارات الحب
وشمعة أيقظني نورها من سباتي الذي طال وأنهكني
كنت قد استقلت تماما" من المواقع والتاريخ عن كل الرسمات .. افتقدت لأرجوحتي الوحيدة في حديقتي
أعدتني ثانية لأصحو وألملم بقايا حطامي
لم أكن ضحية الخمر يوما" إلا انه ما كتبت جعلني انتشي واشعر بهذيان النبيذ الفرنسي المعتق في الصناديق النائمة.
لست أنا فحسب .. بل كل من وقعت عيناه على مقالتك هذه .
ولا أبالغ قط إن قلت أن كتاباتك تخرج كنوز الأرض جميعها ، ولآلئ البحار ، وتخرج الشهب والنيازك من جوف الفضاء لتجوبه بجنون
أعدت للريشة المنسية حبرها فجعلتها مبللة بالحبر والدم
أعدت للمرأة أنوثتها الضائعة في المتاهات بما كتبت
لم يكن نثري مديحا" لك ...لأنك وما تنسج أكبر بكثير من أن تكون بحاجة إلى الإطراء والشكر .. وأنت تعرف هذا جيدا"
موضوعك فاق التمييز وانحنت له هاماتنا بعيون قارئة
أخافُ الحديث إليكِ لأنك رقيقة
ضعفكِ، والحبّ القويّ المنتصب كجدارْ
* * *
الحب يتسرّب من عينيّ، الحب يرشح من جلدي
كيف لي أن أكتم فيض هذه الثغرة التي خلّفها وجهك الخجول في حَرَمي،
تلك الثغرة التي صارت بئراً فنهراً فبحراً فمحيطاً عظيماً، بربّك كيف أمنع محيطاً من ابتلاع كل شيء؟
لا. لأن الزهرة التي شربت الماء، زفرت بكل غيوم العطر
لأن النحلة التي امتصّت رحيق الزهرة، شجّرت كل حقول العسل
لأن النفسَ التي انتشت بطعم العسل، أطربتنا بكل هذا الشعر
وأنا الذي أفاقَ على اللامثاليّة في جمال الوجه، أنا الذي أضعتنيْ في دهاليز هذا الوجه، كيف لي أن لا أفيض بكل هذا الحبّ والغناء واللاعافيّة؟!
-قائل هذا الكلام لا يستحق أن نسمّيه إلا واقعاً في الحب -من أجمل المفارقات أنه في الوقوع ينهض الحب
* * *
أحببت فيكِ أنكِ لم تكوني حبّة الكرمة التي تؤكل بسهولة
وأحببت أنني سأصبر عليكِ بصبر أصابع العنب على تسلّق السقف، وامتصاص الأشعة الناريّة المندسّة من الصبح
لا لأجل شيء إلا لأفقدَ الشهوة عِصمتها.. إلى أن يقال عنّي عنباً مشتهىً، أو أصير صندوق فرجة لكل عاشق يسلك هذا الدرب
-قائل هذا الكلام قد سلك أجمل الطرق إلى الحب، وأكثرها ظرافة: الصعاب.
* * *
أفكّر أحياناً لو أكتب على وجنتيكِ، قبلة الشمس للقمر حين تبعثه مرسالاً يضيء صندوق الليل
أن أهمس على عنقكِ تنهيدة الريح للغابة، بعد سكوت الأنس
أن أدمدم في أذنيكِ أنباء البلابل للوادي، بعد هزيمة الثلج
-مثل هذه الأشياء الصغيرة هي التي تحرّك آلة الحب، ومن أنعمت عليه الآلهة بهذه المواهب لهو المؤلّف الأجدر في فن الحب - التأليف أحد أسرار الحب
* * *
للتنهيدة أسرار كثيرة، تشبه كومة المفاتيح التي يقلّبها موسيقي عظيم بين راحتيه..
وأنتِ الموسيقى التي أحب.
* * *
أفضّلك في الموسيقى أن تكوني "التشيللو" لأنها أكثر الآلات صلاحيّة للعناق، واستجابةً للمداعبة
* * *
أفضّلك في الأبجدية أن تكوني الهمزة، لأنها التناقض بين الحراك والسكون، التوسّط والتطرّف. وهذه حاجة الحب، النبضيّة. للهمزة أن تشذّ أيضاً
* * *
أفضّلك في لوحة الرسّام أن تكوني ثدي امرأة لأنه الأكثر مراوغة بين الاستدارة والتأنّف والتسطّح، وهذه هي المرأة في الحب يجب أن تنساب لريشة الرجل، كاملة، فإما أن يدوّرها أو أن ينحتها أو..
* * *
قالت المرأة للرجل: اصنعني، قال الرجل للمرأة: أنجبيني
* * *
يصطلح أيضاً أن تكون أفضل النساء في الحب تلك التي تقوى أن تكون أمّاً. أفضل الرجال في الحب حينها، الجنين.
* * *
أفضّلك بين عناصر الكون الأربعة أن تكوني التراب، فأشمّك وأشمّ رائحتي بكِ، وقتها فقط أتنفّس الصعداء. الهواء والماء والنار لا يخدمان الحب إذ لا رائحة لهم.
* * *
الحبّ تحدٍّ بينكَ وبين وَصلكِ الجسدي-الروحي، أعطِه الفلسفة من حبر أثينا، التماسك من حصن دمشق، التجدّد من جسد بيروت، الاستنارة من خلوة صوفيّ
احفظه سريّاً كسرداب دير، أبيضاً كزنّار قدّيسة، معطّراً كزيت مريميّ.. وتحدّى
* * *
أفضّلكِ بين الحشرات يرقة أسقيها شيئاً من قلبي وأطيّرها فراشة من مفترق ضلوعي.. لترسو على جبين ولدٍ صغير، أو زغب حمامة سمراء، أو وتر غيتار خشبيّ
فأكون أنا ضحك الطفل الوديع، وأنا تحليق الحمام، أو أصير أغنية هاربة من شبّاك عاشقَينْ
بل أصير رمشاً للحريّة في عينيك.
* * *
لو كان لي أن أختار اسم حبيبتي لاخترت "رِندَلىْ" اسماً لها - استعارةً من الشاعر سعيد عقل
* * *
الحب يصيحُ في هيكل الشر، فتنتصب أزهار الخير
يصغي إلى عطشِ الغريزة، فيحضر شلاّل الإله
يومئ للحزانى، فينطلق سفر الكمنجات
الحب يجعل من النشاز في الغناء، نشيداً للعصافير
ومن الحنجرة الضيّقة يفتحُ بوّابةً للنهر
-ألا يكفي الحب هذه الملامح كي يكون مليكاً علينا؟
* * *
أجمل مواهب الحبيبة: أن تملأ المسافة بينك وبين صوتك، بالحب.
* * *
غذاء الحبّ وديمومته: مزيداً من البحث عنها أو عنه...
* * *
عناصر لا يمكن التخلّي عنها في الحب: النسيم المتأرجح بيننا، حبّة العطر التي ترصّع جسدكِ، قطر الندى المتخلّص من شفتيكِ، رائحة القهوة، أسطوانة شتاء، صوت الحزن، ومن العناصر الأحلى: كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة.
* * *
كما أن سحب الدم من الجسد ينتش بذار الخلق والتكوين، كذلك فإن الكلمة التي تصاغ وتستسقى من جسد الحب، تعطيه مزيداً من التألق والتوهّج.
النظرة والصمت هما أجمل صيغة حياة يمكن للحب أن يحياها. والكلمة هي النبيذ الذي يرطّب به شفتيه.
* * *
حين تكلّم الحب قال: دع للصمت متعة الكلام..
* * *
أجمل نهاية للحب هي الذكرى.
* * *
الوقت الأكثر حضوراً للحب هو الغياب.
* * *
اللون المفضّل للحب هو العذاب.
وأملي بحبّكِ أمل شمعة محترقة الفتيل بإضاءة متحف اللوفر...
المفضلات