المقال منقوول من موقع جراسا نيوز -
للأسبوع الثالث على التوالي تستمر مظاهرات الغضب الاردني احتجاجا على تردي الاوضاع المعيشية والمطالبة بالاصلاح السياسي. ولم يختلف الشعار المرفوع في مختلف المظاهرات في جميع المحافظات الاردنية في المرات الثلاث عن المطالبة بإسقاط الحكومة و رئيسها سمير زيد الرفاعي وانتقاد مجلس النواب. اللهم إلا أن التسخين السياسي ارتفع بطريقة ما الى مرحلة متقدمة مطالبة بإصلاحات دستورية كما حدث في الهتافات التي اطلقها متظاهرون في الكرك وعمان.
إذاً المظاهرات مستمرة الى حين تحقيق الهدف الاول وهو إسقاط الحكومة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ولن نستغرب إذا ما طالب المتظاهرون في المرات القادمة بضرورة الإصلاح السياسي بما يضمن للأردني إنتخاب رئيس الوزراء الذي يراه مناسباً.
بالأمس كنت اسير بسيارتي في جبل عمان وشاهدت سيارة مرسيدس سوداء حكومية أعتقد أن ثمنها يتجاوز الخمسين ألف دينار وحسب ما ظهر لي فإن السيارة تعود لأمين عام أو مدير عام مؤسسة وعندما شاهدت السيارة خطرت لي عدة تساؤلات كبيرة وأنا أرى جموع المواطنين يقفون عند زاوية الدوار الثاني بنظام لشراء وجبات شاورما من محل شاورما ريم المشهور . نظرت الى السيارة الحكومية و نظرت الى شاورما ريم وقلت : ماذا لو تنازل رئيس الوزراء الاردني سمير زيد الرفاعي عن سيارة المرسيدس والاسطول الذي يرافقه في حله وترحاله واستبدال ذلك بسيارة نوع " كيا سيفيا " كتلك التي يستخدمها عامة الشعب ؟؟!
بالمناسبة هل يعرف الرئيس الرفاعي و وزرائه نوع سيارة بهذا الاسم ؟ وماذا لو فعل الوزراء والامناء العامون والمدراء وكبار الموظفين ... ماذا لو فعلوا ذلك بأن يستبدلوا سياراتهم بسيارات " كيا سيفيا " ؟ كم سيوفرون على خزينة الدولة من محروقات ومظاهر بهرجة وبذخ كاذبة ؟ وماذا لو تنازل الرئيس الرفاعي عن وجباته اليومية الثلاث التي كما يقال انه يشتريها من مطعم " روميرو " الكائن ايضاً بجبل عمان والذي يعود لصديقه الذي وزّره مؤخراً لإدارة المطبخ في داخل الحكومة واستعاض عن ذلك بوجبة حمص أو فول مع " فحل بصل " أو وجبة شاورما . ترى هل يعرف الرئيس معنى كلمة " فحل بصل " ؟
وماذا لو تنازل الرئيس الرفاعي ووزراؤه وأمناؤه ومدراؤه عن شراء بدلاتهم وألبستهم من أفخر الماركات وأغلى المحلات وذهبوا الى شارع الطلياني أو إلى" البالة " أو " الجورة " وقاموا بشراء ملابسهم من تلك الاماكن .
وماذا لو قام الرئيس في الصباح الباكر بالتوجه الى مجمع رغدان أو مجمع الشمال أو مجمع الجنوب واستقل المواصلات العامة وأمر وزرائه بذلك. لتفقد الرعية في المحافظات و الارياف و القرى و البوادي و المخيمات ؟.
بالامس تبرع رئيس وزراء اجنبي براتبه الكامل و قرر ان يعمل رئيسا للوزراء في بلاده مجانا فهل يفعلها الرفاعي؟!
طبعا كل ما تحدثت به سابقا هو مجرد اضغاث احلام. فلا الرفاعي قادم من رحم الشعب حتى يشعر بما يشعر به الشعب ولا هو مستعد ان يتخلى عن مظاهر البذخ التي شب عليها و يريد ان يشيب ايضا و هو بذات المستوى. فهو لا يعتبر نفسه من عامة الشعب و لا يمكنه ان يشعر بما يشعر به سائق ال " كيا سيفيا " ولا بمن يتناول صحن الحمص و الفول ولا حتى بمن يشتري ملابسه و ملابس اطفاله من " الباله ".
فمن ولد و في فمه ملعقه الذهب لا يمكن ان يعيش كما يعيش عامة الشعب. لهذا خرج المتظاهرون و لذلك رفعوا شعاراتهم مطالبين باسقاط الرئيس و لهذا يبحث المتظاهرون عن حكومة انقاذ وطني ليست من طبقة "الكريما" التي حكمت و نهبت و سرقت و اوصلتنا الى ما نحن عليه الان.
اثناء لقاء الملك مع النواب اكد لهم ان لا يستمعوا الى من يقول ان هناك " تعليمات من فوق " . و كم كانت تستفزني هذه العبارة فالبعض و منذ فترة يحذرني من الكتابة و انتقاد الحكومة على اعتبار انها حكومة جلالة الملك و لهذا السبب علي ان لا انتقدها في مقالاتي.
فا بالله عليكم و هل لان الملك اختار الرئيس فهل هذا يعني ان الرئيس تحول الى خط احمر لا يجوز انتقاده ولا انتقاد الحكومة التي يرأسها... الملك يختار الرئيس و يطلب منه برنامجا فاذا الرئيس لم ينفذه فالرئيس اصبح هدفا للنقد و الانتقاد و حتى التظاهر ضده و المطالبة بإسقاطه.
فالرئيس و وزراءه ليسوا ملائكة و لا يعني ان اختيار الملك لهم يعفيهم من الانتقاد و المسئولية.
و مايستفزني اكثر ايضا ان البعض يقول انه لا يجوز التغيير تحت الضغط الشعبي و اتسائل لماذا لا يجوز؟ فإذا كان الشعب غير راض عن الحكومة ولا عن رئيسها فهل يقوم الشعب بالتوجه للدوار الرابع و توزيع الحلوى و الزهور على الرئيس و وزراءه و يرجونه الرحيل! فبأكثر الديمقراطيات في العالم فإن الشارع هو صاحب القرار و اذا كانت رغبة الشارع بالتغيير فإن الحل المناسب هو التغيير لان الشعب هو مصدر السلطات جميعها.
و التظاهر السلمي الذي تشهده البلاد اثبت بما لا يدع مجالا للشك ان الشعب الاردني يعبر بحضارية عن مشاعره و مطالبه بعيدا عن التخريب و التدمير و هو شعب واع و قادر على ممارسة النمط الديمقراطي في التعبير و لذلك لا بد من الاستجابة لمطالبه.
كنت اعتقد ان الرئيس سمير الرفاعي و بعد ثلاثة اسابيع من مظاهرات الغضب ضده و ضد حكومته سيحفظ ماء وجهه و يقدم استقالته و لكن خاب ظني و اعتقادي و عرفت الان لماذا يطالب الناس برئيس وزراء منهم وفيهم...
رئيس يشعر بهم و بمطالبهم لا رئيسا يختصر الاردن بمنطقة الدوار الرابع فقط...
لهذا يطالب الاردنيون الان بإنتخاب رئيس منهم يعرف تماما ما تعنيه سيارة ال " كيا سيفيا " و " فحل البصل " و كاسة الشاي.
رئيس يأكل ما يأكلون و يلبس ما يلبسون و اولاده يدرسون في مدارس الاردنيين و يتعالجون في المستشفيات الاردنية...
رئيس يعرف ان الاردنيين شعب عظيم مستعد لدفع الدم ثمنا و فداء للوطن و الملك .
الدكتور محمد حسن الديري
المفضلات