حتى لا نخسر الجولة
لأن هناك وفداً عربياً ، على مستوى وزراء الخارحية ، في نيويورك ويقاتل قتالاً بشجاعة من أجل تمرير المشروع الذي تم الإتفاق عليه بإجماع الجميع في اجتماع القاهرة الأخير فإنه لا حاجة لأي مشاريع ومبادرات عربية جديدة ستُستغل ، وبعضها قد أستغل فعلاً ، للمماطلة والتسويف وتأجيل صدور قرار مجلس الأمن الدولي المنتظر ، الذي من المفترض أنه يستند الى هذا المشروع ، لإعطاء الإسرائيليين المزيد من الوقت لإستكمال حربهم على غزة .
لم يكن بالإمكان أحسن مما كان وما اتفق عليه وزراء الخارجية في اجتماعهم الأخير في القاهرة وذهبوا به الى نيويورك ليكون قراراً لمجلس الأمن الدولي يشكل الحد الذي من المفترض أنه عبر عن موقف العرب كلهم والذي لكل دولة من الدول العربية فيه جزء من وجهة نظرها في هذه المسألة التي فيها وجهات نظر كثيرة .
ولهذا ومع التقدير للحرص الزائد الذي تبديه بعض الدول العربية فإنه لا ضرورة لأي مبادرات وأي مشاريع جديدة مادام ان معركة المشروع العربي الذي ذهب به وزراء الخارجية برئاسة محمود عباس ( أبومازن ) الى نيويورك لاتزال محتدمة وهي معركة سياسية فعلية وحاسمة مع الولايات المتحدة وبريطانيا ومع الدول الأخرى التي تدور في الفلك الأميركي أوروبية وإفريقية وآسيوية .
لا أصعب من هذه المعركة التي تُخاض في نيويورك لإستصدار قرار عن مجلس الأمن يتضمن جوهر ما جاء في المشروع العربي الذي اتفق عليه الجميع في القاهرة ولعل ما يضيف المزيد من التعقيد والمزيد من الصعوبة أنه كلما طالت الأيام إزدادت المواقف العربية تباعداً وكثرت المشاريع والمبادرات وازداد الإنقسام الفلسطيني اتساعاً وتعمقت الفرقة الفلسطينية الفصائلية.
هناك في المشروع العـربي ، الذي يتكون من تسعة بنود ، بند ، وهو البند السادس ، يقول حرفيّاً : '' يدعو ( أي مجلس الأمن الدولي ) الى إنشاء ونشر قوة من المراقبين الدوليين لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار وذلك لضمان حماية وسلامة السكان المدنيين الفلسطينيين وتعزيز إعادة الهدوء الكامل '' ... وكانت المفاجأة بعد احتدام مواجهة حقيقية مع الولايات المتحدة وبريطانيا ودولٍ أخرى ان هناك رفضاً من بعض العرب لهذا البند الذي اتضح أنه بدونه لا يمكن تمرير هذا المشروع المتكامل والمتوازن والذي يتضمن معظم وجهات النظر العربية والفلسطينية .
لقد كان واضحاً منذ البداية ، في هذه المرة ومرات سابقة ، أنه ليس بإمكان العرب الحصول على كل ما يريدونه من مجلس الأمن فالمعادلة الدولية هي الآن كما في السابق دائماً في غير مصلحتهم وهذا هو الذي استدعى كل هذا الأخذ والعطاء وكل هذه المساومات التي جرت وتجري في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك للتخفيف من غلواء الأميركيين والأوروبيين والتقليل من انحيازهم الى ما هو أكثر من وجهة النظر الإسرائيلية والحصول على ما يمكن الحصول عليه وبخاصة وأن الأوضاع في غزة في غاية الصعوبة وأنه لابد من الإسراع في وقف العدوان ووضح حدٍّ لهذه المجزرة البشرية .
إنه من حق أي طرف عربي وأي طرف فلسطيني ان يقول رأيه ويدافع عنه لكن مع ضرورة الأخذ بعين الإعتبار دائماً وأبداً ان ما هو قائم على أرض الواقع هنا ينعكس هناك على طاولة المساومات وأنه كلما إتسع مدى التسويف والمماطلات وتواصل العدوان بكل هذه القسوة المفرطة وكل هذه الوحشية كلما خسر العرب أوراقاً جديدة من أوراقهم القليلة وهذا يستدعي أولاً الإكتفاء بالمشروع الذي ذهب به وزراء الخارجية الى نيويورك وثانياً ، إدراك أنه من غير الممكن في ظل التوازنات الدولية القائمة ان نحصل على كل ما نريده وأنه علينا حتى لا نخسر هذه الجولة كما خسرنا جولات كثيرة سابقة ان نوحد مواقفنا ولو في الحدود الدنيا .
المصدر
جريدة الرأي الأردنية
المفضلات