"الحقيقة الدولية" ترسم سيناريوهات ما بعد السابع من حزيران... جمر الانتخابات يشتد تحت رماد الواقع السياسي اللبناني
الحقيقة الدولية – بيروت – خاص
صبت طاولة الحوار اللبناني في جلستها السابعة، وقبيل أيام قليلة من توجه ما لا يقل عن ثلاثة ملايين و257 ألفاً و23 ناخباً إلى صناديق الاقتراع لانتخاب البرلمان اللبناني الجديد، مياهاً باردة على الأجواء الانتخابية المحمومة، لكن الجمر الانتخابي بقي تحت الرماد، تحضيراً لمرحلة ما بعد 8 حزيران، وإعلان النتائج وتحديد الأحجام والأرقام في الكتل واللوائح الفائزة بمقاعد مجلس النواب الجديد.
جلسة الحوار السابعة تميزت بالهدوء الذي رافق مناقشاتها والتي لم تخرج عن إطار ما ورد في البيان الختامي لها، والذي لوحظ أنها خصصت أصلا لمواكبة الانتخابات التشريعية، وكذلك المناورة العسكرية الإسرائيلية والتي لم تتأثر بها المناطق الجنوبية. وعرض الرئيس ميشال سليمان خلال كلمته التي افتتح بها الجلسة الحوارية، لأبرز التطورات التي حصلت على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية، ولاسيما ما يتعلق منها بالقبض على شبكات التجسس الإسرائيلية وتعيين أعضاء المجلس الدستوري والاحتفال بذكرى التحرير، والسعي دوماً لعدم استخدام لبنان ساحة لصراع الآخرين.
وتحدث الرئيس سليمان عن الأجواء الإعلامية التي ترافق الحملات الانتخابية، داعياً الى الالتزام بالعهود والمواثيق التي تؤكد على تأمين المناخ السياسي والأمني المناسب لمواكبة الانتخابات النيابية بأعلى درجات الاستقرار والتحصين الداخلي، وعلى ضرورة التقيد بحدود اللياقة وأصول التخاطب في التصاريح والإعلانات السياسية.
ورغم حالة الهدوء التي أضفتها الجلسة الحوارية السابعة للقوى اللبنانية، يبدو أن المنافسة اليوم على أشدها بين قوى 8 آذار بتياراتها وأحزابها وقوى 14 آذار بأحزابها وتياراتها الرئيسية حول الخيارات السياسية الإستراتيجية الكبرى المتعلقة بموقع لبنان وعلاقاته الإقليمية والعربية والدولية، وثمة إجماع على أن خيارين وخطين ومشروعين يحكمان الانتخابات، ومن شأن التباعد بينهما بروز شبح أزمة حكم تفرض ظلالها على الانتخابات النيابية، وخلط أوراق في التحالفات، حتى داخل العملية الانتخابية، حيث بدا ان حزب "الطاشناق" يتملص من حلفه مع النائب ميشال المر لاسيما في دائرة المتن، في حين بدأت مؤشرات لبوادر معركة انتخابية في بيروت الثانية، بالرغم من تفاهم الدوحة ما خلا الرسالة التي وجهها النائب العماد ميشال عون الى طاولة الحوار ورئيس الجمهورية بمقاطعة الجلسة الأخيرة.
منافسة حادة وصراع قوي
وتشهد الانتخابات، الخامسة عشرة منذ استقلال البلاد في 1943 والثانية منذ انتهاء الوجود السوري في 2005، تنافساً حاداً بين الأكثرية الحالية المدعومة من الغرب ودول عربية بارزة (قوى 14 آذار) وقوى 8 آذار القريبة من سوريا وإيران وابرز مكوناتها حزب الله.
وسجلت الأسابيع الأخيرة ارتفاع حدة الحملات الانتخابية التي يحذر فيها كل طرف من "خطورة" فوز الطرف الآخر، إذ تحذر قيادات 14 آذار الناخبين من ان فوز المعارضة يعني "تحكم إيران بلبنان"، بينما تدعو قيادات 8 آذار الى "إسقاط المشروع الأمريكي" في لبنان.
وإزاء هذه الحال فانه من الصعب جدا التنبؤ بهوية الفائز في هذه الانتخابات، لأنه بات واضحا ان النتائج ستأتي متقاربة وان الأغلبية ستحدد بعدد قليل من المقاعد.
وترتسم، بحسب المحللين، ثلاثة سيناريوهات للانتخابات وهي بقاء الأكثرية على حالها، أو فوز المعارضة، أو نشوء كتلتين مع كتلة ثالثة مستقلة في الوسط.
ويؤدي الاحتمالان: الأول والثاني بحسب المحللين اللبنانيين، الى تجدد الأزمة السياسية في الداخل اللبناني، معتبرين أن الخيارات المطروحة بعد الانتخابات أسوأ من المطروحة حاليا.
ففي حال فوز الأكثرية الحالية وتمسك قوى 8 آذار بالمشاركة في الحكم على أساس اتفاق الدوحة، فإن التعطيل وارد سياسياً او عسكرياً، وهو ما حصل على أرض الواقع في الأزمة السياسية التي امتدت 18 شهرا بين 2007 وأيار 2008 وشلت العمل الحكومي والبرلماني وأبقت منصب الرئاسة شاغرا لمدة سبعة أشهر وتطورت الى مواجهات عسكرية.
ويتمسك حزب الله بحكومة وحدة وطنية يكون فيها للأقلية البرلمانية الثلث زائدا واحدا من الأعضاء، مهما كان الطرف الفائز، وهذا ما يسميه "الثلث الضامن"، بينما تسميه الأكثرية الرافضة له "الثلث المعطل"، لأنه يتيح تعطيل القرارات الحكومية المهمة.
ويبرر قياديون في الأكثرية، وأبرزهم النائب سعد الحريري، رفضهم بان تجربة حكومة الوحدة الوطنية الحالية تسببت بشلل العمل الحكومي، معتبرين ان المشاركة ممكنة، إنما من دون الثلث المعطل.
ويقول حزب الله ان عدم مشاركة قوى 14 آذار لن يمنعه مع حلفائه وأبرزهم التيار الوطني الحر برئاسة النائب المسيحي ميشال عون، من تشكيل حكومة من دون خصومهم.
والنظام السياسي اللبناني معقد، يقوم على التحاصص الطائفي، وبالتالي فمن الصعب على قوى 8 آذار اختيار رئيس حكومة "سني" بعيدا عن ولاءات الناخبين السنة حتى لو حصلت على الأكثرية، كما سيكون متعذرا على 14 آذار الإتيان برئيس مجلس نواب "شيعي" لا يرضى عنه حزب الله، حتى لو امتلكت الأكثرية. كما يبقى دور لرئيس الجمهورية المسيحي ميشال سليمان الذي يفترض ان يوقع على مرسوم تشكيل الحكومة.
ويكرس الاحتمال الثالث، أي نشوء كتلتين مع عدد من النواب المستقلين، مبدأ الحكومة الائتلافية ودور الرئيس التوافقي، وهو ما قد يخفف من الأزمة السياسية في البلاد.
وفي هذا الإطار، شدد سليمان في الذكرى الأولى لانتخابه، على أهمية "تمكين رئيس الجمهورية من الفصل والبت في أي خلاف"، مشيراً الى ان "ما هو مطلوب من رئيس الجمهورية التوافقي ليس إدارة التوازنات إنما بلورة الحلول المتوازنة (..) والحسم لمصلحة الوطن ومصالحه".
المصدر : الحقيقة الدولية – بيروت – خاص 2.6.2009
المفضلات