تابـــــــــــــــــــــــــــع الموقف من وعد الله بين تصديق المؤمنين وتكذيب المنافقين
موقف المنافقين والمؤمنين من وعد الرسول صلى الله عليه وسلم:
لما سمع المنافقون والذين في قلوبهم مرض ذلك، كذبوا به، وشكوا في وقوعه، وشككوا المسلمين بذلك، وقالوا: (مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً).
وأورد ابن إسحاق ما قاله أحدهم، فقال: "... وعظُمَ عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال (معتب بن قُشَيْر): كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط!!..." [سيرة ابن هشام: 3/202].
وإذا كان هذا هو موقف المنافقين من وعد الله، قائماً على التكذيب به، والإنكار لوقوعه، فإن موقف المؤمنين قائم على اليقين به، والجزم بتحققه ووقوعه، وتصديق الله ورسوله.
وأخبر الله عن موقفهم الإيجابي العظيم في قوله تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) [الأحزاب: 22].
لما رأوا جنود الأحزاب لم يجبُنوا، ولم ينسحبوا، ولم ينهزموا ولم يفروا، وبقي كل واحد منهم على إيمانه ويقينه، وثباته وتصديقه، وقالوا: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ).
أي: لقد وعدنا الله في آيات قرآنية سابقة، أن يحاربنا الأعداء، وأن يصيبنا البلاء والابتلاء، لكنه وعدنا بعد ذلك النصر القريب، إن صبرنا وثبتنا.. ومجيء أحزاب الكفر إلينا هو تصديق واقعي لذلك الوعد الرباني، وعلينا أن نصبر ونثبت، لننال نتيجة ذلك.
أورد ابن كثير في تفسيره قول ابن عباس وقتادة في معنى الآية: "قال ابن عباس وقتادة: يعنون بقولهم: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214].
أي: هذا ما وعدنا الله ورسوله، من الابتلاء والاختبار والامتحان، الذي يعقبه النصر القريب.. وما زادهم ذلك الحال والضيق والشدة إلا إيماناً بالله، وتسليماً وانقياداً لأوامره، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم" [تفسير ابن كثير: 3/457].
ما فعله المنافقون والمؤمنون في الميدان:
شك المنافقين ومرضى القلوب بوعد الله، وتكذيبهم له، موقفٌ سلبي، نتج عنه فعل خبيث، صدر عنهم، قال الله عنه: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً) [الأحزاب: 13].
تركوا مواقعهم في الميدان، وفروا من المواجهة والجهاد، وكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبّطوا همم المجاهدين، ودعوهم إلى ترك مواقعهم الجهادية، والذهاب إلى بيوتهم، طلباً للنجاة والسلامة!.
أما تصديق المؤمنين المجاهدين بوعد الله، وتأكدهم من وقوعه، ويقينهم بتحققه في الواقع، فإنه موقف إيجابي عظيم، نتج عنه موقف جهادي كبير، أثنى الله عليهم من أجله. قال تعالى عنه: (وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 22-23].
زادهم تصديقهم بوعد الله إيماناً بالله، وتسليماً لأمره، وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وثباتاً على الحق، وجهاداً في سبيل الله.
الموقفان مكروران في التاريخ الإسلامي:
هذا الموقفان من وعد الله، مكروران في المسلمين، بعد نزول الآيات من سورة الأحزاب، على اختلاف الزمان.. وأوضح ما يكونان عند المحن الكبرى والشدائد العظمى؛ فالذين في قلوبهم مرض يكذبون ويشككون، ويقولون: ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً.. والمؤمنون المجاهدون الثابتون يقولون: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وما زاداهم إلا إيماناً وتسليماً.
وأكثر ما يكون الموقفان وضوحاً في هذا العصر، الذي ابتُلي المسلمون بما ابتلوا به من المصائب والمحن والابتلاءات!!.
* * *
وعود القرآن بالتمكين للإسلام
الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي
المفضلات