مقال بعنوان
تجليات الوحدة الوطنية
بقلم الدكتور محمود سليم هياجنه
تجليات الوحدة الوطنية
إن استيفاء شرط التكيّف مع تجليات مفهوم الوحدة الوطنية, هو الفهم الحقيقي للوعي المعرفي, الذي يكرّس مفهوم المواطنة التي تتجاوز كل الأيديولوجيات والمعتقدات, والمنابت والأصول, وتنفتح على مفهوم الوطن وقداسته والمواطنة ومكانتها, بإطارهما الحيوي والشامل.
ولا اخال عاقلاً يقلّه وطن وتظلّه سماؤه ثم يعمل فيه على الرجاء؛ فشتان بين من يعمل في الوطن على الرجاء ومن يعمل فيه على الوفاء؛ فمن يعمل على الرجاء يتماهى في غيابة الأنا الذاتية (المصلحة الشخصية), بيدَ من يعمل على الوفاء يتفانى في تقديم المصلحة العليا (المصلحة العامة) على المصلحة الذاتية (المصلحة الشخصية), وهذه سامقة الإدراك الواعي لحقيقة المواطنة وروح الوحدة الوطنية.
وما من أمة كان الأساس البنيوي لمثل هذا الوعي العميق هو الذي يكرّس حضوره فيها, ثم اعتصمت بعراه, وتشبثت بأهدابه, إلا تبوأت غارب السيادة ووطأت أكناف العزّة, ورتعت في مراتع السرور, ومرابع الأنس, ومنابع الأمن والاستقرار.
أما الأمة التي أثارت عجاج العصبيات النتنة, واتكأت على أريكة الأيديولوجيات وتحيز الثقافات, وأصغت السمع لشنشنة المغرضين, إلا كان الخذلان والهوان والاستكانة, واستمراء الذل حليفها.
وكم هو حريُّ بالعاقل أن يقرأ قول الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). وكم هو حريُّ بنا أن نتخذ من مداحض الزيغ, ومزالق الزلل مكاناً قصيا, وكم هو جدير بنا أن يكون لنا للتاريخ رجعة؛ فنقلب صفحاته ونرى أخبار سالف الأمم؛ ولولا تلك القدوة لما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أخبار الأمم البائدة, وما كنوا عليه, وما أفضوا إليه, ولعمري إن الذي لا يتعظ بغيره وعظ الله به غيره.
" إن الوطن لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلّك".
َويْهاً حماة الدار, َويْهاً ذادة الحمى, فهاهنا محط الرحال ونيل الأرب وإدراك الغاية, فهذه حقيقة سامقة في أفضل تجلياتها, ومن هنا تسيل المهج وترخص النفوس في سبيل الوطن والمحافظة على كيانه ومقدراته من كيد مغتصب أو حقد حاقد أو عبث كل عابث.
فلا غرو إذن أن يسجل التاريخ كل منافح مدافع عن وطنه في سِفِرْ المجد الموطد والفخر السرمد, وأن يسجل المتخاذل المتآمر في سجل العار, فيحمل عار الدهر في عنقه وسّبة الأبد في جبينه.
وحسبنا من القلادة ما يحيط بالعنق, لذا فقد أفضينا – والحمد لله – إلى كنه الأمور وصميم الحقيقة, بعد ما وقعت عليها الشواهد الصادقة والدلائل الناطقة, فهل يريد المرجفون دليلاً أوضح وشاهداً أفصح من هذا.
ومهما تنطّسَ هؤلاء المغرضون في بهتانهم ومهما دَسَّ المرجفون السمَّ في الدسم, فإن الأسرة الأردنية, حازمةٌ في مواقفها, أبيّةٌ في عرينها, تميزّ الخبيث من الطيب, وتدرك الفرق بين المضرّة والمنفعة, وتعي الثوابت الوطنية.
ولا شك بأن الوحدة الوطنية من الثوابت التي صرح بها صاحب الجلالة الهاشمية قائد المسيرة`وحادي الركب جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم, وهيهات ينكل الأردن عن خطه, لقد انجرد فيها وشمر لها عن ساقه لأنها السور والسياج المنيع لقلعتنا الأردنية الهاشمية, أردن الكرامة والشهامة, وهي جزء من الثقافة والمجتمع والهدف والمصير.
وأما من تجلبب بجلباب خذلان العزائم وتثبيط الهِمم, وذر الرماد في العيون, فليعلم أننا قلعة راسخة صلبة, تتحطم فوقها ما دونها, بل نحن نار لهيب حارقة, تأكل الهشيم وتجعله رماداً كأن لم يكن.
فإلى تلك الشرذمة القليلة التي كشفت عن ضغائنها فأطلت من أعماق المكامن, وتراءت من سدفة الجحور نقول اننا لا نشك مقدار قُلامة ولا قِيد أنملة في أن أسبابها شخصية وبراعينها ذاتية, وإن هاجت بهم حكة الغضب وسَورة السخط. وماذا لعمري أذكر وأبسط وأنشر في وضح الضحى, وقد فضح الصبح فحمة الدجى, وبان بأنها شِنشِنة من عجاج العصبيات المغرضة, وأنها ماء آجن ولقمة يغَصُّ آكلها, فهيهات هيهات بعد اللُّتيا والتي.
لقد قُضي الأمر وابرم الميثاق بعدما وثقنا بمائنا, ومن وثِق بماءٍ لم يظمأ أبداً, ومن لجأ إلى الركن الركين أمِن المهلكة والمعاطب, وأتقى المحن والنوائب.
ولذا؛ فإننا نحمد الله سياج النعم, أن جعل فينا مليكاً هاشمياً أوتي الحكمة والفطنة, ولا يزال الدم النبوي متسلسلاً في أعراقه متنقلاً في جوارحه, فكان غُرّةً في جبين الأزمان وآية من الصفاء والاطمئنان. (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
واللهَ أسألُ أن يجعلنا ممن همه الصدق وبُغيته الحق وغرضه الصواب وما تصححه العقول وتقلبه الألباب, ونعوذ به من أن ندّعي العلم بشيءٍ لا نعلمه وأن نسدي قولاً لا نُلحمِه. إن ربي سميع مجيب الدعاء.
الدكتور:
محمود سليم هياجنـــه
المفضلات