بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
الفرق بين المنافسة والحسد :
أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهد من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه ، فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر ، قال الله تعالى { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } المطففين 26 ، واصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلبا ورغبة ، فتنافس فيه كل من النفسين الأخرى ، وربما فرحت إذا شاركتها فيه كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنافسون في الخير ، ويفرح بعضهم ببعض بإشتراكهم فيه بل يحض بعضهم بعضا عليه مع تنافسهم فيه ، وهي نوع من المسابقة ، وقد قال الله تعالى { فإستبقوا الخيرات } البقرة 148 وقال الله تعالى { سابقو اإلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء } الحديد 21 ، وكان عمر بن الخطاب يسابق أبا بكر رضي الله عنهما فلم يظفر بسقه أبدا ، وقال : لا أسابقك إلى شيء أبدا ، وقال : والله ما سبقته إلى خير إلا وجدته قد سبقني إليه .
والمتنافسان كعبدين بين يدي سيدهما يتباريان ويتنافسان في مرضاته ويتسابقان إلى محابه ، فسيدهما يعجبه ذلك منهما ويحثهما عليه وكل منهما يحب الآخر ويحضه على مرضاة سيده.
والحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير ، فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ، ويفوز بها دونها ، وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم كما قال الله تعالى { ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء } النساء 89 ، وقال الله تعالى { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } البقرة 109 ، فالحسود عدو النعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو ، والمنافس مسابق النعمة متمن تمامها عليه وعلى من ينافسه ، فهو ينافس غيره أن يعلو عليه ، ويحب لحاقه به أو مجاوزته له في الفضل ، والحسود يحب انحطاط غيره حتى يساويه في النقصان ، وأكثر النفوس الفاضلة الخيرة تنتفع بالمنافسة . من جعل نصب عينيه من أهل الفضل والسبق فنافسه انتفع به كثيرا فإنه يتشبه به ويطلب اللحاق به والتقدم عليه ، وهذا لا نذمه وقد يطلق اسم الحسد على المنافسة المحمودة كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم [ لاحسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ، ورجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ] رواه البخاري ومسلم ، فهذا حسد منافسة وغبطة يدل على علو همة صاحبه وكبر نفسه وطلبها للتشبه بأهل الفضل .
هذا الموضوع من كتاب الروح لإبن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
المفضلات