د. عطا الله أبو السبح
(جاؤون فيلنا) هو الحاخام ، جاء إلى الدنيا في القرن الثامن عشر ، نظر إلى الخلف فرأى أن هيكل سليمان تم تدميره على يد الملك البابلي (نبوخذ نصر) في السادس عشر من مارس عام 586 ق. م ، فقال : إن بناءه الثالث سيكون في ذات اليوم الذي هدم فيه، ولكن سنة 2010 ، أي أن نبوءته (سيعاد بناء الهيكل يوم 16 /3/2010) أي يوم الثلاثاء القادم بعد 2596 سنة بالتمام والكمال من هدمه الأول ! ولقد نبش نتنياهو في أوراق (فيلنا)، فوجد هذه النبوءة فلم يكذبها، والهيكل – حسب زعمهم – واقع تحت الأقصى، فأوعز في أول فبراير الماضي إلى 39 نائباً من أنصار (من أجل أرض إسرائيل) بتقديم مذكرة له يطالبونه فيها بضم مواقع أثرية إسلامية في كل أنحاء الضفة الغربية إلى التراث اليهودي، وفعلا قد كان، فقام بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال كمحاولة لجس نبض أمتنا العربية والإسلامية ، التي لم تحرك – بدورها – ساكناً ، إلا ما صدر عن عباس محذراً من حرب دينية إذا تمادى نتنياهو !!
وكان رد نتنياهو أن خاطب العالمين العربي والإسلامي أن وجود (إسرائيل) لا يرتكز على قوتها العسكرية أو الاقتصادية ، ولكن – أيضاً – على قوة ارتباطها الوطني والعاطفي والديني بأرض (إسرائيل) ، الذي سينقله إلى الأجيال القادمة ! وعندما لم يجد عائقاً لخطوته تلك تقدم خطوة إلى الأمام ، فأعلن عن إعادة اعمار كنيس (حوربا) أو (الخرابة)، والذي يبعد خمسين متراً عن المسجد الأقصى ، ذلك الكنيس الذي بني في القرن الثامن عشر على يد تلاميذ الحاخام (يهوذا هحاسيد)، ثم قام الإرهابيون (حسب الرواية الإسرائيلية) من المسلمين بتدميره بعد فترة قصيرة من بنائه ، ليعيد اليهود بناءه في القرن التاسع عشر ، ليدمره الجيش الأردني سنة 1948 ، ليتولى نتنياهو إعادة بنائه ، وها هو سيفتتحه في 16/3/2010 ، أي في اليوم الذي حدده فيلنا لإعادة بناء الهيكل ، وليس غريباً أن يتم كل ذلك في الوقت الذي تجري فيه حفريات تحت الأقصى بشكل محموم ، حتى أصبح معلقاً في الهواء يمكن لزلزال صناعي أن يهوي به إلى واد سحيق بعد أن يجعله ركاماً ! وهنا نتوقف عند :
أولاً: إن اليهود يجمعون كل يوم (حسب د. ناجح بكيرات) مليون دولار ؛ لهدم الأقصى ، توطئة لإعادة بناء الهيكل على أنقاضه منذ مدة ليست بالقصيرة .
ثانياً: رفع اليهود شعار: لن نكون الخاسرين ، بل سنكون إلى جبل الهيكل من الصاعدين ، وتبنت هذا الشعار جميع الجماعات اليهودية داخل (إسرائيل) وخارجها .
ثالثا : تزمع تلك الجماعات اقتحام الأقصى يوم الثلاثاء القادم ، تنفيذاً لنبوءة الحاخام ، وافتتحت لذلك مكتب خدمات مجانية لكل من يريد المشاركة، ولو بالدعاء والصلوات أو عبر وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية والالكترونية ، وسيرى العالم اليهود ، وهم يؤدون صلواتهم وطقوسهم وشعائرهم التوراتية والتلمودية ، كما سيرى وجوماً وعجزاً وجبناً في الجانب العربي والإسلامي ، إلا أهل القدس الذين سيفرض عليهم حظر التجوال ، وإلا فالقمع والقتل والاختطاف .
رابعاً : لقد عمدت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى نقل وقائع اقتحام الأقصى والفتك بالمصلين مباشرة يوم الجمعة الفائت رغم قلتهم كرسالة إرعاب لمن سيقف بوجوههم يوم الثلاثاء القادم غير مبالية بأي رد فعل عربي أو إسلامي ، حتى وإن وقع رغم استبعادها لذلك.
خامساً: لقد أغرى اليهود نجاحهم في ضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال في القفز إلى الأقصى مع تشابه الحوادث في الحالتين :
أ : فلقد أحرقوا منبر صلاح الدين فلم يحرك العرب والمسلمون ساكناً ، إلا بعض المظاهرات ، فاقتطعوا جزءاً من الحرم الإبراهيمي وحولوه إلى كنيس ، وأما الجزء الثاني فخصصوه للمسلمين ، ثم ها هم يمنعونهم من الوصول إليه ، وهو ما يجري اليوم في الأقصى.
ب: قتل اليهود عشرات من المصلين في الحرم الإبراهيمي ، وهم سجود ، بيد باروخ غولدشتاين ، كما قتلوا العشرات في باحات الأقصى سنة 2000 وما تلاها على يد شارون وزمرته .
ج : اغتصب اليهود المناطق المحيطة بالحرم الإبراهيمي ، وطبعوها بالطابع اليهودي ، وكذا فعلوا في ما حول الأقصى .
د : نشطت حركة بناء المستوطنات في الخليل ، واغتصبوا عدداً من جبالها ، وكذا فعلوا في القدس وفيما حول الأقصى على وجه الخصوص .
هـ : لم تتوقف المفاوضات ولا التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية ، وكأن السلطة شريك كامل فيما تفعل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في كل من الخليل والقدس .
و : كان للصمت العربي والإسلامي الذي عكس العجز الذي بلغ حد التواطؤ مع الجانب الإسرائيلي الحافز الأكبر في تمادي (إسرائيل) في أفعالها .... ولذا :
1- لا يمكن التعويل على النظام العربي خاصة بعد الهوان والدونية التي وصلت إليه السلطة الفلسطينية.
2- لابد من ثورة شعبية وانتفاضة عارمة لا تتوقف فداء للأقصى. هذا هو الحل دون سواه وأما الخونة فإلى الجحيم.
المفضلات