كتبت – سهير بشناق - وصل عمر الى سن الثالثة وهو لا يستطيع الكلام بلغة مفهومة فاعتقدت والدته ان سبب ذلك يعود الى عدم وجود اشقاء له مستبعدة ظروف حياتهم الاسرية التي لعبت دورا هاما في عدم مساعدة طفلها على تعلم الحديث بطريقة صحيحة.
«الام تعمل منذ الصباح وحتى الساعة الخامسة مساء والاب لا يعود للمنزل قبل الساعة الثامنة مساء فيبقى الطفل برفقة الخادمة طيلة هذه الفترة».
ام عمر بالرغم من توصياتها المستمره لخادمتها بالاهتمام بطفلها اثناء فترة غيابها واللعب معه قدر الامكان الا انها اكتشفت ان الخادمة تبقي الطفل «عمر» جالسا امام شاشة التلفاز وتتحدث معه بلغتها مما ادى الى حدوث حالة للطفل تسمى « باغتراب اللغة « خاصة وان الوقت الذي تقضيه والدته معه وقتا قليلا فبعد عودتها من العمل يكون الطفل قد اوشك على النوم. قضية ترك الاطفال مع الخادمات قضية اجتماعية هامة امام واقع حياتي يتطلب خروج المرأة للعمل ليس بهدف مساعدتها لزوجها في تحمل الاعباء المادية فحسب بل لان العمل اصبح جانب هام في حياة المرأة تجد ذاتها وشخصيتها من خلاله وترفض البقاء في المنزل بعد ان حصلت على الشهادة الجامعية.
ويرى اخصائيون في مجال الطفولة ان اهمال الام العاملة لاطفالها وتركهم فترات طويلة برفقة الخادمات يترك اثارا سلبية عليهم لا تقف عند حدود التاثيرات اللغوية واكتساب عادات الخادمات الا انها تؤثر على الجوانب النفسية لديهم لافتقادهم لامهاتهم وابائهم فترات طويلة فيشعرون بالاهمال مما يولد لديهم مشاعر من الحزن قد تصل الى حدود الكآبة التي تتجاهلها اسر كثيرة معتبرين ان الاطفال في اعمار معينة لا يشعرون بما يشعره الكبار. ولعل قصة «ام سارة» تؤكد اهمية ايلاء الطفل اهتماما كبيرا خاصة في مرحلة النمو المبكر ومدى تبعيات اهمال الام لطفلها بسبب ساعات عملها الطويلة.
وتقول ام سارة «اعمل من الساعة الثامنة صباحا للساعة السابعة مساء فطبيعة عملي في احدى الشركات الخاصة تتطلب ذلك».
وتضيف «عندما رزقت بطفلتي سارة وبعد انتهاء اجازة الامومة وضعتها باحدى الحضانات الا ان تكرار مرضها دفعنا لاحضار خادمة تشرف على رعايتها واستمر الوضع هكذا الا ان بلغت طفلتي العامين فاصبحت تفتقدني كثيرا ولا اجد لها وقتا كافيا بعد عودتي لانني اكون بحالة ارهاق من ساعات العمل الطويلة». وتشير الى ان زوجها طلب منها ترك العمل او ايجاد عملا آخر بساعات عمل اقل ليتوفر لها الوقت لرعاية الطفلة الا انها رفضت ذلك وتمسكت بالعمل الذي حققت من خلاله نجاح ووجدت نفسها من خلاله.
وتضيف» تمسكي بخيار العمل بهذه الوظيفة دفع زوجي الى الانفصال عني والمطالبة بحضانة الطفلة لعدم تفرغي لرعايتها».
واشارت الى انها لا تستطيع العيش دون طفلتها مما دفعها الى ترك العمل والعودة الى زوجها.
«ام سارة» اعتبرت تجربتها الشخصية هذه محطة هامة بحياتها كادت ان تفقدها اسرتها مؤكدة ان عمل المرأة والام جانب هام شريطة ان لا يتعارض مع مصلحة اطفالها خاصة اذا كانت الام تعمل لساعات طويلة. الدكتوره ميسون عكروش اخصائية تربية وطفولة قالت عن هذه القضية ان الطفل في مرحلة الطفولة الاولى يحتاج الى جو اسري منظم حيث ان القول الذي يشير الى ان الوالدية جدارة ومسؤولية هو قول يعكس معاني المسؤولية التي يتحملها الاباء والامهات اتجاه اطفالهم.
واضافت ان الاساس في الطفل المعافى هو ان يكون نتاج لاسرة سعيدة فالاطفال يبدأون بتلقي المهارات والخبرات والتقاليد وتكوين العادات الاجتماعية الانفعالية والاجتماعية نحو الاخرين في اسرهم, مشيرة الى ان هذا الامر يعني ان الاطفال بحاجة في هذه المرحلة للتزود بالخبرات المباشرة حيث تؤكد ابحاث الدماغ ان العلاقة الاولية الصحية بين الطفل واسرته تكون نظام من الحالات الانفعالية التفاعلية المميزة تعمل على تحريك الخلايا العصبية الدماغية نتيجة التفاعل والعلاقة الصحيحة فتعززها وتنشطها وتنميها.
واشارت عكروش الى ان عمل المراة وخاصة الامهات في هذا الوقت وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة اصبح له الدور الاساسي في تحسين الظروف المعيشية للأسرة مشيرة الى ان وجود الخادمات لدى الامهات العاملات وغير العاملات اصبح مظهرا طبيعي لا يخضع لمقياس المرأة العاملة وانما لسلوكيات تؤدي الى شعور الابناء بالاهمال وعدم الاهتمام بهم او عدم حمايتهم او تقديرهم.
وبينت عكروش ان الغالبية العظمى من الاهل يعتقدون ان الطفل «لا يفهم ولا يدرك « ويكتفي بتلبية احتياجاته البيولوجية الاساسية من طعام وشراب ,مبينة ان ابحاث الدماغ اكدت ان الطفل مزود منذ ولادته بخلايا عصبية دماغية للتفاعل مع المحيطين به وان الحرمان العاطفي في السنوات المبكرة للطفل يضعف الخلايا العصبيية من التفاعل بين الطفل ومحيطه بسبب عدم التجاوب والاثارة من قبل الوالدين مما يتسبب في اعاقة نموه على الصعيد العاطفي والاجتماعي.
ولفتت الى ان هذا الامر يسهم في التاخير اللغوي والعقلي عند الطفل مما يؤدي الى ضعف في التحصيل الدراسي الذي يتاثر مباشرة بهذه الامور.
وبينت عكروش ان مثل هذه الحقائق تتطلب عمل جميع مؤسسات المجتمع في القطاعين العام والخاص لرعاية الاطفال وحمايتهم مؤكدة اهمية جدية هذه المؤسسات حيال هذه القضية الهامة التي توفر الامن والطمأنيية للأطفال وهو جانب في غاية الاهمية.
وترى عكروش ان الام العاملة المحكومة باوقات العمل عليها ان تعمل على تعويض اطفالها قدر الامكان لساعات غيابها عنهم بحيث يكون تواجدها بالمنزل تواجدا حقيقيا لا ان تبقى الخادمة تتابع شؤون اطفالها رغم وجودها معهم.
وتؤكد ان الام العاملة التي تعود متعبة من عملها عليها ان لا تتناسى واجباتها تجاه اطفالها وان تقضي اكبر وقت ممكن معهم تشاركهم في امور كثيرة كالجلوس سوية لتناول الطعام واللعب سوية اضافة الى عدم اهمال النشاطات التي يقوم بها الاطفال بحيث تحرص على ابداء الاهتمام بها وحضورها ان كانت تقام في المدارس او الاندية مع العمل على متابعة الجانب الاكاديمي للطفل والجلوس بجانبه عندما يقوم بحل واجباته المدرسية مشيرة الى ان هذه الامور جمعيها تعمل على مليء الفراغ الذي يعيشه الطفل اثناء غياب والدته عنه.
واذا كانت الاستعانة بالخادمات امرا بات ضروريا لكثير من الامهات العاملات فان عمل الام لساعات طويلة وغيابها عن اطفالها يبقى امرا يحمل بطياته سلبيات عديدة قد تكتشف الام نتائجها لاحقا فالتاخر اللفظي عند الطفل والميل الى الوحدة وتفضيله البقاء مع الخادمة حتى بوجود الام.. جمعيها مؤشرات تنذر بالخطر على حياة الطفل الاجتماعية والنفسية خاصة في حال كون الطفل وحيدا فعدم وجود اشقاء له يتطلب اهتماما اكبر من قبل الوالدين اتجاه طفلهم كونه لا تتاح له الفرصة للحديث او اللعب مع اطفال اخرين.
المفضلات