ملحق الثقافة
صوت المثقف
في مناظرة بين أحد المنظّرين الأيديولوجيين، وعميد الأدب العربي د.طه حسين حول عنوان "لمن نكتب"؟، أظهر الأول حماسة شديدة لأفكاره، بالقول: "إننا نكتب للجماهير العريضة من العمال والفلاحين"، غير أن "البصير" طه حسين، رد ببساطة متناهية بالقول: "إننا نكتب لمن يستطيع القراءة".. لمن يفك الحرف.
والواقع أن الإجابة كانت "مفحمة"، لأن شرط القراءة يقوم على المعرفة الأبجدية، وأن الكتابة لمن لا يستطيع القراءة، هي في مثابة "الحرث في الماء"، وأن لكل مطلب شرطاً لنجاحه.
واقعة المناظرة السابقة تقودنا إلى حديث الانتخابات النيابية والنشاطات التحضيرية التي بدأت على قدم وساق، وبين هذا وذاك ما يزال العنوان الثقافي غائباً، وما يزال دور الهيئات والمنتديات والملتقيات غائباً، على أن ثمة أصواتاً خافتة تدعو إلى إبراز دور الهيئات وتنظيم صفوفها لضمان حضور العناوين الثقافية ضمن أجندة المرشحين، مستندة إلى ما تمثله تلك الهيئات كَمّاً ونوعاً لجمهورٍ شاب ينتسب إليها، ويمثل ثقلاً على مستوى الوعي والثقافة والقيادات التي تترك تأثيرها في غالبية مفاصل المجتمع.
وهي قطاعات متنوعة تنتمي للطبقة الوسطى التي تؤمن بالمؤسساتية والانفتاح والرغبة في التطوير، وتتمثل خطاب التنوير، وتملك ما تقترح من عناوين لرفعة المجتمع ونهضته وحماية إرثه، وفضلاً عن ذلك كله تعبّر عن الملامح الأصيلة للمجتمع وجذوره الثقافية بروح معاصرة.
المشكلة، أن تلك الفئات بسبب مقايساتها، ونفَسها القصير، غالباً ما تصاب بالإحباط الذي يضعها في منطقة السلبية واللامبالاة، ويكرس لديها عقلية النقد الذي يُفقدها روح المبادرة بإزاء المشاركة، ليس في الحوارات التي تجري في مجالس المرشحين فحسب، وإنما في الخيارات التي يتم على أساسها انتخاب ممثلي الأمة.
ويغفل الكثيرون أن المشاركة في الاختيار لها استحقاقات، ليس أولها بطاقة المرور للتصويت، وامتلاك الحقّ في التسجيل، بل في إقناع المرشح بأهمية الخطاب الثقافي وضرورته وما ينطوي عليه، وما يقف خلفه من قطاعاتٍ واسعة في المجتمع.
وأظن أن على الهيئات الثقافية، وبينها: نقابة الفنانين، رابطة الكتاب، ورابطة التشكيليين، وكل الملتقيات والمنتديات في سائر مدن المملكة وقراها ومخيماتها، دوراً مهماً في الإعلان عن حضورها، حضورها الفاعل، وإلاّ بقي المثقف في منطقة السؤال الأول: "لمن نكتب؟"، بالانتقال إلى عتبة السؤال الثاني: "لمن نصوّت؟"، ليظل المثقف في منطقة الغياب، دون أن يضع يده على إجابة "وظيفية" تمكّنه من إسماع "صوته".
* حسين نشوان
المفضلات