بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان الليل مظلما والمطر يهطل ، والريح تدوي ... فتلقي الرعب في النفس ... وتدفع السابلة الى الفرار ... وهو يقف يبحث عن الحقيقة في أعماقـه ... إن الحياة تغلي في دمــه ، وتنبض في عروقـه ، وتصـب في روحــه ...وجسده سيلاً من نار .
هطلت الأمطار ....
لفت وجه ((حليم)) نسمة لليل باردة ... بعثت القشعريرة إلى جسده النحيل ...
وأبتسم وهو يتذكر زميلة له في الكلية اسمها ((حيرة)) ،لقد أحبها منذ عامين أو أكثر قليلاً
وأستطاع حتى العام الماضي أن يوقف بين حبة لها ودراسته ... كان هذا الحب يأخذ بعض وقته ... لكنه كان يشبع في نفسه لوناً من الاستقرار والثقة ... والاتزان ....
وفي كل ليلة شتاء يجلس حول المدفأة ... يستذكر دروسه ... وخيالها أمام عينيه ... وكانت أحياناً تأتي إليه تجلس بالقرب منه تستذكر دروسها معه ...
وانتهى العام الدراسي ، ونجحا.
وفي بداية شتاء جديد قرر أن بتفرغ لدراسته ، ومنذ ذلك الحين بات يتجنبها .
و إذا التقيا صدفه ، بذل جهده ليكون اللقاء قصيراً عابراً ...
وبدا له أن سلوكه يدهشها ، فهي لا تفهم دوافعه ... ولا تدرك أنه نتيجة حتمية لخطة مرسومه ... من جانبه ... طبعاً
فهل يوضح لها الأمر أو يتركها حتى تدرك بنفسها أن كل ما كان بينهما قد انتهى ، وأنه لم يعد يفرق بينهما وبين أية زميلة أخرى .
وآيا كان الرأي الذي ستشير به ..ز فأن الموقف بالنسبة إليها صعب ... أليم .... فنحن نلتقي في الكلية كل يوم ... طول العام ...
صحيح أن الموقف بالنسبة إليها صعب أليـم ... لكن تغاضيه ... وصمته ... يزيد انه دقة ، وحرجاً ، وألماً .. سوف يؤلمها أنه تخلى عنها ... وسوف يؤلمها أكثر أنها لا تدرك معنى تصرفه .
فلماذا لا يوضح لها الأمر ؟
لماذا لا يفسر لها سلوكه؟
ربما أنه لا يخشى أن تتضح له حقيقة نفسه ، وتنكشف الدوافع الحقيقية التي تجعله يتخلى عن حبه ...
فهو يزعم لها نفسه ... انه يضحي بحبه في سبيل دراسته ... في سبيل الواجب .
وهذا كلام يبدو جميلاً...رائعاً...ولكنه زائف .. غير مقبول .
فهذا الحب نفسه لم يلهه عن دراسته طول الشتاء الماضي ، بل لعله كان سبباً في نجاحه ... إذ كان باعترافه دافع الاستقرار ..والثقة ... والاتزان .
فهل ترى يكون دافعه الحقيقي إلى هذا السلوك الغريب أنه من ذلك الطراز من الناس الذين يروق لهم أن يعذبوا أنفسهم ... ويعذبوا غيرهم ....
وأخذ يسأل نفسه :
هل يرى لذة كبرى في إيلامها وتعذيبها ....
أو يرى كل ما في الأمر انه بعد مرور فصل الشتاء قد أكتشف أنه لا يحبها ... وإنما كان يلهو ويعبث ...
كان يجد لذة وهو يمشي معها تحت الأمطار ويلتصق بجسدها ... ليجد الدفء...
كان يجد لذة عندما تقدم له فنجان القهوة وتجلس قربه أمام المدفأة ... تحكي له الحكايات ممتعة ... لقد كانت تجيد الحديث ... وجذبه ساعات للاستماع إليها ...
لا بد أنه يريد أن يضع حداً لعلاقته قبل أن تتطور إلى زواج .
وزاره صده ((سهيل)) ...ورآه مهموماً وأخذ ((حليم)) يفصح عما بداخله ... وتململ ((سهيل)) في مجلسه قائلاً :
المحب لا يتخلى عن حبيبته هكذا ... بكل بساطه ..ز وفقاً لخطة مرسومه وبقرار يتخذه في هدوء وبرود أعصاب أنه بالعكس يا صديقي يتمسك بحبه ، ويتشبث به مهما كانت الظروف وآيا كانت العقبات ... يتشبث به وهو واثق بأنه بالصبر والمثابرة سوف يتخطى العقبات جميعاً ، وسوف يحقق هدفه الجميل النبيل .
ومرت لحظات صمت بينهما .
وتنهد ((سهيل)) واستطرد قائلاً:
_ إنك تعلم إنني أحب ((مرح)) وهي تبادلني الحب .. وأنني أبذل مزيداً من الجهد لأوفق بين حبي وبين دراستي، واصل الليل بالنهار لتفوقي ولأكون جديراً ((بمرح)) وأهلاً لها . إنك يا ((حليم)) تخترع الأعذار للهرب من حبك وحين تقول لـ ((حيرة)): أنني سوف أتخلى عنك عن حبك للتفرغ لدراستك ... فأنك تقول الحقيقة .
ولكنك لا تقول لها كل الحقيقة
والحقيقة يا صديقي واحدة من اثنتين:
_ فأما أنك لم تعد تحبها ، أو لعلك لم تحب ((حيرة)) أبداً ..
_وإمـآ إنـك تحبها ولكنك تهوى تعذيبهـآ ...
وآيا كانت الحقيقة فأنها مرة ... حزينه
وتسمرت نظرات ((حليم)) ، وتخاذلت يداه ...
وتجمدت ابتسامته ... وازداد شحوب وجهه ... وأحس كأن بركاناً صائراً يندلع في أعماقه ... وقـآل:
_ الحقيقة إنني أحبها ، ولكني أشعر بلذة في تعذيبها وأيلامها
أشكركم على حسن قرآئتكم
أن شاء الله تعجبكم والقادم مزيد
المفضلات