بسم الله الرحمن الرحيم
العلة وعدم العدالة في التطـرف !
تعلموا الإنصاف وتعلموا قول الحقائق ، فأي رجل في موقع سلطة هو في النهاية بشر يخطأ ويصيب ، ولكن الموازين لدى الناس أصبحت في قمة التطرف عند الحكم ، فإما ناقم يريد الانتقام ، وإما منتفع يريد الدفاع ، وأي قائد لأمة وأي زعيم في موقع قيادة لا يخلو إطلاقاً من ايجابيات ومن سلبيات ، فإذا كانت للرجل مثلاً إيجابيات تعادل ستون في المئة وسلبيات تعادل أربعون في المئة خلال العشرات من سنوات حكمه ، فليس من العدالة أن يعاقب على سلبياته ويسكت عن ايجابياته ، ثم يحمل أوزار سنوات الحكم بالعقاب ولا يحمل حسنات سنوات الحكم بالشكر والجزاء ، وتلك ليست في عدالة الإسلام والمسلمين ، فالحقوق البائنة الثابتة لا يعفى منها حاكم ولا غير حاكم ، أما الحقوق العامة الناتجة عن ممارسات الحكم فوقوع الأخطاء فيها واردة ، سواء مباشرة أو غير مباشرة من الأعوان ، لأن الهدف الأساسي كان المصلحة العليا للمجتمع ، وقد اجتهد فيه القائد ، والاجتهاد يقبل الخطأ والصواب ، وكثيراً ما يصيب وقليلاً ما يخطأ ، ولكن يصر البعض بتطرف شديد بالعقاب الرادع على تلك الأخطاء ، ثم يحاول بشتى الطرق أن يتجاوز ايجابيات الرجل ، فهنا نحن نحكم بالعواطف ولا نحكم بموازين ما قدم الرجل وما أخر ، ونحن لا ننادي بعدم محاكمة ومحاسبة الذين كانوا في سدنات الحكم ، ولكن يجب أن لا تكون أحكامنا القضائية لهم من واقع الكراهية أو المحبة لهم ، والمعروف أن الذي في قمة القيادة عادة يملك الأيدى الكثيرة التي تعمل تحت قيادته ، وتنفذ أوامره ولكن من أعظم الأخطاء أن نظن أن تلك الأيدي تلتزم كلياً بإشاراته ، إنما أثبتت التجارب أن تلك الأيدي عادة تطغى في مراحل لاحقة وتعمل وفق أهوائها ، وبعيداً من محيط وعلم الرجل ، وبما أن تلك الأيدي عادة هي وفيرة ومتنوعة ومراوغة فإنها في الغالب الأعم لا تكون في مواضع التساؤل والمحاكمة ، فتفلت من أي عقاب ، ثم يقوم الرجل بتحمل أوزارهم ، وهنا العدالة ناقصة وظالمة ، وقد يقول قائل أن الرجل هو المسئول عنهم بحكم اختيارهم لهم ، ولكن العبارة في القول سهل وعملياً ليست بتلك السهولة التي يتخيلها البعض ، وبالخلاصة لا نريد تكرار تجارب مرت بمحاكمات سابقة ، حيث تم إعدام قائد بعجالة وما زالت هناك قضايا وحقوق أمام المحاكم تنتظر النظر فيها ، وتلك كانت من أعجب القضايا والأحكام التي مرت في تاريخ الإنسانية ، لأن أصحاب تلك القضايا لم ينالوا حقوقهم من الرجل حيث تم إعدامه بعجالة قبل النظر في شأن قضاياهم ، وربما أن الذين قاموا بإعدام الرجل علموا أن تلك القضايا العالقة قد يبرئ ذمة الرجل بطريقة ما ويكشف مجهولاً يجهله الناس فتعجلوا في تنفيذ الحكم دون الانتظار لباقي القضايا ، وفي تلك الحالة فهم على خطر شديد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، والويل ثم الويل من تلك الأحكام الجائرة الظالمة ، وكل من يساهم فيها فاليتبوا مقعده من النار ، والعياذ بالله . فالحذر الحذر أن تكون محاكمنا مبنية على التطرف والانتقام وتشفي الصدور ، دون مراعاة لحدود الله ، ودون تحري القسط والعدالة .
المفضلات