بسم الله الرحمن الرحيم
لو منع خالد مشعل من دخول الأردن للمشاركة في جنازة والده لنال الموقف ما ناله من النقد والهجوم ، وفي المقابل لا بد أن تنال مبادرة جلالة الملك الإنسانية الشكر والتقدير ، إذ علا صوت الإنسانية فوق كل الأصوات ، وانتصر الإنسان صفة على كل الصفات ، والتقت المعاني الايجابية مع أخواتها ، واندحرت المعاني السلبية ، وانتصرت فطرة الخير التي جبلنا الله عليها على فطريات السياسة والمصالح ، وتراجعت الأصوات المغرضة المضللة.
هو موقف يخلده التاريخ كما خلد مواقف الحسين معه ، أيام محاولة اغتياله ، موقف لا ينكره جاحد ، يقدره الرجال ، وما الموت إلا واعظ كبير ... في حضرته تغيب المعاني الدنيوية والدونية لتحيا المعاني الجليلة ، ليلتقي الإنسان مع نفسه ومصيره ، ليتأمل ويفكر ويتذكر ، ليحسن عندها التفكير والتقدير فيما هو مقدم عليه .
إن السياسة لا دين لها ، ولا مبدأ ولا موقف ولا وجهة لها ، متغيرة متبدلة ، بل ينقض بعضها بعضا ، ولكن إنسانية جلالة الملك تذكرنا بإنسانية أبيه ، لتشكل موقفا إنسانيا ثابتا ، فيه رجولة وشهامة وتسامح ، هي وجهة واحدة ، تصبح سمة لا تبدلها الأهواء ، ولا تنال منها الأبواق ، حصنا منيعا ، عباءة دثرت الأردنيين وما اندثرت ، فيها عبق التاريخ ، وفيها التقت الأجيال ، وعليها انعقدت الآمال .
شكرا لجلالة الملك الذي كان أمره خـُلقا ، وما ترك للسياسة أن تفرض خَرْقا ، وذكر موقفه مع مشعل بموقف أبيه معه ، فكان نهج الأوفياء.
أما أنت يا أبا الوليد فلك الصبر والسلوان ، ولأبيك الرحمة والغفران ، وها أنت تطأ الأردن سهلا ، وتنزله أهلا ، وها هو الأردن - الذي تحب - يستقبلك مُعزيا لا معزى
د. بلال كمال رشيد
المفضلات