{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
يقول ابن كثير رحمه الله : ( أي هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين ) . ( التفسير ( 1/ 254 ) .أ . هـ.
وصدق الله ، فلا يزال أعداء الإسلام يقاتلون المسلمين ليردوهم عن دينهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ، فهم لا يفتُرون ولا يكلّون ولا يملّون ، وكلما سنحت لهم فرصة استغلوها وكلما لاحت بادرة اقتنصوها.
ففي غمرة انشغال العالم الإسلامي بأحداث الحرب العالمية الثالثة التي تأخذ شكل الحرب الباردة ضد بعض الدول ، والملتهبة ضد البعض الآخر ، والتي تُشن باسم الحرب على الإرهاب ، وتستعمل فيها أمريكا وحلفاؤها شتى أنواع الأسلحة العسكرية والثقافية والاقتصادية ، فوجئنا بسلاح جديد لا يقل فتكاً عمن سبقه من الأسلحة إن لم يكن أشدها على الإطلاق لأنه فتح النار على الخصوصيات الشرعية والثوابت المرعية وكال التهم جزافاً وتعسف في الافتراء والكذب .
ولا عجب ولا غرابة من ذلك ، فلا زال صقور الإدارة الأمريكية يبحثون عن كل وسيلة وذريعة تمكَّنهم من الهيمنة على الدول الإسلامية والسيطرة على مقدراتها ومحاربتها في دينها وتغيير عقائد أبنائها ، فبعد أن دمَّرت أمريكا أفغانستان بحجة إيوائها للإرهابيين وبعد أن مزَّقت العراق بذريعة أسلحة الدمار الشامل التي اتضح للعالم أنها أكذوبة القرن التي سوغت للوحش الأمريكي وحلفائه أن يلغوا في دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ وأن يدمروا البلاد وأن ينهبوا الثروات ؛ لا زالت الإدارة الأمريكية بصقورها وحمائمها تبحث عن حجة لكل دولة للتدخل في شؤونها الداخلية: فإيران تخصَّب اليورانيوم، والسودان يرتكب مجازر بشعة في دارفور وسوريا تدعم الإرهاب والسعودية تمنع الحريات الدينية .
أما إسرائيل التي تملك ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم ومجازرها بحق أبناء فلسطين لا تتوقف وإرهابها طال البشر والأرض والحجر والشجر فضلاً عن التنكيل بالمصلين في ساحات الأقصى ومنع أعداد كبيرة منهم من الصلاة وهدم المساجد داخل الأراضي المحتلة عام 48 وتحويل ما بقي قائماً منها إلى حوانيت دعارة وخمور وإلى حظائر للماشية والبهائم ، فإن أمريكا لا ترى في هذا أي مبرر لإدانة إسرائيل ولو شفهياً بسبب ما تقوم به من إرهاب وسفك وقتل وكبت للحرية وتدمير لمقومات البقاء.
صدر تقرير لجنة الحريات الدينية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية ، التي جعلت نفسها وصية على الحريات الدينية ، متحدثاً بصورة مستفيضة عن وضع الحريات الدينية في شتى أنحاء العالم، وأورد أسماء دول اعتبرتها الإدارة الأمريكية المتصهينة مبعث قلق خاص لممارستها "انتهاكات جسيمة للحرية الدينية " .
ومن بين هذه الدول : المملكة العربية السعودية ، حيث قال التقرير : لا وجود للحرية الدينية هناك. فالحرية الدينية غير معترف بها ولا هي مؤهلة للحماية بموجب قوانين البلاد ، كما أن الحريات الدينية الأساسية ممنوعة على الجميع ما عدا أولئك الذين ينتمون إلى مذهب الإسلام السُنّي المعترف به.
لقد كذبت أمريكا في تقريرها وكذبت في تحليلاتها وكذبت دوائرها الاستراتيجية وكذبت الأعين التي تنقل لها حقيقة الأمر .
فها هي الأقليات الدينية الموجودة في المملكة تنعم بالأمن والاستقرار وتأمن على وجودها وتؤدي شعائرها بحرية ، فلم يقم أحد بهدم مساجدها كما أحرق اليهود المسجد الأقصى والمسجد الإبراهيمي وكما فعل الهندوس في المسجد البابري وكما تفعل الحكومة الفلبينية والحكومة الروسية وكما فعل الصرب في البوسنة وكما فعلت قوات المارينز الأمريكية في الفلوجة .
ولم يقم أحد بقتل واحد من أفراد هذه الأقليات في أماكن عبادتهم كما حصل في المجزرة التي قام بها أحد متطرفي اليهود بقتل العشرات من المصلين في الأقصى وكما فعلت قوات المارينز أكثر من مرة في العراق .
إن من تسامح الإسلام مع مخالفيه أنه لم يلزمهم بأحكامه التشريعية ، وسمح الإسلام لغير المسلمين بإقامة حياتهم الاجتماعية وأحوالهم الشخصية وفق تشريعاتهم الخاصة كالزواج والطلاق والمواريث ونحو ذلك .
وحين أشكل على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه مخالفة أهل الذمة للمسلمين في أحوالهم الاجتماعية ، وبقاؤهم على ما جرت به أحكام دينهم المخالف للإسلام ، وهم يعيشون بين ظهراني المسلمين ، حينذاك كتب إلى الإمام الحسن البصري رحمه الله مستفتياً : " ما بال الخلفاء الراشدين تركوا أهل الذمة وما هم عليه من نكاح المحارم ، واقتناء الخمور والخنازير ؟ " فأجابه الحسن البصري - رحمه الله -: " إنما بذلوا الجزية ليتركوا وما يعتقدون ، وإنما أنت متَّبع لا مبتدع والسلام " .
ومن هنا كان لغير المسلمين محاكمهم الخاصة يحتكمون إليها إن شاؤوا وإلا لجأوا إلى القضاء الإسلامي، كما سجل ذلك التاريخ، وإذا تحاكموا إلى المسلمين وجب لهم الحكم بالعدل . قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم :{فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.
يقول غوستاف لوبون في كتابه " حضارة العرب " : فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم "
منقول................................... ........................................
المفضلات